في العرض العسكري المهيب بمناسية عيد الجلوس الملكي، واليوبيل الفضي لحكم جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، كانت الرسالة الأهم لخارج حدود المملكة الأردنية الهاشمية، وأما العنوان الجامع لتلك الرسائل، فكان أن الأردن قوي، وفيه جيش يحميه، وسلاح يفتك بكل من يفكر أن يمس هذه الأرض الطاهرة بسوء.
وفي تفاصيل رسائل “التسليح”، كان الكشف عن اقتناء الأردن للطائرة المسيرة القتالية “شاهين”، الرسالة الهامة، فنحن دخلنا عصر “التسليح الدروني” الذي يعد في هذا الزمن، الأهم، ولأننا نواجه ما هو أشبه بـ “حرب مخدرات” على الحدود، فإننا بتنا الآن أكثر قوة على رصد تلك العصابات “الضالة”، بل وضربها في عمق تمركزها.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد “تسليحاً”، بل أن الجيش العربي المصطفوي كشف عن امتلاك الأردن لأسلحة متطورة ومتقدمة للتعامل العملياتي العسكري سواء في البر أو في الجو.
وأما في “النطق السامي”، فكانت الرسائل كثيرة، لكن أهمها كان التأكيد على أن الأردن الذي تجاوز على مدى 25 سنة كل الصعاب والمحن التي أسقطت دول وشرّدت شعوب، فإنه سيكون قادراً على إكمال المسيرة، ومن هنا أطلق جلالة الملك العهد للأردنيين بأن يبقى آمناً مطمئناً قوياً، وحراً.
وأما في آخر “الوعد”، وهو “الأردن الحر”، فتلك رسالة لكل من يدعي بأن قرار الأردن مرتهن لأي قوة كانت على الأرض، وتأكيد على أن قرار الأردن “سيادي”، وأن هذا البلد سيد نفسه، وصاحب قراره، متكئاً على جيشٍ أول جنوده “ملك”، وقيادته من نبت تراب أرضه الطاهرة، وجنوده ممن تربّوا في كنف الأردنيين الأحرار والأردنيات الحرائر، فهذه دولة بدأت أولاً بثورة، ولم تكن في يوم نبتاً من “الصدفة” والعدم.
في خطاب الملك، كان هناك حديث عن الماضي القريب الذي بنى فيه الهاشميون والشعب هذه البلاد، وعن الحاضر الذي تعاهدوا فيه على التمسك بإرث الأجداد، وعن المستقبل الذي يتطلع إليه الأردنيون وقيادتهم بكثير من الأمل والتصميم على أن يحجزوا لهم مكانة مرموقة بين الأمم المتقدمة التي تضع لها بصمة في تطور العالم، وتكون أمة بعلامة فارقة على وجه هذه البسيطة، ومن هنا قال الملك للأردنيين بأنه يباهي بهم العالم، وأنه يفتخر بأنه أردني.
وقبل أن يُنهي الملك خطابه التاريخي بتأكيد المضي على العهد، فقد ألقى في القلوب الأمل بغدٍ أفضل حين تحدث عن الجانب الاقتصادي وأكد بأن الأردن بات قصة نجاح في الجانب الاستثماري لا سيما في القطاعات الواعدة، فهذا الأردن يجاري العصر والتطور في كل نواحي الحياة، وإن كانت من صعوبات تواجه الأردنيين اقتصادياً، فإن التاريخ يقول بأن لا نجاح إلا بعد تعب، ولا انفراجة إلا بعد عسر، وإن كنا اليوم نحفر الطريق لنصل إلى النهاية السعيدة، فإن غداً لناظره لقريب، وحين قطع الملك على نفسه عهداً بأن يبقى الأردن مطمئناً وآمناً ومستقراً وحراً، فإن هذا يعني أننا في بلد لم تعرف قيادته ولا شعبه، الفشل، يوماً.
وتقديراً منه للحضور، ولرفاق السلاح، الذين هتفوا حباً بمليكهم، استل القائد الهاشمي سيفه وحياهم تحية العسكر، وتحية كبار القادة، فهذه شيم الهاشميين التي اعتاد عليها الأردنيون، وتأكيد على رسالة القادة الأجداد، بأن هذا الشعب عظيم ويستحق التكريم والتقدير والاحترام كما كل أمم وشعوب الأرض المُقدّرة.
انتهت احتفالية عيد الاستقلال واليوبيل الفضي، لكن الملك وضعنا جميعاً على بداية طريق أملٍ جديد بأردن أبهى وأجمل، وكما عادته دائماً، فإن جلالته أول من يخطو الخطوة الأولى على طريق الأمل، ونحن معه وبه، إلى المستقبل، ماضون.