الزلزال والسياسة وازدواج المعايير / 3

20 مارس 2023
الزلزال والسياسة وازدواج المعايير / 3

مروان العمد

‎ قلت فيما سبق ان تركيا وفي الوقت الذي كانت تعد العدة للانتخابات التشريعية والرئاسية ، حصل فيها الزالزل المدمر ، والذي حول قسماً منها الى انقاض ، واوقع اكثر من خمسة واربعين الف قتيل ، واكثر من مائة الف جريح . ومئات الاف المنازل المهدمة وشبه المهدمة . وفي البداية ومن هول الكارثة حصل تأخير في عمليات الانقاذ والاغاثة ، وقد اقر اردوغان بذلك وقدم اعتذاره عنه . الا انه سرعان ما استفاق من هول الصدمة ، واخذ يتحرك في كل اتجاه لمعالجة الموقف . حيث استنفر اكثر من خمسين الف شخص من فرق الانقاذ والمتطوعين ، بالاضافة الى خمسة وعشرين الف جندي من الجيش لتقديم المساعدة وانقاذ الارواح . وكانت هذا الاعداد تزداد مع ازدياد انهيار المنازل ، ومعها ازدياد اعداد المحاصرين اسفلها . كما اعلن عن تخصيص مائة مليار ليرة تركية ( ٥٫٣ مليار دولار ) للمساعدة في عمليات الانقاذ ، و ان يصرف مبلغ عشرة الاف ليرة تركية كمساعدة فورية لكل متضرر . وتعهد بأنه سوف يتم بناء كل مبنى تهدم ، او سيتم هدمه نتيجة الاضرار التي لحقت به . وانه سيتم اعادة تأهيل باقي المباني واعادتها لاصحابها و على نفقة الحكومة ، والتي بلغ تعدادها اكثر من 372126 شقة او محل تجاري او صناعي . وانه سوف يتم تعويض جميع التجار و المزارعين ومربي الماشية والصناعيين وغيرهم من اصحاب المهن عن جميع ما فقدوه ، كما تعهد بوضع مبالغ مالية في حساباتهم ، وتصفير ديون الاشخاص المتوفيين في الكارثة ، ودفع تعويضات للمصابين والمتضررين . وانه سيتم تأمين اماكن اقامة مؤقتة لجميع من اخلوا منازلهم . وامر باقامة عشرات الآلاف من الخيم ، وفتح ابواب الفنادق ومنازل الطلبة في الجامعات لهذه الغاية . وكلف وزراء حكومته بالتواجد في الاماكن المتضررة للاشراف على عمليات الانقاذ . كما تردد هو على هذه المواقع.
‎الا ان حجم الكارثة كان اكبر من المتوقع ، ومن الامكانيات المتوفرة للانقاذ . ولذا اعلن اردوغان ان المحافظات العشر التي تعرضت للزلزال اماكن منكوبة ، واعلن حالة الطوارئ لثلاثة اشهر . وناشد دول العالم المشاركة في عمليات الانقاذ . حيث عرضت اكثر من مائة دولة من مختلف انحاء العالم استعدادها لارسال المنقذين والمسعفين ، وقامت اكثر من خمسة وثمانين دولة منها بارسال اكثر من عشرة آلاف مسعف مع معداتهم ، كما ارسل بعضها مستشفيات الميدان والخيم والبطانيات واجهزة التدفئة والمواد الغذائية وبسخاء

ولقد كانت دوافع معظمها انسانية ، الا ان البعض كانت دوافعه سياسية ، وخاصة دول الاتحاد الاوروبي ، والتي سعت من وراء ذلك الى مد الجسور مع تركيا ، لعل ذلك ينعكس على موقفها من الاتحاد ومن الحرب في اوكرانيا في حال فوز اردوغان . ولذا شاركت في عمليات الانقاذ . وقدمت المساعدات المالية والتي لم تكن بالمستوى المطلوب . ففي حين بلغت هذه المساعدات لاوكرانيا عشرات مليارات الدولارات لتمويل الحرب على روسيا ، فقد بلغت بضع ملايين الى لتركيا معظمها من منظمات وجمعيات اهلية . واعلن البنك الدولي عن تقديم 780 مليون دولار كمساعدة انسانية ، ومليار دولار لاعادة ما تهدم من مباني وبنية تحتية ، مع ان المبلغ الذي يقدره الخبراء للقيام بذلك قد يصل الى 100 مليار دولار .
اما من حيث تأثير هذه الكارثة على الانتخابات القادمة في تركيا ، فقد اعلن الرئيس اردوغان انها ستجري في الرابع عشر من ايار / مايو رغم الزلزال ، مستفيداً من ظروف اللحظة . وخاصة وعوده بتعويض كل الاضرار ، واعادة بناء كل ما تهدم . والذي طلب من الشعب ان يمهله سنة لقيامه به ، مما قد يدفع المواطنين ، وخاصة المتضررين لانتخابية على امل ان يفي بوعوده لهم كما وفى بوعوده لمتضرري زلزال عام 2022 ، حيث بنى لهم بيوتاً جديدة بدل من التي تهدمت على نفقة الحكومة . الا انها كانت بضع مئات من المنازل ، في حين ان ما وعد به في هذه المرة يشمل مئات الاف المنازل ، ناهيك عن التعويضات الاخرى .
اما قوى المعارضة فقد ارادت ايضا ان تستثمر ظروف اللحظة من خلال توجيه الاتهامات لاردوغان وحزبه بأنهم لم يعملوا مسبقاً لتجنيب البلاد من مثل هذه الكارثة ، وعدم مراقبة تطبيق كودات البناء المناسبة للزلازل والهزات ، وحالة الارتباك والتأخر في عمليات الانقاذ في البداية مما ساهم في مضاعفة مقدار الخسائر . ناهيك عن اعتراضهم على سياسات اردوغان الداخلية والخارجية والنظام الرئاسي ، ورغبتهم بالعودة للنظام البرلماني
ولقد اتفقت ست احزاب للمعارضة لتوحيد جهودها بهدف الفوز على اردوغان وحزبه . وهي حزب الشعب الجمهوري برئاسة كمال كيليتشدار اوغلو ، وحزب الجيد برئاسة ميرال أكشنار المنشقة عن الحزب القومي لتحالفه مع اردوغان ومنحه الاغلبيه للتحول للنظام الرئاسي . وحزب السعادة وهو وريث احزاب نجم الدين اربكان برئاسة تمل كرم الله اوغلوا . وحزب المستقبل المنشق عن حزب العدالة والتنمية برئاسة احمد داوود اوغلو . وحزب الديمقراطية والتقدم والمنشق ايضاً عن حزب التنمية والعدالة بزعامة على بابا جان . والحزب الديمقراطي بزعامة غول تكين اويصال . وقد اطلق على هذا التجمع اسم الطاولة السداسية . وكان من المتوقع ان يرشح هذا التجمع اما اكرم امام اوغلوا / عمدة اسطنبول الكبرى ، او منصور يافاش عمدة انقرة الكبرى ، وكلاهما من حزب الشعب الجمهوري لمنصب الرئاسة . الا ان اصرار كمال اوغلوا على ترشيح نفسه لهذا المنصب جعل ميرال اكشنار تهدد بالانسحاب من التحالف ، قبل ان يتم الاتفاق على ترشيح عمدة انقرة وعمدة اسطنبول كمساعدين لكمال اوغلو في حال فوزه . وقد سارع حزب الشعوب الديمقراطي الكردي لاعلان مساندته لهذا الاتفاق مبدئياً، مما سيكسب هذا التجمع دعماً قوياً .
ورغم ذلك فأن فرص فوز اردوغان وحزبه لا زالت قائمة ، اعتمادا على خبرته وحنكته ، و وعده باعادة اعمار ما دمرة الزلزال خلال سنة واحدة ، مما سوف يمثل مصدر قوة لصالحه . فاذا نجح سيكون امامة فترة ولاية صعبة ليحقق ذلك . واذا لم ينجح يكون قد القى على ظهر المعارضة تحقيق هذه المهمة الصعبة ، والتي يمثل مرشحها للرئاسة نقطة ضعف لها . ولذا فأنني افضل نجاح اردوغان في هذه الفترة رغم معارضتي الشديدة لسياسات الخارجية . في حين ان نجاح مرشح المعارضة سوف يلقي بتركيا في احضان الغرب ، وربما العودة الى نوع من العلمانية . كما انه وفي حال عدم نجاح اردوغان ، فأنه من المتوقع ان يحقق حزبه الاغلبية في مجلس النواب . ولذا فان الزلزال الذي حصل لن تتوقف ارتداداته في المنظور القريب ، ولن تعرف الارض التركية الاستقرار والثبات لفترة من الزمن . وسوف تستمر تعاني من زلازل وهزات وان كانت من نوع آخر . وسيكون الزلزال هو عنوان الشعارات الانتخابية للطرفين .
يتبع الحلقة الرابعة