وطنا اليوم_أ.د.خليل الرفوع
أستاذ الأدب العربي. الجامعة القاسمية_المصطلح العلمي حقيقة ومجازًا هو الذي استقرت عليه الدلالة في الدراسات الحديثة، وهو: العصر الجاهلي، ولم يطلق اسم الجاهلية في العصر نفسه بل أُطلِق فيما بعد، وليس المقصود بالجهل هنا عدم المعرفة؛ فقد كان العربُ أهل حضارة ومعرفة وأدب والشواهد التاريخية والشعرية والقرآنية كثيرة، لكن الدلالة هي الجهل الديني أي لم يكونوا على دين واحد صحيح في زمن تعددت فيه الديانات في بلاد العرب، فجاء الوصف القرآني لسلوك اجتماعي عربي قبل الإسلام: (ولا تبرجْنَ تبرج الجاهلية الأولى).
والمعنى الآخر هو الظلم والعدون، وقد كان أكثرهم كذلك فلم تكن هناك حكومة تسوس العرب جميعا بل كانت الأعراف القبيلة هي السائدة آنذاك حتى في ممالك اليمن القديمة المتحضرة، ومناذرة العراق وغساسنة بلاد الشام، وفي ذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم لأبي ذر مؤدبًا حينما عيّر عبدًا بأمه :(إنك امرؤ فيك جاهلية) أي ظلم الجاهلية وعدوانها على الرغم من أنه صحابي يتقن القراءة والكتابة والمعرفة الدينية، وفي هذه الدلالة يقول الشاعر الجاهلي عمرو بن كلثوم :
ألا لا يجْهَلن أحد علينا
فنجهلَ فوق جهل الجاهلينا
فهو يفتخر بأنه سيجهل إن جُهِل عليه أي إن اُعتدي عليه فالدلالة الشعرية والقرآنية واضحة جلية، فالعصر الجاهلي هو العصر الذي سبق الإسلام بمئتي عام تقريبًا إلى مائة وخمسين، ويطلق عليها الجاهلية المتأخرة؛ وقد عاش فيه الشعراء الفحول مثل: امرئ القيس وعنترة ولبيد والنابغة والخنساء …. وهو أفضل عصر من حيث الشعر والبيان والبلاغة وتأسيس البناء اللغوي، لذا تنزّل القرآن فيه ولم يتنزل في غيره من العصور؛ ولا يطلق عليه مصطلح: عصر ما قبل الإسلام؛ لأننا لا نعرف متى بدأ الإسلام، هل بالبعثة أم بالهجرة أم باكتمال نزول القرآن أم باكتمال بناء الدولة الإسلامية على يدي عمر بن الخطاب رضي الله عنه خاصة أن أكثر العرب في الجزيرة والعراق وبلاد الشام لم يسلموا إلا بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم بزمن، ولم يتمكن الدين من قلوبهم، وقد استمر بعض العرب على جاهليتهم زمن الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين وعصر بني أمية وربما إلى زمننا بالمفهوم اللغوي والقرآني.
وفي الدراسات الإنسانية المعاصرة أطلق مصطلح العصر الجاهلي على ما قبل العصور الإسلامية من أجل دراستة منفصلا عن العصور اللاحقة وهي: صدر الإسلام والأموي والعباسي والفاطمي والأيوبي والمملوكي والعثماني …..
وبعْدُ
فإن إطلاق مصطلح العصر الجاهلي على الحقبة التي سبقت الإسلام ليست إلا تسمية تعريفية تحديدية تميزية عما قبلها من عصور وعما بعدها.وليست متاضدة مع مفهومي المعرفة والحضارة.