كتب العين عبدالحكيم محمود الهندي
لربما هي التصريحات الملكية الأكثر وضوحاً التي أطلقها جلالة الملك عبدالله الثاني خلال لقائه الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون، فهي لا تحتاج الى كثير من الشرح والتوضيح : “لا سلام ولا استقرار دون حل عادل للقضية الفلسطينية، على أساس حل الدولتين، يلبي كامل الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني”.
هو باختصار الموقف الأردني الذي لم يتغير، ليس بعد الحرب والعدوان الغاشم على قطاع غزة فحسب، بل هو الموقف التاريخي للأردن منذ انطلاق عملية السلام برمتها، ومنذ أن جلس العرب مقابل دولة الاحتلال في مؤتمر مدريد الأول للسلام الذي استضافته إسبانيا في الفترة من 30 أكتوبر إلى 1 نوفمبر 1991 في مدريد، وشاركت في رعايته الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي آنذاك، وكان محاولة من جانب المجتمع الدولي لإحياء عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية من خلال المفاوضات التي تشمل إسرائيل والفلسطينيين وكذلك البلدان العربية، بما فيها الأردن ولبنان وسوريا.
وإن كان ذلك المؤتمر قد عُقِد على وقع زلزال هز الكيان العربي برمته على خلفية الغزو العراقي لدولة الكويت، فإن التحذيرات الأردنية المدوية تأتي الآن على وقع كارثة تهدد العالم وليس المنطقة فحسب، فجلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين حذر خلال لقائه الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون، وخلال لقائه أيضا رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، حذر من امتداد الصراع، ولعل ما يجري في البحر الأحمر من تهديد للملاحة العالمية بعد الموقف اليمني الذي ينفذه الحوثيون وقوفاً مع غزة، واضطرار الولايات المتحدة تكوين تحالف دولي تحت اسم “حماية الازدهار”، وبمشاركة كثير من الدول، ليس إلا دلالة على احتمال أن تنفلت الأمور عالمياً، فلربما خروج صاروخ، ولو بالخطأ، من مدمرة أميركية، واحتمال رد إيراني مثلاً، سيذهب بالعالم الى مشاهد تتخطى “سباق التسلح” إلى “مواجهة بالسلاح”!
وتأسيساً على كل ذلك، فإن الخطاب الأردني “العادل المعتدل” يؤكد على ضرورة وقف إطلاق النار، وفوراً، في غزة، والحفاظ على وحدة الأرض الفلسطينية لتكون نواة دولة حقيقية تضم غزة وكل الضفة الغربية، والأهم أيضاً وقف كل مخططات التهجير القسري الذي تقوم به حكومة الاحتلال التي تُمعِن في دماء أهل غزة لتحقيق هذا الهدف الخبيث.
وفي منحى آخر، فقد سلط جلالة الملك عبدالله الثاني، الضوء على قضية لربما لا ينتبه لها العالم كله، أو أنه يعرف و”ينكر”، فاعتداءات المستوطنين المتطرفين على الأهل في الضفة الغربية والتنكيل بهم بسلاح تم توزيعه عليهم أساساً من قبل حكومتهم الدموية، لربما هو أكثر خطورة في تنفيذ مخطط التهجير أيضاً في الضفة والعمل على إفراغ الأرض من أهلها، وقد نَبّه الملك، وحذّر، من خطورة هذه الاعتداءات التي يقوم بها أولئك “القطعان”!
عمان، وفي كل مرة، تُصارح كل مسؤول عالمي يزورها، وتكشف حقيقة وحجم الجريمة الاسرائيلية التي تدور رحاها في كل أرجاء فلسطين، من غزة الى جنين والخليل ونابلس ورام الله وبيت لحم، وكل مدينة وقرية فلسطينية، ولأن الأردن “الهاشمي” يحظى بمصداقية عالية واحترام منقطع النظير في كل عواصم العالم لما عُرٍف عنه، عبر التاريخ، من صدق الخطاب والنوايا والأفعال، فإن تأثيره بات يظهر بشكل كبير في المشهد، ولربما تلك الإنزالات “الإغاثية” التي نفذتها القوات المسلحة الأردنية، والعمل دولياً الآن، وبشكل جاد، على ضمان وصول المساعدات والإغاثات إلى أهل غزة، كل غزة، هو الدليل الأهم على هذا التأثير، ولعل الأيام ستكشف عن نتائج أكثر تأثيراً لهذا الحراك، وفي كل المشهد.