كانوا يقولون في الماضي: كلّ إسرائيلي يجب أن يكون جنرالاً. الآن، كلّ إسرائيلي يجب أن يكون خبيراً اقتصادياً”. مقولة ساقها الخبير في البنك المركزي الإسرائيلي يعقوب فيشر حين وقعت الدولة الصهيونية في أزمة اقتصادية طاحنة بعد اجتياح لبنان عام 1982. لربّما يقولها خبير آخر بعد اجتياح غزة في 2023.
بحلول عام 1984، انهار الشيكل، ووصل التضخم إلى 370%، وأصبح الاقتصاد مدولراً إلى حدٍّ كبير. عزا الاقتصاديون تلك الأزمة إلى الإنفاق العسكري المفرط، وإلى العبء الكبير الذي يرتّبه نظام الرعاية الصهيوني للمستوطنين المستقدَمين من أصقاع الدنيا. كانت إسرائيل حتى ذلك الحين أكبر دولة اشتراكية في المعسكر الغربي. نظامها الزراعي قائم على “الكيبوتز” الذي هو عبارة عن ملكية مشتركة، وشراكة في الإنتاج، ومساواة في الدخل. وفوق ذلك، تتولّى الدولة الرعاية الكاملة لمواطنيها في القطاعات الصحية والتعليمية. وتلك الفاتورة الباهظة لم يكن بالإمكان تحمّلها إلا بالإنقاذ الأميركي، مرّة بعد مرّة.
في العام التالي، أصدرت إسرائيل عملة جديدة أسمتها “الشيكل الجديد”، وما زال هذا هو الاسم الرسمي للعملة الإسرائيلية حتى اليوم (NIS)، وتمّ استبدالها بالعملة القديمة في ذلك الحين بمعدّل شيكل جديد لكلّ ألف شيكل قديم. ولم يكن لخطة إعادة هيكلة الاقتصاد أن تحقّق نجاحها الباهر لولا المساعدة الأميركية السخيّة التي وصلت في ذلك العام إلى نحو 2.6 مليار دولار (تعادل 7.2 مليار دولار اليوم بإضافة الأثر التضخّمي). انقلب حال الاقتصاد بعد ذلك تماماً، مستفيداً في أواخر الثمانينات من موجة هجرة كبيرة لليهود ذوي التعليم العالي من روسيا وأوروبا الشرقية. ثم كانت العقود الذهبية اعتباراً من منتصف التسعينات مع انطلاق الخصخصة في مختلف القطاعات، وبدء الطفرة الكبرى في قطاع شركات التكنولوجيا الناشئة.