د. عادل يعقوب الشمايله
يُصَدِّقُ العربانُ السذجُ سياسياً، إبتداءاً من الأميين، وانتهاءاً بكثيرين يحملون شهادات الهندسة والطب والقانون وغيرها من الشهادات وحتى بعضٌ من حملة شهادة الدكتوراه لا يعلمون شيئاً ذا قيمةٍ خارجَ تخصصاتهم، تحليلات الخبراء الذين تستأجرهم قناةُ الجزيرة والحوارات التي تبثها مواقع التواصل الاجتماعي خاصةً الفيديوهات التي تروجُ مزاعمَ ومواقفَ ايران وحزب المرشد الايراني في لبنان.
يرددُ الخبراءُ في معظم النشرات الاخبارية بدون استحياء وبدون ادنى احترام لماضيهم العملي، مقولةَ أنَّ اسرائيل فشلت في تحقيق هدفيها المعلنين وهما اطلاق سراح الرهائن والقضاءَ على حماس. يطلقونَ هذه التحليلات وهم يشاهدون على الشاشاتِ أنَّ اسرائيل احتلت قطاع غزة من بدايته وحتى نهايته ولم يوقف تقدمها أيَّ مقاومةٍ مباشرة في الميدان لا من حماس ولا من مليوني الشعب الفلسطيني، وأن اسرائيل قتلت قادة حماس ومعظم افرادها ودمرت القطاع وجوعت سكانهُ وشتت شملهم ورحلتهم الف مرة.
تحليلُ الخبراءِ يُشابهُ من يمسك بذنب الحمار ليلبسه الرسن ليقوده.
التحليلُ الصحيحُ والصائبُ يجبُ ان ينصبَ على من بدءَ المواجهة او المعركة بغض النظر عن مشروعيتها. هل هي اسرائيل ام حماس؟ هل هي روسيا ام اكرانيا ام حلف الاطلسي؟ هل هي المانيا ام بريطانيا أم فرنسا أم السلطنةَ العثمانيةَ ام امريكا ام روسيا في الحربين العالميتين الاولى والثانية؟
الاهدافُ التي يجبُ ان يُنظر اليها لغايات التقييم هي اهدافُ المهاجم وليس المدافع.
كلنا يعرف أنَّ اسرائيل انسحبت من كامل قطاع غزة منذ عشرين عاماً. والكثيرون يعرفون ان تمويل حماس الخارجي كانَ يمرُ معظمهُ من خلال اسرائيل او بعلمها، وأن الاف الغزاويين كانوا يعملون يوميا في اسرائيل بطلبٍ من حماس بسبب ارتفاع معدل البطالة والفقر في غزة لأن حكومة حماس لا تنفق الاموال التي تتلقاها لتخفيف الضغوط المعيشية التي يعاني منها سكان القطاع بإقامة المشاريع لتشغيلهم، بل انفقتها على حفر وبناء الانفاق. لذلك كان الغزاويون على وشك الانتفاض على حماس مع أن السلطة الفلسطينية هي من يدفع رواتب موظفي حكومة حماس .
وجود عمالة غزاوية في اسرائيل يعني وجود تواصل واتفاقات وتوافقات غير معلنة بين حماس واسرائيل.
فجأت تتعرى حماس من ثوبها، وتلبس ثوبا آخر. لماذا؟
حماس هي التي هاجمت اسرائيل يوم ٧ اكتوبر. واعلنت عن هدفين رئيسيين لهجومها. الاول اطلاق جميع السجناء الفلسطينيين. والثاني هو ايقاف تعرض المستوطنين والمتطرفين اليهود للمسجد الاقصى.
كلا الهدفين شعوبيين ومشروعين في آنٍ واحدٍ من حيث المبدأ، ولكن الاسلوب لتحقيقهما يظل موضع تسائل واستغراب، ومفتوحٍ على التكهنات والتنجيم لحين الافراج عن الوثائق والتحقيقات عاجلا أم آجلاً التي ستظهرُ مبررات الهجوم الحقيقية ودوافع تاريخ الهجوم.
السؤالُ الذي يجب ان يجيب عليه الدويري والفلاحات وامثالهما اولاً هو: هل حققت حماس هدفيها المعلنين من طوفان الاقصى قبل ان يقررا هل نجحت اسرائيل ام فشلت في تحقيق هدفيها المعلنين. بعد الاجابة على هذا السؤال الاول بالترتيب، يأتي دورُ الاجابة على السؤال الثاني المقابل: هل حققت اسرائيلُ الهدفين المعلنين للتصعيد غير المبرر والرد غير المتوازن والمجنون والحاقد على ما فعلته حماس يوم ٧ اكتوبر؟
أنا ارى أنَّ أيَّ عاقلٍ لا بد ان يستنتج أن حماس لم تحقق ايَّ هدف من هدفيها المعلنين. فلا السجناءُ الفلسطينيون افرج عنهم، ولا الاعتداءات على الاقصى توقفت.
وفوقَ ذلكَ، تسببت حماسُ في تدمير غزة وقتل وجرح ١٠٪ من سكانها. وتشريد وبهدلة الذين بقوا واصابتهم بالامراض، وتدمير اقتصاد قطاع غزة وبنيتها التحتية كاملة وتهيئتها بيئيا للتفريغ من اهلها.
وفوقَ ذلكَ ايضا، مكنت فِعلةُ حماس وتهورها وانعدام استعدادها العسكري لمواجهة معركة بهذا الحجم بل بإقلَ منها بكثير، وارتباطاتها الظاهرة والباطنة، وعدم امتلاكها لوسائل الدفاع عن الشعب الاعزل وعن نفسها الى تحقيق الهدف الاول المعلن لنتنياهو وهو القضاءُ على حماس، لأن قوة حماس العسكرية قد انتهت تقريبا رغم ادعاءات قناة الجزيرة، ودُمرت الانفاق على رؤوسهم.
أمَّا هدفُ نتنياهو المعلن الثاني وهو اطلاق سراح الرهائن فقد كان واضحا انهُ هدفٌ خادعٌ وطُعمٌ لصيد السمكة. لأن اسرائيل فقدت يوم الطوفان حوالي ١٢٠٠ يهودي. فما الفرق ما بين ١٢٠٠ و ١٤٠٠ قتيل؟ ايَّ انَّ اسرائيل كانت مستعدة منذ البداية للتضحية بالرهائن ال ٢٠٠. والدليل انها كانت توافق على وقف اطلاق نار مؤقت ريثما يتمُ اطلاقُ دفعة رهائن ثم تعاود الحرب من جديد. هل من عاقل يرى في المطلب الاسرائيلي ايَّ قدرٍ من الجديةِ، وتوقعِ قبولِ الطرف الاخر بهذا الشرط؟
اذا كان العربانُ او الاعرابُ يرونَ ان عدد من قُتِلَ وجُرِحَ في غزة، والدمار الذي حل بها، مبررٌ ومقبول، وثمناً رخيصاً يجب تحملهُ من اجل احياء القضية الفلسطينية واسترداد الحقوق الفلسطينية، وأنَّ من قتلوا هم شهداء ذهبوا الى الجنةِ، فلماذا ينكرون على اليهود والصهاينة ان يكون لديهم نفس المشاعر؟
فاليهودُ الصهاينةُ قدموا الى فلسطين واسسوا الدولة العبرية وهم يعرفون انهم محاطون باعداءَ لن يسامحوهم ولن يتقبلوهم، وسيظلون يحاولون القضاء عليهم. هذا يعني ان اليهودي المؤمن بالتوراة وبما ورد فيها من أنَّ الله اعطى الارض ما بين النهرين النيل والفرات لشعبه المختار إنما يحاول تحرير العطاء الرباني من العرب المحتلين. وانه من واجبهم الديني والقومي والوظيفي القتالَ والتضحيةَ والموتَ في سبيلِ هذا الهدف وأنهم يُرضون الرب يهوه في السماء الذي سيكافئهم على ذلك بالجنة وأربابهم الامريكان والاوروبيين في الارض الذين سيحمونهم ويكافئونهم مكافأة ملموسةً محسوسةً.
ايدولوجية تقابلها ايدولوجية وكلتاهما حربيتان، كل منهما تسعى لاستئصال منافستها