وطنا اليوم – تسبب تفشي فيروس كورونا خلال عام 2020 في توقف الحياة الفنية والثقافية في المملكة الأردنية كغيرها من سائر دول العالم ، حيث أسدلت الستارة واطفئت الأنوار على جميع الفعاليات والأحداث الفنية وجرى إغلاقها وتأجيلها إلى إشعار آخر إما طواعية أو بموجب تفويض حكومي، لتطال الإغلاقات المتاحف والمكتبات وقطاعات الأفلام، والانتاج التلفزيوني والعروض المسرحية والأوركسترا والمهرجانات الموسيقية والفنية.
وأدت الإغلاقات إلى فكرة توجه العديد من منظمات القطاع الثقافي والفنانين المستقلين إلى تقديم فعالياتهم عبر الإنترنت بدءا من وسائل التواصل الاجتماعي وانتهاءً بالواقع الافتراضي.
إلا أن هذه الخاصية تركت اسئلة محيرة أمام الفنانين في إمكانية توفير مصاريفهم، كونهم يعتمدون على المبيعات للحصول على دخل.
وقدما فنانون في مجالات متنوعة عروضا مرتجلةً من منازلهم عبر حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ أدوا أغان مقلدةً أو قراءات حية، أو قرأوا قصائد وشاركوا أعمالهم الفنية ومخططاتها الأولية مع جماهيرهم، وخرجوا عبر بث مباشر بطريقة مبتكرة لينشروا إبداعهم ونشاطات حياتهم اليومية، فيما خفف العديد من الناشرين القيود المفروضة على النشر الرقمي لأعمالهم التي تحمل حقوق ملكية.
الهيئة الملكية للأفلام من المؤسسات المهمة والفاعلة في الأردن التي لم تتوقف أنشطتها وفعاليتها خلال أزمة كورونا، تقول مديرة قسم الإعلام والثقافة في الهيئة الملكية الأردنية للأفلام ندى دوماني لـ«القدس العربي» إن أغلب الأنشطة ذهبت إلى الانترنت، لكن بعض منها خصوصا ورشات العمل في محافظات استمرت بالتواجد الفعلي ضمن الشروط الصحية والتباعد الاجتماعي.
وقامت بتقديم عروض أفلام في أوقات مختلفة خلال الأسبوع، وليس محددة كالسابق وتقتصر على يومين، فقد أصبحت في الوقت الراهن تقدم فيلما الساعة السابعة من كل يوم جمعة، وتتم مشاركة روابط الأفلام على صفحات الهيئة على مواقع التواصل الاجتماعي. وأوضحت دوماني أن «من الأمور المهمة التي تقوم بها الهيئة بعد عرض الفيلم المقدم هو القيام بعمل نقاشات مع المخرج المتواجد أو ناقد السينمائي عبر تطبيق «زوم» التي تعتبر ميزة بالوصول إلى عدد أكبر شريحة من الجمهور عبر الانترنت بالمقارنة مع عرض الفيلم الذي يعرض في القاعة التي تتسع لعدد محصور من الأشخاص.
إلى ذلك استمرت جميع خدمات الإنتاج وورشات العمل وعروض الأفلام حيث قالت دوماني لـ«القدس العربي» إلى أن الهيئة أعدّت دراسة مُعمّقة حول الاجراءات الدولية المُعتمدة لممارسة أعمال الإنتاج الفني المرئي والمسموع في ظل الوضع الصحي العالمي الراهن، وانعكست نتائج الدراسة على تطوير سلسلة من البروتوكولات والإرشادات لضبط عمل المشاريع المحلية والدولية التي سيُسمح لها بالتصوير في البلاد وذلك من خلال اجراء الفحوصات والحفاظ على التباعد الاجتماعي وتقليل عدد الأشخاص في مواقع التصوير وآلية الدخول والخروج منها وشروط تأمين السكن لطاقم العمل، إضافة الى تعزيز معايير النظافة ومتطلبات التعقيم واتباع التدابير الاحترازية مثل ارتداء الكمامات وإجراءات الطوارئ.
وعند الاستفسار عن الحقوق الملكية الفكرية وحقوق النشر أكدت دوماني أن الهيئة حريصة جدًا على ذلك بحيث لا يُعرض أي فيلم دون الحصول على حقوقه، منوهة إلى أن الهيئة من المؤسسات القليلة جدا في الأردن التي تصر دائما على دفع حقوق العرض، فمثلا في بعض الحالات طلب موزعون ومنتجون ومخرجون من الهيئة أن يقتصر عرض الفيلم على الأردن فقط، ولا يستطيع أحد مشاهدته من الخارج، أو يعرض خلال ساعات محددة من الوقت وكان الالتزام بالتعليمات مطبق بحذافيره من قبل الهيئة (حسب دوماني) وذلك من أجل المحافظة على حقوق ملكية النشر.
القطاع المسرحي
لاشك أن القطاع المسرحي من أهم القطاعات الثقافية في الأردن على وجه التحديد، ومن المحتمل أن يكون أكثر القطاعات تضرراً خلال جائحة كورونا لأنه يعتمد بشكل أساسي على التواصل والتفاعل مع الجمهور عكس السينما والتلفزيون، ولكن رغم حصار الجائحة واستمرارها إلا أنها افتتحت وزارة الثقافة ضمن الشروط الصحية فعاليات موسم الأردن المسرحي 2020 .وشارك في الموسم الذي استمرت فعاليته حتى 16 كانون أول/ديسمبر الحالي15 عملا مسرحيا في عروض لمهرجان عمون للشباب 19 ومهرجان مسرح الطفل 16 ومهرجان الأردن المسرحي 27 وجميعها نقلت عبر منصات وزارة الثقافة، والهيئة الدولية للمسرح، والهيئة العربية للمسرح.
بالإضافة إلى اشتمال حفل الافتتاح الذي نقل عبر منصات التواصل الاجتماعي على فيديو قصير عن الأعمال المسرحية المشاركة، وفيديو آخر حمل رسائل للمهرجان قدمها مسرحيون عرب من دول عربية من بينها: الإمارات، والعراق، والسعودية، والبحرين، ولبنان، والمغرب، والكويت، اشادوا خلاله بجهود الفنان الأردني في إنجاز أعمال مسرحية في ظل هذه الظروف الاستثنائية، وبجهود وزارة الثقافة في ضمان استمرار رسالة المسرح من خلال إقامة هذا الموسم الاستثنائي.ويقول الممثل وعضو فرقة المسرح الحر يزن أبوسليم لـ«القدس العربي» ان جائحة كورونا أثرت على القطاع الثقافي بشكل عام وخاصة المسرحي إذ ضربت أهم عناصر المسرح وهو الجمهور إذ لا يستطيع الفنان خلق حالة الإبداع والتفاعل من دونهم، ولكن نتيجة لـ«كوفيد 19»″ أصبح هذا المسار هو الفعل المهرجاني الرئيسي، حيث تقدم المسرحيات الشبابية على خشبة المسرح بلا جمهور، ومن هنا كانت بداية انطلاق مهرجان ليالي المسرح الحر الشبابي عبر العالم الافتراضي وهو المهرجان الأول في الموسم الذي جاء لتعزيز معنويات فناني المسرح وتجاوزاً لظروفهم الصعبة.ويضيف أبو سليم انه من الأشياء الإيجابية للتقديم بدون جمهور في الواقع الفعلي، هو ازدياد الجمهور في الواقع الافتراضي حيث لا يمكن حصر أعداد المشاهدين كما هو في المسرح الذي يتسع لـ 500 شخص، مشيراً إلى أن الفعاليات صورت بأحدث التقنيات، وبثت مباشرة إلى العالم الافتراضي عبر منصات إلكترونية في فرنسا وأمريكا ومصر، ومنصة الدائرة الثقافية لأمانة عمان الكبرى، ومنصات المسرح الحر على مواقع التواصل الاجتماعي.
فعاليات منوعة
ويعتبر متحف الأطفال من المؤسسات التفاعلية المهمة التي لا تتوانى عن تعميم الفائدة على الجميع.
وعلى الرغم من أنه مغلق منذ بداية الحجر الصحي، إلا أنه يعمل على تقديم أنشطة تفاعلية شيقة في مجالات العلوم والفنون الطفولة المُبكرة والأدب والزراعة، إضافة إلى استضافة مختصين وخبراء عبر منصات التواصل الاجتماعي.
وبغية لتعزيز أهمية القراءة في ظل جائحة كورونا، أطلقت مؤسسة عبد الحميد شومان، ذراع البنك العربي للمسؤولية الثقافية والاجتماعية، منصة إلكترونية؛ للتسهيل على القراء، وتعزيزا للجانبين المعرفي والثقافي لديهم، وذلك من أجل تحقيق مبدأ «أجعل المكتبة ترافقك في كل مكان».
وكما فعلت المؤسسة منصة إلكترونية جديدة تمكن المشتركون وغير المشتركين بمكتبة عبد الحميد شومان العامة ومكتبة درب المعرفة للأطفال واليافعين استعارة تلك الكتب.
وخلال فترة الجائحة كانت توجهات إلى إطلاق المسابقات لاستغلال المواهب والطاقات الكامنة واستثمار أوقات الفراغ في البيوت وإضفاء طابع من المشاركة والسعادة والتفاعل وكسر الروتين أثناء فترة الحجر المنزلي، فقد أطلقت وزارة الثقافة المسابقة الأكبر في الحقل الثقافي وحملت عنوان «موهبتي من بيتي» التي تستهدف الأطفال والشباب والتي تتناسب وقدراتهم وإمكاناتهم مع مجالات المسابقة، وهم الأطفال من سن 10 إلى 14 عاما، والشباب من سن 15 إلى 25 عاما.ويبدو ان مبادرة «الفن في مواجهة كورونا» التي نظمتها الفنانة الأردنية لمى حوران ساهمت في الوقاية من الآثار التي تسبب بها وباء كورونا على المجتمع وذلك من خلال الدعم من قبل مؤسسات العامة تعزيزا لمفهوم التكافل الاجتماعي وتقديم الدعم المادي والمعنوي من خلال الفن.
وكانت تلك المبادرة تهدف إلى التبرع بعمل فني من الفنانين، وإبراز دور الفن والفنانين والهيئة الفنية الاجتماعي، وارتباطه بالمسؤولية الإنسانية، وخصوصًا في الظروف الاستثنائية.
إلا أن مشروعا آخر كسر روتين خناق الجائحة المتشدد في الأردن فكانت الموسيقى من الشرفات وعبر المنصات في مواجهة فيروس كورونا، وذلك من خلال تقديم أفكار فنية إبداعية من المنزل ومتاحة لدى الجميع وقد ساعدت الفنانين على توسيع دائرة جمهورهم، إضافة لفتح باب التعلم عن طريق حلقات البث المباشر عبر الانترنت وتطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي التي اتاحت إعادة إنتاج أنماط جديدة ومختلفة أثناء المشاركات التي تصلهم بعد بث الحلقات.