وطنا اليوم:أصبح البحث عن بدائل وطنية للبضائع الأجنبية التي تُغرق أسواقنا ومنازلنا الشغل الشاغل لربات المنازل اللاتي يسعين بحماسة وتصميم على مقاطعة المنتجات الأجنبية ردّاً على العدوان الصهيوني على غزة.
هذا الاندفاع نحو مقاطعة داعمي الكيان الصهيوني المحتل، لم يقصر على الأمهات والآباء، وإنما جاوزه إلى الأطفال والشباب، الذين صرت تجد الواحد منهم يتفقد المعلومات المدونة على كل منتج في المحلات التجارية والمولات ليتأكد ما إذا كانت صناعة أميركية أو بريطانية أو ألمانية أو فرنسية، وهي أكثر دول مورّدة للأردن تصطف حكوماتها والعديد من الشركات الكبرى فيها في صف دولة الاحتلال.
المقاطعة جاوزت سلاسل فروع المطاعم الأجنبية والمقاهي في الأردن الداعمة للعدوان، لتشمل أي منتج غذائي أو غير ذلك من منتجات على تنوعها.
بدأ المقاطعون في المملكة وسائر أنحاء الوطن العربي يبحثون عن بدائل وطنية ومحلية في بلادهم ومشاركتها والترويج لها على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، بدءا من المنظفات ومواد العناية الشخصية مرورا بالمواد الغذائية على تنوعها التي تتمتع بأسعار وجودة مقبولتين للمستهلك، مع غياب شبه كامل للجانبين الإعلامي والإعلاني للجهات المعنية من صناعيين وتجار وجهات حكومية ومؤسسات المجتمع المدني.
أدوار عديدة للحكومة
يؤكد أستاذ الهندسة الصناعية في الجامعة الألمانية الأردنية الدكتور ليث أحمد أبو هلال على ضرورة التعاضد والتضافر بين القطاعين العام والخاص في مثل هذه الظروف لتشجيع انتشار المنتج الوطني والمحلي.
ويدعو أبوهلال إلى تنشيط عمل حملة «صنع في الأردن»، ويحض غرفتي الصناعة والتجارة على الاجتماع مع أصحاب المحلات التجارية لتخصيص جناح أو زاوية «صنع في الأردن» للمنتجات المحلية في كل محل تجاري، يوضع عندها علما الأردن وفلسطين، وتهميش المنتجات الأجنبية ووضعها في زاوية».
ويلفت أبو هلال إلى أنّ الصناعة هي المشغّل الاقتصادي الأكبر، وهو ما يستدعي من المستهلكين والتجار التركيز عليه
ويقول: «لا بد أن تفزع الحكومة مع الصناعة الوطنية خصوصا وأن مبيعات المنتجات الوطني حسب اطلاعي زادت بما يزيد عن 100%، فجميع المصانع التي أعرفها نفدت مخازنها بسبب الإقبال على الصناعة المحلية، ولابد من أن يكون هناك إدامة واستمرارية».
ويقترح أبو هلال على الحكومة أن توفر الحوافز الضريبية للصناعة والتجارة وأن تخفض من الضريبة لتحافظ على ديمومة المبالغ التي ستدخل خزينة الدولة التي من شأنها تحريك عجلة الاقتصاد، إذ أن العلاقة طردية هنا؛ فزيادة حجم المبيعات يزيد من حجم الضريبة المقتطعة، لذلك عليها تقدم الحوافز.
ويستهجن أبو هلال أنه حتى الآن لا يوجد أي حوافز أو ظهور إعلامي أو دعم للمنتج الوطني.
ويقترح على الأسواق الكبيرة (المولات) والمؤسسات التجارية الرسمية (الاستهلاكية العسكرية والمدنية) الحد من استقبال المواد المستوردة وتقليل المساحات الترويجية لها واستبدالها بمنتجات أردنية.
ما دور وزارة الصناعة والتجارة؟
ويشجع أبو هلال الحكومة، ممثلة بوزارة الصناعة والتجارة والتموين، على تكثيف جهودها فيما يتعلق بمسالة الترويج للمنتج الوطني الأردني في الأسواق الداخلية والخارجية وألا تعتمد على غرف الصناعة فقط، وإنما يجب أن تدعمها من خلال تمويل وإيجاد أرض معارض للمنتجات الأردنية.
ويشير إلى جهود جمعية المصدرين في الترويج للمنتجات الأردنية من خلال قيامهم بتنظيم المعارض الداخلية والخارجية ويتساءل: أين دور الحكومة؟.
كما يطالب أبو هلال السفارات الأردنية المنتشرة في العالم بتفعيل دور الملحقين التجاريين بها ليكون لديهم دور أوضح من خلال زيارة غرف الصناعة والتجارة والمستوردين والمتاجر الكبرى في الدول التي تتواجد فيها هذه السفارات.
القاعدة الصناعية الأردنية قوية
وبدوره، يؤكد مدير عام غرفة صناعة عمان نائل الحسامي وجود قاعدة صناعية ممتازة بنيت منذ أكثر من عشر سنوات؛ حيث تتوافر بدائل محلية بالجودة التي يرغبها المستهلك أكان بالمنظفات أو مستحضرات العناية الشخصية أو المواد الغذائية أو الألبسة وبأسعار وجودة تناسب المستهلك.
ويلفت إلى وجود أكثر من عشرة منتجين لكل واحدة من الصناعات المختلفة، وهو ما ينوع الخيارات أمام المستهلك.
ويبين الحسامي أن جميع البضائع الأردنية متوافرة ومنتشرة في الأسواق الكبيرة وحتى في البقالات الموجودة داخل الأحياء، وهناك تنوع على الرفوف.
الترويج للمنتج ضرورة
وفيما يتعلق بالترويج يقول الحسامي إن غرفة الصناعة لديها استراتيجية طويلة الأمد تعمل عليها منذ زمن، «ونسعى من خلالها إلى تعريف المستهلك الأردني بحجم المنتجات الأردنية وأنواعها وجودتها.
ويشير الحسامي في هذا المقام إلى معرض «جو هوم» الذي أقامته الغرفة وعُرضت فيه الصناعات الأردنية لجميع المستلزمات المنزلية من أثاث ومواد تنظيف ومسلتزمات للعناية الشخصية، باستثناء المواد الغذائية، الذي لقي نجاحا باهرا وكان له دور أساسي في تعريف المستهلكين بالمنتَج الأردني.
كما تقوم المصانع بمبادرات فردية للترويج والتعريف بمنتجاتها الوطنية على منصات التواصل الاجتماعي.
ويكشف الحسامي أنهم حاليا بصدد العمل على تطوير منصاتهم وتحديثها وتوسيع انتشارها ليسهل على المستهلك من خلالها إيجاد جميع البدائل.
كما يشير الحسامي إلى صندوق الصناعة ودوره الفعال والجيد في دعم المصدرين الأردنيين.
لكنه ينبه في ذات الوقت إلى أنه حتى مع ازياد الطلب «سيظل الطلب على الصناعات المحلية محدودا»، ولذلك طالب الجهات الحكومية بالمزيد من التعاون من خلال التشريعات التي تسهل البيئة الاستثمارية والتصدير، إضافة إلى دور الحكومة الفعال في تشبيك الصناعيين مع الدول المانحة والداعمة والمستوردة.
ويقول الحسامي «حاليا نكثف اتصالاتنا واستشاراتنا مع الحكومة لغاية التصدير، وهي جهة مهمة للبحث عن الأسواق الجديدة ومتطلباتها لتعزيز الصادرات».
وبطالب بالمساواة قدر الإمكان في خلق بيئية منافسة عادلة مع دول عديدة وبخاصة التي تعيق صادراتنا. لهذا «نتبنى دوما شعار «المعاملة بالمثل».
ويؤشر إلى ملف كُلف الطاقة، التي يؤكد أنها من أكبر التحديات للقطاعات الإنتاجية «ونتطلع للوصول لمعادلة نحن والحكومة لتخفيضها».
إدامة دعم المنتج الوطني
من جانبه يقول الخبير الاقتصادي والصناعي موسى الساكت إن المقاطعة سلاح اقتصادي مهم. لكنه يستدرك بالتوضيح أنه «وحسب تجربتنا، هي انفعالية عاطفية وآنية وغير مستدامة، وهي سيف ذو حدين».
ويفسر بالقول: «قد نظلم جهات على حساب جهات أخرى، لذلك لابد أن يكون هناك تأكد من مصدر المعلومة قبل المقاطعة حتى لا نضر اقتصادنا والمؤسسات الأردنية التي تتعامل مع منتجات ظُلمت، لأن المقاطعة غير مستدامة ولابد من التركيز على استدامة توعية المواطنين بالمنتجات المحلية وإيجاد بدائل للمنتجات غير الموجودة محليا والعمل على التحسين المستمر في جودة السلع والأسعار حتى تكون المنتجات الوطنية البديلة في متناول الجميع.
ويؤكد الساكت أن هذا سيكون له اثر اقتصادي مهم وكبير على مؤسساتنا المحلية وعلى النمو الاقتصادي ويسهم في تشغيل الأيدي العاملة وتخفيض نسب البطالة.
ويتساءل الساكت: لماذا لا يوجد لدينا صناعات أولية باستثناء البوتاس والفوسفات وأملاح البحر الميت وزيت الزيتون؟
الصناعات هي تلك التي تستخرج الموارد الطبيعية مل المعادن والتربة والنباتات والمياه،وتلك التي تستهلك لإنتاج الطاقة. وهذا يشمل صناعات مثل:التعدين، حيث يتم استخراج المعادن والنفط والغاز والفحم والموارد الأخرى من سطح الأرض وكذلك الزراعة والغابات وصيد السمك والصيد.
ويسترسل بالإجابة: بسبب ارتفاع كُلف الإنتاج.. فالصناعات الموجودة حاليا تتأثر بكلف الإنتاج بنسبة متفاوتة لكن الصناعات الأولية تتأثر بكلف الإنتاج بشكل كبير لذلك على الحكومة دور كبير في تقديم حوافز مختلفة لهذه الصناعات الأولية لأن الصناعات القائمة ما تزال تعتمد بالمجمل على مدخلات الإنتاج المستوردة من الخارج، التي تقدر بسبعين بالمئة.
الاهتمام بالصناعات الأولية
لذلك، بشدد على ضرورة استحداث وخلق صناعات أولية محلية وهذا يعتمد على تقليل كلف الإنتاج.
ويلاحظ الساكت أن منافسة الصناعة المحلية في الخارج لهذه الصادرات لدينا صعبة بسبب ارتفاع كلف الإنتاج وليس بسبب جودة المنتج.
ويشير إلى أنه في عام 2022 ارتفعت الصادرات 46% وانا أقول أن الارتفاع كان قيمة لا كمّاً، علما أن في عام 2022 لان الرقم القياسي للإنتاج الصناعي لم يرتفع أكثر من 4% وهذا دليل على وجود مشكلة قائمة تكمن في ارتفاع كلف الإنتاج، لذلك السلع المحلية لا تستطيع أن تنافس
ويشدد الساكت على ضرورة أن يكون لنا جميعا دور في هذه المرحلة وفي المستقبل؛ فدور الحكومة في تقليل كلف الإنتاج وتحفيز الصناعات الأولية.
أما الصناعات، فعليها الترويج لمنتجاتها، وعلى المواطن أن يقبل على شراء المنتج الوطني، فكل دينار يدعم فيه المنتج الوطني 70 قرشا منه يذهب للاقتصاد، أما المنتج غير الأردني فإن 70 قرشا من الدينار يذهب إلى البلد المنشأ.