وطنا اليوم:“لم أكن أعلم أن الرواتب التي تدفعها الحكومة مرتفعة إلى هذا الحد!”.. هذا ما قاله الرئيس السوري أحمد الشرع مازحًا بعد وصول أكثر من 100 من الموالين له إلى قاعدة سابقة للمعارضة، كثير منهم بسيارات رياضية فارهة.
ووفقًا لمصدرين كانا من الحضور، وبّخ الشرع المسؤولين وقادة الأعمال المجتمعين وسألهم: هل نسوا أنهم أبناء الثورة؟ مشيرًا إلى العدد الكبير من سيارات كاديلاك إسكاليد ورينج روفر وشيفروليه تاهو المتوقفة في الخارج.
وسألهم عما إذا كانوا قد خضعوا للإغراءات بهذه السرعة.
يواجه قائد المعارضة السابق، الذي تولى حكم سوريا، حالة من الاضطرابات على مدى عشرة أشهر منذ الإطاحة بالرئيس المخلوع بشار الأسد، بعد حرب أهلية دامت 14 عامًا.
وشهدت البلاد من حين لآخر موجات من العنف الطائفي شاركت فيها فصائل معارضة سابقة مرتبطة بحكومته الجديدة، وأسفر هذا العنف عن مقتل أكثر من ألفي شخص، كما وقعت موجة من عمليات الإخلاء القسري ومصادرة الممتلكات.
عُقد الاجتماع، الذي لم ترد تقارير بشأنه من قبل، في قاعدة الشرع السابقة بمحافظة إدلب شمال غرب سوريا، بعيدًا عن مقره الرئاسي الرسمي في دمشق. وأحاط بالرئيس، الذي كان يومًا قائدًا لفرع تنظيم “القاعدة” في سوريا، مسؤولان أمنيان كبيران أثناء حديثه.
وبحسب المصدرين وموظفين حكوميين اثنين على دراية بما حدث، أمر الشرع موظفي الدولة الذين يملكون سيارات فارهة بتسليم مفاتيحها، وإلا سيواجهون تحقيقات بتهمة الكسب غير المشروع.
وطلبت جميع المصادر عدم الكشف عن هوياتها نظرًا لسرية الأمر.
وقال الاثنان اللذان حضرا اللقاء لرويترز إن عددًا من المفاتيح جرى تسليمها لدى خروج الحضور في النهاية.
ويرى مسؤولون ومحللون سوريون أن الرسالة الموجهة إلى الموالين تبرز تحديًا كبيرًا يواجهه الرئيس، البالغ من العمر 43 عامًا، وهو كيفية التحول من المعارضة المسلحة إلى حكومة مدنية دون تكرار الفساد الذي استشرى في دولة الأسد البوليسية.
وتواجه الشرعية التي اكتسبها الشرع بين كثير من السوريين، وكذلك في الخارج، بعد الإطاحة بالأسد، اختبارًا حقيقيًا.
وقال حسام جزماتي، وهو باحث سوري في الجماعات الإسلامية، والذي درس شخصية المقاتل السابق لأكثر من عقد من الزمن، إن الشرع يفتقر إلى أي إطار مؤسسي أو منهج يمكنه الاعتماد عليه.
وأضاف أنه ليس نتاج مؤسسة حكومية، بل نتاج فصيل، إذ عمل، منذ عام 2003، في بيئة من الفصائل المسلحة، وكانت السلطة قائمة على التحالفات والمحسوبية والاحتكار.
وأضاف جزماتي أن حصول الموالين على غنائم الحرب يهدد قدرته على تعزيز سلطته، مشيرًا إلى أنه يحتاج إلى موارد مالية كبيرة لدعم إدارته، وذلك ليس بالضرورة من أجل تحقيق مكاسب شخصية، ولكن للحفاظ على السلطة.
وقالت وزارة الإعلام السورية لرويترز إن الشرع رتب “اجتماعًا وديًا غير رسمي” في إدلب مع قادة سابقين ومسؤولين وشخصيات بارزة أخرى، تطرق إلى التحديات السياسية والأمنية، وكذلك الحاجة إلى تغيير “ثقافة الاستثمار التي أرساها النظام السابق”.
وقالت الوزارة إنه “أكد على عدم التسامح مع أي شبهة فساد بين موظفي الدولة”.
ونفت ما ورد بشأن تسليم مفاتيح سيارات.
الشرع يستبعد شقيقه؟
يمكن رؤية مساعي الشرع لتحقيق التوازن حتى داخل عائلته.
ويشغل شقيقان أكبر سنًا منصبين كبيرين في الحكومة الجديدة. ويشرف حازم على الأعمال والاستثمارات الأجنبية والمحلية في سوريا، بما في ذلك عمل مقاتلي المعارضة السابقين المكلفين بإصلاح الاقتصاد السوري.
أما ماهر، طبيب أمراض النساء الذي يحمل الجنسية الروسية، فهو الأمين العام لرئاسة الجمهورية، ويرأس اجتماعات رسمية، ويحضر محادثات مع شخصيات أجنبية مرموقة، مثل لقاء الشرع مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو، هذا الشهر.
وقال عدة مسؤولين سوريين إن اعتماد الشرع على أقاربه والمقربين منه نابع من حاجته إلى سد الثغرات سريعًا في إدارته الجديدة عقب الانهيار المفاجئ لحكومة الأسد. فيما يرى منتقدون أن ما يحدث محاكاة تثير القلق لحكم عائلة الأسد.
لكن، بحسب ستة مصادر مطلعة تشمل مسؤولين حكوميين ورجال أعمال، فإن شقيقه الأكبر الآخر، ورجل الأعمال جمال، وقع في قبضة حملة مكافحة الفساد الوليدة التي يقودها الشرع.
وقالوا إنه بعد تولي الشرع السلطة، أنشأ جمال مكتبًا في العاصمة دمشق أدار من خلاله مشاريع مختلفة، منها أعمال استيراد وتصدير وسياحة.
وتكررت رؤيته كثيرًا في ردهات الفنادق والمطاعم الراقية التي كان يذهب إليها في سيارة مرسيدس إس-كلاس سوداء اللون ذات نوافذ تحجب الرؤية ولا تحمل لوحة ترخيص.
وأفادت المصادر لرويترز بأن الشرع أمر بإغلاق المكتب، في أغسطس/آب، وأصدر تعليماته للجهات الحكومية بعدم التعامل مع شقيقه.
وأضافت المصادر أن القرار يتعلق باتهامات باستغلال جمال صلته بالرئيس لترتيب عشرات الاجتماعات مع مسؤولين حكوميين وتجاريين لتحقيق مصالحه الشخصية.
ووجد مراسل رويترز المكتب مغلقًا، هذا الشهر، بالشمع الأحمر، ولم يُجب أحد على جرس الباب.
ويُستخدم الشمع الأحمر كثيرًا في دول المنطقة، بما في ذلك سوريا، مع العقارات التي صدر أمر بإغلاقها في انتظار نتائج تحقيقات حول ارتكاب مخالفات.
وأكدت وزارة الإعلام السورية إغلاق المكتب، وقالت لرويترز: “غير مسموح لجمال الشرع بالعمل كجهة استثمارية أو تجارية”.
وأضافت: “أوضحت الرئاسة منذ تشكيل الحكومة أن جمال الشرع لا يشغل أي منصب رسمي”.
ولم تذكر الوزارة ما إذا كانت السلطات وجّهت اتهامات محددة لشقيق الرئيس أو طبيعة الاتهامات.
ولم تتمكن رويترز من الاتصال بجمال للحصول على تعليق. وفي اتصال هاتفي، قال مدير مكتب جمال إنهما خارج دمشق دون ذكر المزيد.
وبعد فترة وجيزة من إغلاق مكتب جمال، عقد الشرع لقاءً مع أفراد العائلة حضره والده البالغ من العمر 79 عامًا، وحذّرهم من استغلال اسم العائلة لتحقيق مكاسب شخصية، بحسب أحد أقاربه الذين كانوا في اللقاء.
اتهامات
جاء التحذير الذي وجهه الشرع إلى الموالين له في أغسطس/آب، في أعقاب شكاوى من مواطنين سوريين في اجتماع مع الرئيس، في وقت سابق من ذلك الشهر، بشأن علامات البذخ التي ظهرت على بعض المعارضين السابقين الذين يعملون الآن في الخدمة المدنية، وفقًا لأحد الحاضرين.
ومنذ ذلك الحين، يكرر الشرع حديثه علنًا في دمشق عن مكافحة الفساد.
في مقطع فيديو بتاريخ 13 أكتوبر/تشرين الأول، بثّته وسائل الإعلام الرسمية، أبلغ الشرع المسؤولين بضرورة الكشف عن استثماراتهم الحالية، وبحظرهم من الدخول في مشاريع خاصة جديدة. ودعا كذلك إلى تجنب العلاقات الشخصية مع رجال الأعمال، محذرًا إياهم من تكرار النموذج الذي ساد في عهد الأسد.
ولكن، وفقًا لمقابلات مع تسعة من رجال الأعمال السوريين والمسؤولين السابقين والحاليين، لا يزال الفساد موجودًا في سوريا في حقبة ما بعد الأسد، بما في ذلك دفع الرشوة للخروج من السجن، أو استعادة المنازل والمركبات، وغيرها من الممتلكات الثمينة التي صادرها أعضاء بالنظام الحاكم الجديد.
وقال أحد رجال الصناعة واثنان من كبار مديري المصانع، الذين طلبوا جميعًا عدم الكشف عن هوياتهم للتحدث بحرية، إنهم أُجبروا على دفع أموال لوسطاء لديهم علاقات جيدة، دون إيصال أو توثيق رسمي، للحفاظ على استمرار أعمالهم أو إطلاق سراح عاملين معتقلين بسبب اتهامهم بوجود علاقات سابقة مع نظام الأسد.
وقال أحدهم إنه دفع 100 ألف دولار لإطلاق سراح أحد العمال، ليُبلّغ لاحقًا بأن عليه دفع 100 ألف دولار أخرى إذا أراد السماح للموظف باستئناف العمل.
وقال آخر إنه دفع 25 ألف دولار لإطلاق سراح موظف.
ولم تتمكن رويترز من التحقق من صحة هذه الروايات بشكل مستقل.
وقالت وزارة الإعلام إن مثل هذه الممارسات ليست منتشرة على نطاق واسع، وإن بعض الأشخاص المشتبه في تلقيهم رشوة مقابل إطلاق سراح معتقلين، أو لإنجاز أعمال رسمية أخرى، أُحيلوا إلى “تحقيق فوري”.
ويرى من أُجريت معهم المقابلات أن أبرز مصادر القلق في مجتمع الأعمال السوري هو عمليات التسوية الغامضة التي يبرمها مسؤولون حكوميون مع أشخاص متهمين بصلاتهم بالأسد. وبدأت هذه الصفقات، التي يسلّم بموجبها أصحاب الأعمال أصولًا مقابل السماح لهم باستئناف أنشطتهم في سوريا، تتبلور فور السيطرة على دمشق.
وبحسب ستة أشخاص، منهم مسؤولون حكوميون ورجال أعمال مطلعون على الأمر، تحاول السلطات توجيه كل هذه التسويات عبر لجنة للمكاسب غير المشروعة تشكّلت في مايو/أيار، قبل تحويل الأصول إلى صندوق ثروة سيادي جديد لا يزال قيد الإنشاء.
وقالت المصادر الستة إن الصندوق يضم الآن مئات الشركات والمباني الإدارية والمصانع وغيرها من الأصول المرتبطة بأشخاص متهمين بصلات مع نظام الأسد.
لكن الكيانين الناشئين في موضع تدقيق أيضًا.
وذكرت المصادر لرويترز أن محاميين يعملان في الصندوق قُبض عليهما على ذمة التحقيقات بشأن تهم فساد، واحتُجز أحدهما لأكثر من شهر.
وأكدت وزارة الإعلام اعتقالهما، قائلة إن المحاميين يخضعان للتحقيق بتهمة سرقة لم تثبت بعد.
وأضافت الوزارة أن بعض أعضاء لجنة الكسب غير المشروع، المكلفة بالتحقيق في الفساد، احتُجزوا أيضًا للتحقيق معهم في مخالفات مشتبه بها رغم عدم اعتقالهم رسميًا.

 
		 
 
 
 
 
 
 
 

 
  
 



