وطنا اليوم_د. عادل يعقوب الشمايله
تحتفلُ فرنسا ومعها دولٌ غربية أُخرى بحادثةِ انزال النورماندي بعد وصول القوات الامريكية للمشاركة في الحرب التي بدأت قاريةً بين اطراف اوروبية في الاساس ثم سرت كالنار في الهشيم لتتحول الى حرب عالمية .
كان من النتائج الاولى للحرب، هزيمةَ فرنسا امام الجيوش الألمانية هزيمةً سهلةً و “مُهينةً ومُذِلةً” بكل ما تعنيه الكلمتان “مُهينة ومُذلةً” في قواميس اللغات العالمية كلها.
فرنسا، الإمبراطوريةُ التي تقاسمت العالم لقرون عدةً مع بريطانيا، تسقطُ وتتحولُ الى دولةٍ تحت الاحتلال. في غضون أربعة ايام تم تطويق خط ماجينو الدفاعي الذي استغرق التخطيط له وبناءه عشرين عاماً، وتمكن الالمان من أسرِ نصف مليون جندي فرنسي من داخل حصونه وأنفاقه، وبعد ذلك باسبوعين دخل الالمان باريس عاصمة الامبراطورية الظالمة.
سقوطُ فرنسا في الحرب العالمية الثانية كان يجبُ ان يتحولَ الى عيدٍ حقيقي تبتهجُ بهِ، وتشمتُ بهِ شعوبُ شمال افريقيا العربية وشعوبُ وسط افريقيا ذات الاغلبية الاسلامية، وشعوبٌ إفريقيةٌ عديدةً احتلتها فرنسا وفَرَضتْ عليها لغتها الفرنسية وديانتها المسيحية، وشعوبٌ في الهند الصينية شرق اسيا.
ليسَ هناكَ دولةٌ تُنافسُ فرنسا بالوحشيةِ والهمجيةِ والإجرامِ في سجلات ووثائق ومدوناتِ كتبِ التاريخ. حتى هولاكو وجنكيز خان يبدوان تلميذين في مدرسة التدمير والقتل والجهالة الجهلاء الفرنسية. فتاريخُ فرنسا الاستعماري لَطَّخَ وجهها بالسواد والدم والقبح والقيحِ والعنصرية والبراءة من الانتماءِ للجنسِ البشري وللدين المسيحي السمح، ولأيِ قيمَ عالميةٍ محترمة، ولحقوق الانسان والحيوان. وجعلها تنتمي الى عالم الضباع والفئران والخفافيش والافاعي. هذه هي فرنسا الدولةُ التي اعتادت الغدرَ والنفاقَ معاً.
قتلت القواتُ الفرنسيةُ الملايينَ من الشعوبِ الاخرى بدونِ رحمة، ونهبت ولا تزالُ، ثروات الشعوب التي تحتلها بعد منحِها استقلالا صورياً وتنصيبِ حكامَ فاسدين دونيين عملاء. لا تكتفي فرنسا بالنهب المجاني، بل تستغلُ بؤسَ وفقرَ الشعوب الافريقية بتشغيلِ ابنائهم بالسخرة أو شبهِ السخرة في اعمال التعدين من اعماق وظلمات ومخاطر المناجم. ثم تتعامل بعنصرية سمجة مع الافارقة الهاربين من ظُلمها ونهبها لبلدانهم ومحاولتهم اللحاق بالثروات المنهوبةِ لعل ينالهم نصيبٌ من فتات موائد المتنعمين بها. واستنادا الى تحقيقٍ لقناة فرانس ٢٤ فإن فرنسا تشارك دولا اوروبية أُخرى في رشوة تجار الهجرة بالقوارب عبر البحر الابيض المتوسط للتخلص منهم واغراقهم او اهلاكهم قبل وصولهم شواطئ فرنسا وايطاليا واليونان منعا للحرج الذي يسببه رفض دخولهم حتى لا تُتهم بمخالفة القانون الدولي الانساني المتعلق باستقبال ومعاملة المهاجرين.
وتبلغُ الصفاقةُ الفرنسيةُ التاريخيةُ مداها عندما يخرجُ رئيسها ماكرون مدافعاً عن وحدة اراضي اوكرانيا واستقلالها معلنا عن استعداد فرنسا لارسال قوات فرنسية لمقاتلة الروس في اوكرانيا. أي انَّ فرنسا تُعَبر عن شكرها لروسيا التي ضَحَّتْ بالملايين من ابنائها في التصدي أولاً، لغزو نابليون امبراطور فرنسا لروسيا وقتله عشرات الالاف من الروس قبل أن ينكفئ على أعقابهِ مقهوراً مدحوراً، ثم ثانياً، في التصدي لغزو هتلر لفرنسا وملاحقته وصولاً لوكرهِ في برلين ثم طرد جيوشه من اراضي فرنسا التي هُزِمَ جيشها المجرمُ هزيمةً مُذِلةً ستبقى أبد الدهرِ وصمةَ عارٍ في جبين بقايا الإمبراطورية العجوز. لذلك يصدقُ على فرنسا المثلُ العربي ” إن كنتَ لا تستحي فاصنع ما تشاء، ومتوقعٌ منكَ كُلَّ رذيلة.
وكما أنَّ الثعبانَ لا يتخلى عن غريزتهِ الشريرةِ، غريزةَ اللدغ وغرز اسنانه السامة المميتة، فإن فرنسا تنتهزُ أيَّ فرصةٍ مُتاحةٍ للإساءةِ للشعوبِ الاخرى، ومثال ذلك مشاركتها في العدوان الثلاثي على مصر، وتزويد اسرائيل بأحدث الاسلحة وبناءِ مفاعلِ ديمونا النووي الذي انتج عشرات القنابل النووية التي تُخزنها اسرائيل لتدمير الدول العربية، كما ان فرنسا سباقة في صياغة ودعم قرار الامم المتحدة بانشاء الكيان الصهيوني على ارض فلسطين، لتحفر فرنسا بسلوكياتها اللأخلاقيةِ على كل حبة رمل في الاراضي العربية من المحيط الى الخليج وفي اراضي الدول الاسلامية انها تكرهُ العرب والمسلمين وأنها عدوةٌ تاريخيّةٌ لهم وأنها في حالةِ عداءٍ مستمرٍ مع العرب وانها تمتلكُ شهادةً متفردةً في إعطاء الكيانِ الصهيوني ادوات التمكين والبقاء والردع والتوسع والعدوان، وانها هي من مَكَّنَ الكيان الصهيوني من الانتصار في حروبه كافة واعطته الغطاء السياسي، وأنها لا زالت ترفض الاعترافَ بحقوق الشعب الفلسطيني وانها من اول المبادرين لارسال قوتها البحرية لحماية الكيان الصهيوني المعتدي المدجج بالسلاح ودافعت عنه وادانت الشعب الفلسطيني الضحية بأقسى العبارات ووصفت المقاومة الفلسطينية بكافة اطيافها بالارهابية مع أنها هي مخترعة الارهاب وأنه بين قرنيها يرقص الشيطان. كما دافعت عن حق الكيان الصهيوني في استمرار احتلاله لفلسطين وقتل الفلسطينيين وتدمير بيوتهم بحجة الدفاع عن النفس، طبقا لمفهوم الدفاع عن النفس الذي مارسته هي في الجزائر وتونس وسوريا وافريقيا وكمبوديا.
مرحى للدول والشعوب الافريقية التي بدأت تستقيظُ وتكسرَ أغلالَ فرنسا، وتطردَ شركاتها التي تنهب ثرواتهم، وكذلك تطرد القوات الفرنسية المتجبرة التي تحمي النهابين واللصوص كما تًُطرد الكلاب المتوحشة الضالة. وبذلك فإن اذلال فرنسا الذي تكرر بهزائم عدةٍ وتحطيم اساطيلها خاصة على سواحل مصر، و اسرِ إمبراطورها نابليون ونفيهِ وحبسهِ واغتياله، واحتلال المانيا لها وتحطيم خط ماجينو، وأن تُخرج مطرودة من افريقيا تحت انغام انشودة اولُ كلماتها تبدأ حروفها ب (Fu)لفرنسا الدولة والكيان ولشركاتها ولقواتها المسلحة. هذا الركل الافريقي لشركات وقوات فرنسا المُغتصبةِ هو بدايةُ دهسِ ذلك الكيان العنصري البغيض المسخ ونأمل ان يكون كدهس الصرصار ونأمل ان يتحقق هذا الامل على ايدي الجيش الروسي.
من الغفلةِ والمهانةِ ً والنذالةِ أنْ يغفر العربُ لفرنسا ملايين القتلى، وما نهبتهُ من ثرواتهم وارواحِ منْ جَنَدَتهم بالقوة ليقاتلوا ويُقتلوا دفاعاً عن فرنسا في الحربين العالميتين وتجنيدها للمسلمين لقتال واحتلال بلاد اسلامية.
جِراحُ فرنسا في الجسد العربي لا زالت تنزف وتأبى أن تلتئم. وفي نفس الوقت تتعالى فرنسا وتتكبر وتكابر حتى في الاعتذار عما فعلت.
وإذا كانت الايام دولٌ، “وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ” كما يقول القرآن، واذا كانت الاية القرانية تنصُ على: {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض} (البقرة:251)، والاية: {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز} (الحج:40) فأن مستقبل فرنسا غير مضمون، وأنه سينالها من ضحاياها ما لا يسرها، وأن عاقبة غير المتقين تختلف عن عاقبة المتقين.