لا يملكُ أيٌّ مرشحٍ من المُرشحين ولا حزب من الاحزاب استراتيجيةً للحل ولا قدرةً على الحل

25 أغسطس 2024
لا يملكُ أيٌّ مرشحٍ من المُرشحين ولا حزب من الاحزاب استراتيجيةً للحل ولا قدرةً على الحل

د. عادل يعقوب الشمايله

ما الك الا الصندوق
الصندوق هو الحل
الاسلام هو الحل
نحن الحل
اراده هي الحل
هذه بعض الشعارات التي لفتت انتباهي اثناء تسوقي في مول الانتخابات الذي يمتد ويتمدد على كافة شوارع وساحات بلدنا.
تساورني الشكوكُ في مناسبةِ وتوقيتِ الإعلانِ عن السيرك الذي يبدو في الصورة ادناه والذي ينافس لافتات المرشحين في جلب الانتباه. هل الاعلان عنه مقصود ام مصادفةً. رجاءاً تكبير الصورة لتتمكن من رؤية الاعلان بوضوح وقراءة محتواه.

لا أُجانبُ الحقيقةَ اذا زعمتُ أنَّ جميع الحملات الانتخابية يُمكنُ ادراجها تحتَ عنوانِ السيرك. لكنْ مع وجودِ تباينات وفروق كما هو حال جميع انواع السلع والخدمات التي يروجُ لها منتجوها وباعتها ومقدموها.
هناك سيرك يشرفُ عليهِ ويقدمهُ محترفون مهرة. فتستمتع بما ترى وتتمنى ان تطول فترة العروض والمشاهده. تخرجُ من السيركِ غيرَ نادمٍ على ما دفعتهُ ثمن التذاكر ولا على الوقت الذي قضيته داخل السيرك لأنه لم يكن وقتا ضائعاً فقد حصلتَ على ما وعدكَ بهِ مسؤولوا السيرك في الاعلان.
وبالمقابل، هناك سيرك ينقلبُ الى مقلب. لأن من يقدم العروض فيه هم مجردُ هواة او مبتدئين. الاداءُ مبتذل وممل. لذلك تتمنى ان ينتهي العرض باقصى سرعةٍ لأنك لا تشعر انك تجلس على كرسي بل على خا٠٠ق٠
خيبةُ أملٍ يُرافقها شعورٌ بالغبنِ على ثمن التذاكر والوقت والاستهتار بذوقك وعقلك.
ادرجتُ في مقدمةِ هذا المقال اربعَ شعارات تتسابقُ وتتنافسُ على الغموضِ والخداعِ والضحكِ على الذقون والاستهتارِ بعقولِ الناخبين، بل وبالنتيجة الاستهتار بأهمية النائب واهمية مجلس النواب.
لطالما رفعَ الاسلامُ السياسيُ شعارَ “الإسلامُ هو الحل” وتكررَ وصولُ الاسلاميونَ الى الحكمِ لأنَّ غالبية الناخبينَ صدقوا الشعارَ. والامثلةُ على ذلكَ السودان وافغانستان والصومال وتونس والمغرب وليبيا. النتيجةُ يعرفها كُلُّ باحثٍ عن الحقيقة. كُلُّ من لم يُصَبْ بالعمى والطرش والخرس الايدولوجي.
كما رفعَ البعثيونَ شعارَ “البعثُ هو الحل”. وقد شاهدنا ما آل اليهِ حالُ العراق وسوريا. ورفعَ الشيوعيون شعارَ “الماركسيةُ هي الحل” وشاهد وسمع وعرف كل من له عينان واذنان وعقلٌ مآل الاتحاد السوفيتي والدول التي دارت في فلكه ومعاناة الشعوب من الاستبداد وتدني المستوى المعيشي وطغيان الاجهزة الامنية وغياب كافة انواع الحقوق والحريات.
ورفعَ العسكرُ بعدَ كُلِّ انقلابٍ اقترفوه شعارات “انهم هم الحل” وأنَّ المدنيينَ خونةٌ وفاسدين وغير أكفاءَ ولا يؤتمنون َ على البلد. فماذا كانت النتيجة؟ نارٌ احرقت ليسَ فقط اعشابَ الغابةِ، بل اشجارها السامقات وترابها وحجارتها. تحولت الانقلابات الى براكين دمرت مقذوفاتها من الحمم كل انواع الحياة في محيطها. وكانت الممارسات اللانسانية في دول الاتحاد السوفيتي هي مثالهم الاعلى.
الحكومةُ بدورها استهواها الشعار ، أو انها زغرت عقلها وارادت التشويش والمشاغبة او ان تستهزئ بحملة شعارات الحلول الجاهزة كعلب السردين الفاسدة او منتهية الصلاحية. فرفعت شعار الصندوق هو الحل. مُنذُ متى سمحت الحكومةُ للصناديق ان تُعَبِرَ عن اختيارات الناخبين؟ ومُنذُ متى سمحت الحكومة لبعض من انتخبهم الناخبون، بل ومن انتخبتهم الحكومة نفسها بطرقها المعروفةِ المكشوفةِ أن يكونوا هم الحل أو أن يشاركوا في الحل؟ الم يقل احدُ النواب المخضرمين، أنَّ مجلس النواب هو مجرد ديكور؟
الحكومةُ (السلطةُ التنفيذيةُ) فقط هي التي تملكُ الحلول وليس مجلس النواب الا اذا تشكلت الحكومة من الحزب الفائز وكانت هناك معارضةٌ وطنيةٌ صادقةٌ واعيةٌ ملتزمةٌ وشعبٌ يعرف رأسه من رجليه يراقبُ ويحاسبُ ويعاقب. شعبٌ يقدرُ قيمةَ الحياة الدنيا ويحبُ أن يحياها حياةً حرةً كريمةً، وملحقين على الموت وعلى الجنة. الحكومةُ هي التي لديها الخبراء، وهي من تضع الخطط والبرامج وهي من تضع الاستراتيجيات لتنفيذها وهي المسؤولةُ عن تنفيذها، وهي التي تملكُ ادوات المحاسبة والعقاب او المكافأة. الحكومةُ هي التي لديها الاموال والموارد وتضعُ الموازنة العامة وتنفذها. وهي التي تختارُ بين أن تكونَ الموزانةُ برنامجاً للعملِ البناءِ المنتجِ الذي يُحققُ النموَ الاقتصادي ويخفضُ الفقرَ والبطالةَ ويجلبُ الاستثمار ويوطنهُ ، وبين الخيار الثاني، خيارَ السَفهِ المالي والاقتراضِ غير المبرر وفرض الضرائب المجحفةِ والبيروقراطية المريضة وبالنتيجةِ إضاعةَ فُرصِ النمو والازدهار وتفضيل الاندحار.
عندما يرفعُ حزبٌ شعار “نحن الحل” دون ان يبين ويشخص المشاكل والازمات التي ينوي حلها، ودون ان يقنعنا بأن قائمة المشاكل والازمات هي ذاتها التي يشتكي منها الشعب، وأنَّ الطموحات التي وضعها على أجندته هي طموحات الشعب بل تزيد، فإنَّ هذا الحزب يتطلعُ لممارسةِ دكتاتوريةٍ وقحةٍ واستغفالا للشعب وتحايلا عليه. ثُمَّ إنَّ على هذا الحزبِ ان يوضحَ ويكشفَ عن الحلول التي اكتشفها وكيف يُحققها ومتى. مثلا هل سيصرف فيلا وسيارة جديدة ويودع مائة الف دينار في حساب كل فقير ليخرجه من الفقر، وهل سيوفر وظيفة مدير لكل عاطل عن العمل يرفض جميع فرص العمل الكريمة المتاحة ويصر على وظيفة حكومية. هل سيمنع الطلاق ويزوج العانسين والعانسات والارامل والمطلقات؟ هل سيُفَجرُ انهارا ويحفر ابارا في سهول الاردن البديعة العطشى المتلهفة للانتاج والعطاء ويحلل ما حرمته الحكومة عليها؟ هل سينظف الاردن من الجرائم والمخدرات وكيف؟ هل سيخفض اسعار المشتقات النفطية والكهرباء وكيف؟ هل سيحل مشكلة توزيع المياه وارتفاع اسعارها ويوقف اضطرار المستهلكين لاستخدام اجهزة تعقيم وفلترة او شراء مياه مفلتره. هل سيحل ازمة السير وكيف ومتى؟ هل سيستخرج البترول والغاز الحبيسين في باطن الارض كما حُبِسَ اهل الكهف في الكهف وهم احياء، هل سيسد ديون الغارمين، هل سيرفع مستوى التعليم والخدمات الصحية ويوفر الادوية…
الخلاصة: لا اشجع أيَّ شخصٍ على شراء تذاكرَ لدخول السيرك الانتخابي، ولا اشجعُ أيَّ شخص قبول تذاكر مجانية لدخول السيرك الانتخابي. ولا اشجع اي شخص ان يقبض مبلغا من المال مدحوشا في مغلف البطاقة المجانية لدخول السيرك الانتخابي. الانتخابات في كافة دول العالم الثالث لا تعدو أن تكون مسرحية ستذرف الدموع من اول مشهد فيها حتى آخر مشهد، ولن تجلس على مقعد مريح اثناء المشاهدة، بل على خ.
ففاقد الشيئ لا يعطيه. ويا طالب الدبس من ط ٠٠٠ النمس.