وطنا اليوم:أكد خبراء إعلاميون أن الجهود الوطنيّة المكثّفة التي تتصدّى لها الجهات الرسمية بحزم ومسؤوليّة بهدف محاربة ظاهرة “الزعرنة”، ينبغي أن يواكبها خطاب إعلامي رصين وعلى درجة عالية من المهنيّة، ليُقدّم للقارىء والمشاهد والمستمع، الرسائل الإعلاميّة التي تنقل ما يحدث بموضوعيّة وتوازن وعقلانيّة، دون انجرار وراء العاطفة التي قد تُنتِج محتوى إعلاميّاً فيه الكثير من المخالفات المهنيّة والأخلاقيّة والقانونيّة.
وقال عميد كلية الإعلام في جامعة اليرموك الدكتور خلف الطاهات لـ(بترا)، إن الصحافة تلعب دوراً أساسياً في تنفيذ السياسات العامة للدولة الأردنية، وتعكس أوجاع وآمال وطموحات المجتمع، وفق أصول وقواعد مهنية، لا سيما وأن مسؤولية الصحافة إبراز التحديات التي تواجه المجتمع واقتراح الحلول لها.
وأضاف الطاهات، أن الإجماع الشعبي المؤيد للحملات الأمنية يؤكد حجم الارتياح في نفوس المواطنين، مشيداً بنجاح الحملة الأمنية بهدف أن تبقى الساحات والشوارع والأسواق آمنة ومريحة أمام المواطن والمقيم والضيوف.
مدير عام وكالة الأنباء الأردنية السابق، الدكتور محمد العمري، وخلال رده على سؤال يتعلق بالدور المهني للإعلام في هذه المرحلة، قال إن “مهمة الإعلام كانت وما زالت تتمثل بقيادة حملات التثقيف والتنوير والتوعية والتحذير من جميع القضايا ومنها ظاهرة الزعرنة والأتاوات التي تؤثر على أمن المجتمع”، مطالباً المؤسسات الأمنية بعقد دورات لصحفيين مختصين ومراكز دراسات لبحث أسباب ودوافع ارتكاب الجرائم.
وأضاف العمري، أن على المؤسسات الصحفية إجراء تقارير وتحقيقات تساعد أصحاب القرار باتخاذ إجراءات وقرارات رادعة بحق مرتكبي الجرائم، وتغطية المطالبات التي تنادي بتعديل التشريعات وتغليظ العقوبات، مبيناً أن على المؤسسات الإعلامية دعوة المواطنين لمحاربة هذه الظاهرة من خلال التبليغ عن فارضي الاتاوات والبلطجية للجهات الأمنية.
وقال رئيس قسم الصحافة في جامعة الشرق الأوسط الدكتور كامل خورشيد، إن حادثة فتى الزرقاء كانت القشة التي قصمت ظهر “الزعرنة”، وجعلت الأمن العام يستحدث أسلوباً جديداً في ردع هذه الظاهرة؛ للمحافظة على حقوق المواطنين وأمنهم واستقرارهم، موضحاً أن دور الإعلام الوقوف في خندق الأمن وتطبيق النظام، ويجب الابتعاد عن الاصطياد في ثغرات الأمور، وتكاتف جميع الجهات والمواطنين للخروج من هذا الظرف المؤقت.
ودعا خورشيد الصحفيين إلى إرسال ما يردهم من ملاحظات ومعلومات إلى الجهات الأمنية قبل النشر، منعاً لتشكيل رسالة مضادة، حيث أن الدولة تحتاج لتكاتف المؤسسات الإعلامية مع الجهات الأمنية وغيرها، كما حثّ مراكز الدراسات والأبحاث على إجراء دراسات علمية لأغراض ضبط النظام، واستطلاع رأي المواطنين وقادة الرأي، إضافة إلى جمع الشائعات وتحليلها من خلال أخصائيين.
أما مدير مرصد مصداقيّة الإعلام الأردنيّ (أكيد) طه درويش، أكد أهميّة التزام الصحفيّ الذي يؤدّي دوره لخدمة الرسالة الإعلاميّة النبيلة، بجملةٍ من المعايير الأخلاقيّة والمهنيّة والقانونيّة التي تحكم عمله، وتقف حاجزاً بينه وبين السقوط في شَرَك التغطيات الصحفيّة التي قد تنتهك تلك المعايير، وذلك تجنباً لتورط الصحفيّ في مخالفات تحمل في طيّاتها الكثير من المخاطر التي تَمسّ مصداقيّة الرسالة الإعلاميّة، ودرجة دقّتها وتوازنها وحيادتيها.
وشدّد على أن التزام الصحفيّ بتقديم المصالح العليا للدولة، والمتمثّلة بالقبض على الأفراد والجماعات الخارجة عن القانون، مرتبطة بشكل وثيق بثنائيّة “الأمن والأمان” وهي المنظومة التي اجتهد الأردن في تشييد أركانها وبنائها وترسيخها، والتي أصبح الأردن بفضلها، واحة أمن وأمان، جعلت منه نموذجاً يُحتَذَى ووجهة للزائرين من مختلف دول العالم للزيارة والسياحة.
وأشار إلى أهميّة توحيد “الخطاب الإعلاميّ” من حيث درجة تأييده لتلك الحملات الأمنيّة والتأكيد على أنّها تتمّ بحزم وقوّة امتثالاً لأحكام القانون لا بتجاوز موادّه، وحرصاً على الوطن والمواطن لا بانتقاص الحقوق أو التعدّي على القانون، مُؤكّداً أهميّة أن تستخدم التغطيات الإعلاميّة لتلك الجهود، اللغة والعناوين الصحفيّة بحذر شديد والابتعاد عن المبالغة، والترويع والتهويل، بما يُسهم في زرع الطمأنينة بنفوس المواطنين بدلاً من بث الرعب والخوف.
بدورها، قالت عضو مجلس نقابة الصحفيين، الزميلة هديل غبون، إن المؤسسات الإعلامية عليها التعامل المهني مع أي قضية ذات صلة بحياة وحقوق المجتمع ومنها الجرائم، ودعم سيادة القانون في ما يتصدى له القضاء، وإبراز مواطن القوة في أهمية محاربة التجاوزات القانونية على اعتبار أن الصحافة مسؤولية اجتماعية ورسالة وطنية.
وأوضحت غبون في حديثها لـ(بترا) أن هناك محاذير في تغطية ملفات الجرائم، وعلى الإعلام أن يلتزم بها، كوضع معايير حقوق الانسان ضمن أولويات التغطية الصحفية والإعلامية، ونقد أية إجراءات رسمية بالمقابل من شأنها المساس “بتطبيق مبدأ العدالة الاجتماعية وسيادة القانون” بين الناس، والتركيز على أحقية الملاحقات القانونية بحق الخارجين عن القانون مع ضرورة التركيز على ضمان خضوعهم لمحاكمات عادلة، بعيداً عن المحاكمات الشعبية التي تنصب عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وقال الخبير في قوانين الإعلام، يحيى شقير، إن الأصل في الإعلام الحر والمستقل أن يكون جهاز إنذار مبكر لأي خلل يحدث في المجتمع قبل استفحاله، حيث أن الإعلام هو “صائحة الضحى”.
وأضاف شقير لـ(بترا)، أن تناول قضية “الزعرنة” بدون خطة إعلامية تعتبر مثل التغطيات المكررة وغير الفعّالة لأخبار حوادث السير، إذ أن التغطيات اليومية لا تؤثر في انخفاض أعداد حوادث السير.
وبين أن الصحفي الجيد يكتب المواد الصحفية لهذه الظواهر عبر المدخل الانساني، لما له من أثر إيجابي وفعّال بعلاج بعض القضايا بطريقة ابداعية ومهنية حين نتكلم عن ضحايا حوادث السير أو المخدرات أو الزعرنة، كما فعل الإعلام في قضية الفتى صالح.
ويتفق شقير مع المتحدثين السابقين على ضرورة إعداد أبحاث لدراسة الظواهر السلبية في المجتمع، كما دعا الجهات ذات العلاقة لإتاحة المجال للباحثين لمقابلة المحكومين في القضايا الجرمية ومنها “فرض الأتاوات والزعرنة” بكافة أشكالها.
وفي سياق متصل، دعا شقير إلى التصدي إلى ظاهرة التنمر الإلكتروني، من خلال خطط استراتيجية استباقية قبل حدوث جرائم بسبب ظاهرة التنمر عبر الانترنت، مبيناً أنها تعد سابقة لظاهرة الزعرنة التقليدية السلبية، مبيناً أن شبكات التواصل الاجتماعي أعطت لهؤلاء “الزعران” أداة جديدة من ناحية الابتزاز والتهديد.
واتفق الخبراء أن على المؤسّسات الإعلاميّة، والصحفيّين العاملين في الميدان، وضع استراتيجيّة إعلاميّة قصيرة، ومتوسطة، وطويلة الأمد، وبالشراكة مع الجهات ذات العلاقة، تُركّز على كيفيّة التصدّي إعلاميّاً للجريمة بأشكالها كافة، وتشخيص أسبابها، ومعالجة جذورها، من خلال التقارير والتحقيقات والمقالات المتخصّصة، التي تسعى إلى رفع درجة الوعي بخطورة الجريمة بشكل عام.
ودعوا إلى أن تتضمن تلك الاستراتيجيّة مخاطبة الآباء والأمّهات والمربّين والمعلمين، وتذكيرهم بأدوارهم الأخلاقيّة تجاه أبنائنا وبناتنا، والعمل على زرع المواطنة الصالحة بداخلهم، وهو ما يُسهم في ترسيخ هذه القيم في المجتمع وأفراده، وبالتالي انخفاض نسبة الجريمة وعدد المُجرمين.
وأشادوا بالنوافذ التي أعلنت عنها مديرية الأمن العام للتبليغ عن ظاهرة الأتاوات، داعين مديرية الأمن العام إلى التوسع في استقبال شكاوى أو تبليغات المواطنين في قضايا أخرى كالاعتداءات على خطوط المياه والكهرباء والتنمر الإلكتروني والجرائم الالكترونية والمخدرات وغيرها، مع الحفاظ على سرية هوية المشتكي.
يذكر أن مديرية الأمن العام نفذت حملات أمنية مشتركة بداية الأسبوع الحالي، لإلقاء القبض على مطلوبين ومشبوهين بقضايا فرض الأتاوات وترويع المواطنين، معربة عن شكرها وتقديرها لجميع أبناء الوطن لوقوفهم ودعمهم لها في هذه الحملات.