بقلم المهندس خالد بدوان السماعنة
في الوقت الذي يشهد فيه الاقتصاد الأردني تحديات متراكمة، من تضخم الأسعار إلى معدلات البطالة المرتفعة، تقف الطبقة الوسطى على حافة الانكماش، مهددة بالتآكل وربما الزوال، في ظل غياب سياسات فاعلة تعيد لها توازنها التاريخي كمحرك رئيسي للتنمية والاستقرار الاجتماعي.
بين الدخل المتآكل والإنفاق المتصاعد ،،،
لم تعد الرواتب الشهرية، حتى تلك التي توصف بـ”المقبولة”، كافية لتغطية متطلبات المعيشة الأساسية. ففي ظل ارتفاع أسعار المواد الغذائية، والإيجارات، والتعليم، والرعاية الصحية، بات الكثير من أبناء الطبقة الوسطى يضطرون للاستدانة أو خفض مستوى معيشتهم تدريجياً.
تشير بيانات غير رسمية إلى أن متوسط إنفاق الأسرة الأردنية ارتفع بنسبة تتجاوز 30% خلال السنوات الخمس الماضية، مقابل ركود شبه تام في نمو الأجور، ما أدى إلى انزلاق عدد كبير من العائلات من الطبقة الوسطى إلى شريحة الدخل المحدود أو ما دون خط الفقر.
أزمة إسكان وتعليم ،،،
واحدة من أبرز تجليات تآكل الطبقة الوسطى تكمن في صعوبة تملك السكن أو توفير تعليم نوعي للأبناء. فقد أصبحت كلفة التعليم الخاص عبئًا متزايدًا، فيما بات السكن في المناطق القريبة من العاصمة حلمًا مؤجلًا لكثير من الموظفين وأصحاب المشاريع الصغيرة.
البطالة والعمل غير المستقر ،،،
تلعب البطالة، وخاصة بين الشباب الجامعي، دورًا محوريًا في إعادة تشكيل خريطة الطبقات الاجتماعية. وتشير التقديرات إلى أن أكثر من 40% من الشباب الأردنيين يعانون من بطالة صريحة أو بطالة مقنّعة، ما يضع مستقبل الطبقة الوسطى على المحك، ويؤثر على قرارات أساسية مثل الزواج، أو الإنجاب، أو حتى الهجرة.
رأي خبير اقتصادي: التحولات العميقة في الطبقة الوسطى تنذر بأزمة شاملة(!)
في هذا السياق، يقول الخبير الاقتصادي الدكتور خالد الرواشدة:
“الطبقة الوسطى في الأردن لم تعد تمتلك أدوات الصعود الاجتماعي كما في السابق. لقد تآكلت بفعل الضرائب غير المباشرة، وارتفاع الأسعار، وضعف الأمان الوظيفي. هذه الطبقة كانت الحاضنة الأساسية للاستقرار الوطني، وتراجعها يُنذر بأزمات اجتماعية وسياسية واقتصادية إذا لم يتم التدخل بسياسات عادلة وشاملة.”
ويضيف:
“ما نحتاجه اليوم ليس فقط إصلاحًا ماليًا، بل رؤية اقتصادية متكاملة تعيد الثقة للطبقة الوسطى من خلال خفض كلف المعيشة، وتحفيز المشاريع الصغيرة، وتوفير شبكة ضمان اجتماعي حقيقية.”
غياب سياسات الحماية ،،،
رغم محاولات الحكومة تفعيل برامج دعم مثل “تكافل”، إلا أن هذه المبادرات غالبًا ما تستهدف الفقراء فقط، دون إدراك لخطورة تآكل الطبقة الوسطى بوصفها العمود الفقري للاستقرار الاجتماعي والسياسي في البلاد.
صوت المواطن: “نعيش لنغطي الالتزامات فقط” ،،،
عبّر عدد من المواطنين عن واقع مرير تعيشه أسرهم. يقول أحد المواطنين- موظف في القطاع العام منذ 20 عامًا- : “راتبي لا يكفي نصف الشهر. نحن نعيش فقط لنغطي الفواتير، لا وجود للادخار أو للترفيه أو للاستثمار في مستقبل أبنائنا”.
دعوة للمراجعة الوطنية ،،،
يتطلب الحفاظ على الطبقة الوسطى الأردنية تدخلًا عاجلًا يعيد النظر في السياسات الاقتصادية والضريبية والتعليمية. كما يجب تطوير شبكة حماية اقتصادية شاملة، لا تكتفي باستهداف الفئات الأشد فقرًا، بل تدعم الأسر المتوسطة قبل أن تنزلق هي الأخرى إلى دائرة العوز.
ختاما ،،،
الطبقة الوسطى ليست مجرد رقم في إحصاءات الدخل، بل هي عمود الاستقرار الاجتماعي، وخزان الكفاءات، والضمانة الأساسية لاعتدال المجتمع وتماسكه. إن الحفاظ على هذه الطبقة في الأردن لم يعد ترفًا، بل ضرورة وطنية وأمنية واقتصادية من الدرجة الأولى.
دمت يا أردن بخير.