بقلم: الدكتورة مرام ابو النادي
مما لا شك فيه أن الحضارة اليونانية و التي امتدت من عام 1200 ق.م إلى 223 ق.م كانت قد تركت بصماتها الإنسانية و إنجازاتها من مختلف المجالات العلمية ، الفنيّة، السياسيّة، والفلسفيّة، فكان ذلك إرثا لكل الحضارات اللاحقة.
ما يعنيني هنا هو الجانب الفلسفي؛ فكلمة الفلسفة نستخدمها في حياتنا و التي اتخذت دلالات مختلفة وفق السياق الذي تكون فيه؛ فإذا وجدنا أن من يحدثنا قد أطنب في حديثه و استفاض فيه نعتناه بأنه متفلسف؛ لكن الفلسفة كلمة ذات معنى راق فهي حب الحكمة؛ فنرى فيتاغورس الذي يعتبر أول من سمى نفسه فيلسوفا، أي محبا للحكمة و باحثا عن المعرفة. وتختلف عن كلمة (سوفوس) فهو المحب للحكمة أو الحكيم الذي يدّعي امتلاك المعرفة.و شتان بين الساعي إلى الحقيقة و المعرفة و ذلك الذي يدّعي امتلاكها!
وقد ظهرت الفلسفة في الحضارة اليونانية كتفكير عقلاني مقابل التفكير الأسطوري الخيالي الذي كان عند اليونانيين قبل ظهور الفلسفة؛ ولعل أبرز المؤرخين المعاصرين الدارسين للفكر اليوناني الفلسفي جون بيير فرنان الذي أجمل في مؤلفاته الفروقات بين الفكر الفلسفي و الأسطوري.
سأتناول ثلاثة مصطلحات في الفكر اليوناني الفلسفي هي : اللوغوس و الباثوس الإيثوس و التي تم استخدامها في الحضارات الأخرى و للتأكيد سأتناولها فكريا و تواصليا دون معانيها الواردة في الأديان كالمسيحية و اليهودية.
Logos/ Ethos /Pathos
Logicفاللوغوس هو المنطق ذاته أي استخدام الحجة و البرهان و دلالة اللوغوس تدل على العقل ومنها كلمة
Pasionأما الباثوس هي العاطفة و نجدها تقابل كلمة
Ethics وهي تقابل بالإنجليزية كلمة Ethosو الإيثوس المبادئ و القيم و الأخلاق
يمكننا المقاربة بين المصطلحات الثلاثة التي قام عليها الفكر الفلسفي و عملية التواصل مع الآخرين وكأدوات إقناعية لنا كمتحدثين؛ فاللوغوس عادة ما يستخدم لوصف الحقائق والأرقام التي تدعم موضوع المتحدث. وجود Logos يساعد أيضا Ethos لأن المعلومات تجعل المتحدث يبدو واسع المعرفة للجمهور. وفي المقابل قد تكون المعلومات مربكة بحيث تربك الجمهور. Logos من الممكن أن تكون مضللة أو غير دقيقة.
الإيثوس: الأخلاق و القيم هي جاذبية سلطة أو مصداقية المتحدث، تحدد بمدى قدرة المتحدث على إقناع الجمهور بأنه مؤهل لأن يتحدث في موضوع معين، وقد نجدها بوضوح من خلال كون الشخص شخصية بارزة في مجال السؤال، كالأستاذ الجامعي أو مسؤول تنفيذي في شركة تعمل في مجال الموضوع الذي يتحدث عنه و تظهر من خلال وجود مصلحة شخصية في المسألة، مثل أن يكون الشخص مرتبط بالموضوع الذي يدور حوله السؤال و المتحدث المقنع يقوم باسخدام شعارات مثيرة للإعجاب تظهر للجمهور أن المتحدث على دراية تامة بالموضوع الذي يتحدث عنه و من خلال مناشدة أخلاق وقيم الشخص.
أما الباثوس فهي العاطفة ولعلها الأساسية فيما يتعلق بشعور المتلقي وكذلك شعورك تجاهه؛ فحينما تتحدث فعليا عما تشعر به، ستكون كلماتك مفعمة بالعاطفة و ستصل بتأثيرها إلى جمهورك. ولا نستطيع أن نقول أن التفكير لا يخلو من العاطفة فالبشر لديهم هذه الخاصية و التي أقتنع بها فحالتنا المزاجية و النفسية ترتبط بكلماتنا .. و العاطفة أيضا ترتبط بشعورك بجمهورك ؛ لأن شعورك هذا سيحقق الكثير من الفائدة بمنطقك بمعنى اختيار العبارات التي يحتاجها الجمهور و التي سيجدها عندك .. فالعاطفة لا تعني البوح بمكنوناتك على سبيل تفريغ المشاعر بل بما لديك من علم و فائدة يلبي ما يحتاجه سامعوك .
ثالوث يؤثر بعضه في الآخر .. المنطق و الأخلاق و العاطفة كلما مزجت هذه العناصر حصلت على شخصية مؤثرة في الآخرين.