كتب الدكتور محمد الهواوشة:
الغُربة، تلك الكلمة التي تحمل في طياتها مشاعر متناقضة، تجمع بين الحنين إلى الوطن والشوق إلى الأهل، وبين البحث عن فرص جديدة وتحقيق الذات في بلاد بعيدة. أن تكون مغتربًا يعني أن تعيش في بلدٍ آخر غير الذي نشأت فيه، وتُعيد صياغة حياتك وتكوين هويتك بعيدًا عن جذورك الأولى.
في كل يومٍ للمغترب، هناك قصص وتحديات تتجدد. تبدأ القصة منذ لحظة الفراق الأولى، لحظة الرحيل عن الوطن، حيث تتشابك المشاعر بين الأمل بالخروج إلى فضاء أوسع والحزن على الابتعاد عن الأهل والأصدقاء. المشهد الأول دائمًا ما يكون صعبًا، لكن قرار المغترب، الذي غالبًا ما ينبع من الرغبة في تحسين حياته وحياة أسرته، هو ما يجعله يمضي قُدمًا.
كل صباح، يبدأ المغترب يومه بمحاولة التكيف مع بيئة جديدة. اللغة، العادات، وأساليب الحياة تختلف عما اعتاد عليه. في لحظات الصباح الأولى، قد يفتقد أصوات الوطن، كصوت الأذان أو صوت الجيران، وقد يشتاق إلى وجوهٍ ألفها منذ الصغر. لكنه سرعان ما يتذكر هدفه ويجد في نفسه القوة للاستمرار.
ثم تأتي فترة العمل، حيث يحاول المغترب إثبات نفسه في مجتمعٍ جديد. قد يواجه تحديات في فهم الثقافة المحلية أو في تحقيق النجاح المهني، ولكن شغفه بالتعلم والتطوير هو ما يساعده على تخطي تلك التحديات. يوميات المغترب مليئة بالمحاولات المستمرة لإيجاد مكانه في هذا العالم المختلف.
وبعد انتهاء ساعات العمل، يعود المغترب إلى بيته أو شقته، حيث يجد نفسه بين جدرانٍ صامتة تفتقد إلى الألفة. هذا هو الوقت الذي يشعر فيه بالوحدة، وتبدأ ذكريات الوطن بالتدفق. قد يجلس أمام شاشة هاتفه يتفحص رسائل من أهله وأصدقائه، يستمع إلى صوتهم عبر مكالمات الفيديو، لكنه يدرك أن شيئًا لن يعوض شعور العيش بينهم.
في يوميات المغترب، لا تغيب عن ذهنه فكرة العودة. دائمًا ما يتساءل: متى سأعود؟ وهل ستظل الحياة كما هي في الوطن؟ ولكن مع مرور الوقت، قد يدرك أن الغربة ليست فقط مكانًا بعيدًا، بل هي أيضًا تجربة شخصية تنضج فيها هويته وتتعمق رؤيته للحياة. يكتشف المغترب أن الوطن ليس مجرد أرض، بل هو أيضًا شعورٌ بالانتماء، ربما يتسع ليشمل مكانه الجديد الذي أصبح جزءًا من حياته.
كل يوم في حياة المغترب هو خطوة نحو تحقيق التوازن بين الماضي والحاضر، بين الجذور والطموحات. ورغم الصعوبات، يبقى الأمل رفيقه، ذلك الأمل الذي يغذي شوقه للعودة أو لتحقيق النجاح في أرض الاغتراب. في النهاية، يوميات المغترب ليست مجرد قصص عن الغربة، بل هي دروس عن القوة، التحمل، والقدرة على التكيف مع الحياة، مهما كانت الظروف.