التعليم الأردني في ميزان التقويم والتصنيف الخارجي ( 1-5 )

5 مارس 2023
التعليم الأردني في ميزان التقويم والتصنيف الخارجي ( 1-5 )

الدكتور محمود المساد – خبير تربوي

الحلقة رقم (01)

توطئة

في العادة أردد هذا القول كي أدلل به على أهمية التعليم في حياة المجتمعات، ومستوى ازدهارها عموما، ودوره الرئيس – أي التعليم – في تقدم هذه المجتمعات، أو في تخلفها، ودوره الرئيس كذلك في مستوى وعي الموارد البشرية، وتمكّنها من المعارف والمهارات، والاتجاهات المرتبطة بمنظومات القيم المرغوب فيها من هذه المجتمعات. وقولي هو: ” التعليم هو السبب الحقيقي الرئيس وراء مشكلات قطاعات المجتمع المختلفة وتخلفها، وهو في الوقت نفسه المدخل الوحيد لحل هذه المشكلات، وتطورها باتجاه التفوق والازدهار“.

ومن هذه المعادلة ولزوم ترتيب الأولويات وتخصيص الموازنات، واختيار القيادات، ووضع الخطط الاستراتيجية ومبادراتها، ومشروعاتها الحاملة لها في إطار عملياتي مضبوط ومراقب، ينهض التعليم النوعي في تمكين الموارد البشرية، من المهارات المطلوبة لحياة الأفراد الناجحة في مستقبل متغير متجدد، وما يلزم هذه المهارات من معارف، واتجاهات تدعم هذا التمكن، وتحقق الرضا للأفراد ومجتمعاتهم الساعية للازدهار .

ومع صدق الدراسات والأبحاث، والقراءات العلمية التقويمية المحلية التي تتناول التعليم في أي مجتمع ودولة، إلا أن صدقها يزداد عندما تتقارب هذه التقويمات مع التقويمات والتصنيفات العالمية في مجالات ومحاور ومعايير متعددة. وهذه هي غاية الجهات والمنظمات وبيوت الخبرة الدولية المشتغلة بهذه التقويمات والتصنيفات بين نظم التعليم في دول العالم، حيث الدول الراغبة في الاستفادة من نتائج هذه الدراسات المقارنة بعد تحليلها، ووضع اليد على ما يخدمها ويصلح حال نظمها زمن اختيارها لها وإخضاعها لعمليات التكييف والمواءمة التي تدعم نجاحها وتضمن تقبلها مجتمعيا.

ونظرا لما سبق توضيحه من ترابط قطاعات المجتمع، ودور التعليم في تراجعها وتخلفها، أو في تقدمها وتفوقها، فإن عرضنا الآتي لعدد من التقويمات والتصنيفات العالمية لقطاعت متعددة، استنادا لمعايير متعددة ومختلفه، سيزيد من توضيح الصورة، ويكشف واقع التعليم في أي دولة في العالم شاركت بهذه التقييمات، ويبين ارتباط هذا الواقع بواقع القطاعات المختلفة في الدولة والمجتمع نفسه.

وعليه، نعرض للتقارير والتصنيفات التقويمية العالمية مقابل كل معيار ومجال من أجل تناول نتائج هذه النظم التعليمية في العالم مصنفة –حسب نتائجها – من أجل دراستها وتحليلها بالرجوع إلى حواضنها المجتمعية، مع التركيزعلى المفاصل المهمة فيها، والمؤثرة في تقدمها أو تخلفها، وإبراز الاستنتاجات التي تخدم عمليات التطوير التربوي والتعليمي بشكل عام والنظام التربوي التعليمي الأردني بشكل خاص على النحو الآتي:

المعيارالأول – قائمة الأسوأ في اللامساواه في توزيع الدخل القومي بين سكان المجتمع:

نشر مختبر اللامساواة العالمي تقريره في عام 2022،( مركز أبحاث مقره في باريس– فرنسا )، الذي يقدم تحليلاته لأكثر من 100 باحث من القارات جميعها، حيث أشار إلى أنه على مدى الأعوام الأربعة الماضية، كان أفقر سكان العالم ، ونسبتهم 50% يكسبون فقط 5.5% من الدخل العالمي، و 10% من سكان العالم يكسبون 52% من الدخل العالمي. وهذه الأرقام العالمية تنطبق أيضا على الدول

العربية. فعدم المساواة في الدخل بين الفقراء والأغنياء في كل دولة يشبه النسب العالمية، حيث احتل الأردن المركز 80 عالميّا و11 عربيّا في قائمة الأسوأ في عدم المساواة، في توزيع الدخل القومي بين السكان، كما تبين أن ما نسبته 1% من عدد السكان في العالم العربي يكسبون ما نسبته 18% من الدخل القومي، وهذا أمر مريع. أمّا ترتيب الأردن ( 11 ) على الدول العربية، فيعني أن هناك ( 10 ) دول هي في توزيع دخلها القومي أسوأ من حالنا، مع أن معظمها دول غنية وبتروليه ولكن سبب ذلك واضح، أمّا ترتيب الأردن ( 80 ) على دول العالم، فإنه يضعنا في المنتصف في قائمة الدول المشاركة في التصنيف. ولجلاء الصورة أفضل فإن هناك من الدول العربية من هو أحسن حالا من الأردن في توزيع دخله القومي بين سكانه ، حيث جاء أكثر عدلا مثل: دولة الجزائر التي احتلت بالتصنيف رقم ( 16 ) وعلى دول العالم رقم ( 138 ) (انظر الجدول رقم 1).

جدول رقم (1)

بين التوزيع العربي والعالمي للدول في قائمة الأسوأ في عدم المساواة في توزيع الدخل القومي بين السكان

ترتيب العالمي

ترتيب عربي

الدول

الرقم

8

1

سلطنة عُمان

9

2

قطر

60

9

العراق

80

11

الأردن

87

12

مصر

138

16

الجزائر

119

اليابان

127

المانيا

وجدير بالذكر فيما يتعلق باللامساواة في توزيع الدخل القومي للدول العربية، وذكرنا لنسب 1 % من عدد السكان في العالم العربي وأنهم يكسبون ما نسبته 18% من الدخل القومي،و 10% يكسبون ما معدله نسبة 51%، وأن الفقراء التي تتراوح نسبتهم 50% من عدد السكان يكسبون فقط 13%، فهذا يتفاوت بين الدول العربية كما يتفاوت بين كل التجمعات في التصنيف مثل: بين القارات والمناطق….

وهنا، علينا ألا ننسى أن الجوع كافر، وأن الفقر والتعلم لا يجتمعان، حتى لو كانت هناك حالات شاذة تخالف هذا الفرض، فعندما نتحدث عن نسبة فقر تزيد على 50% ، وفئة لا تتعدى نسبتها 10% تستأثر بالثروة، فإننا نضيف في هذه الحالة لمشكلة الفقر مشكلة الحنق والغبن وغياب العدل، إضافة إل تفكك المجتمع وظهور الطبقية القائمة على المال، والتي جميعها معا أو مفرّدة تخلق بيئة معادية للتعلم.

وهنا أيضا ندخل بجدلية من تسبّب بمن، هل التعليم سبب وجود هذه المشكلات والاختراقات بتغييبه مكارم الأخلاق والشخصيات السوية، أم الهشاشة الاقتصادية وسوء الأخلاق الاقتصادية، وغياب سيادة القانون وغياب المساءلة هي من تسبّب بفقر التعلم وتراجعه وضعف الثقة بتأثيره.

المعيار الثاني – عمليات النظام والتشريعات الناظمة لها والمسيّرة لأعمالها، حيث نجد حضورا متوسطا للمساواة وغيابا للعدالة والديمقراطية وتكافؤ الفرص. وفي هذا الصدد تكفي الإشارة إلى الخطوط العريضة للنظام التربوي التعليمي التي تبدو للمراقب من النظرة الأولى، كون أن التفاصيل هي مجرد إغراق لهذه الخطوط ليس إلا، وأن الإشارة لبعضها كافٍ لتوضيح الصورة بشكل مقنع.

وبناء عليه، أعرض لبعض الخطوط العريضة الدالة على تجسيد واقع التعليم لمضامين ثقافة المجتمع الحاضن للنظام التربوي ومفاهيمه التي يغيب عنها العدل والديمقراطية وتكافؤ الفرص مثل:

الواحدية؛ وهي النمط العام المقبول لعمليات النظام التربوي التعليمي بحجة المساواة بين جميع الطلبة في المملكة، حيث نجد جميع مدارس المملكة في الأقاليم والبيئات المختلفة الظروف، والمتباينة الخصائص الجغرافية والمجتمعية، تبدأ طابورها الصباحي في الدقيقة نفسها، ويقرع جرس بداية الحصة في الدقيقة نفسها، ويدرس الطلبة الكتاب نفسه، ويختبر الطلبة في الامتحانات العامة والوطنية في الأسئلة نفسها، والوقت المحدد ذاته لهذه الأسئلة لجميع الطلبة على اختلاف قدراتهم وسرعتهم في التعلم و درجة استجابتهم لها.

غياب ديمقراطية التعليم؛ ونعني بهذا المفهوم ” أن الطالب يتعلم بحسب رغبته في موضوع التعلم وحاجاته له وسرعته القائمة على قدراته “، وهذا يعني أن كل طالب يتعلم بشكل ودرجة يختلف فيها عن طالب آخر، فهو متفرد بحاجاته ودوافعه، ونمطه في التعلم، كما هو مختلف بسرعته في التعلم، إضافة إلى ما قررته النظريات المتعددة في التعليم والتعلم، ومنها وأحدثها نظرية الذكاءت المتعددة، التي أكدت أن الطالب يتعلم أسرع وأفضل عن طريق الذكاء، أو الذكاءات التي تميزه.

وإن أردنا تسليط بعض الضوء على واقع التعليم في الأردن وخاصة في ذكربعض الأمثلة التوضيحية – وفقا لهذا الخط العريض الذي يتسم به تعليمنا –، نجد إن التعليم في المملكة يتسم بنموذج التعليم الجمعي الذي يساوي بين الطلبة المختلفين في أسلوب التدريس، وطريقة التعامل، وأسئلة الأختبار ووقته ودرجات النجاح …….إلخ. فأين حقوق الطلبة؟ مع أن العدالة والديمقراطية هنا تكمن في أن يتعلم كل طالب وفقا لحاجاته، ورغباته وسرعته في التعلم، وإلا نكون كمن يطلب من السمكة أن تصعد الشجرة في اختبار موحّد السؤال – من يصعد الشجرة أسرع؟ –، بعد أن أوقف بعض الحيوانات والطيور على خط واحد مستقيم: العصفور والفيل والقرد والحصان والسمكة والفيل .

لا أبالية القيادات في لزوم تمكين الكوادر الإدارية والتعليمية في المدارس– ميدان التعلم الحقيقي–، وكوادرالإدارة الوسطى الإدارية والإشرافية، من متطلبات أدوارها الضامنة لتحقيق الأهداف المخطط لها . والقول السائد في هذا المجال، هو أن الوزارة في وادٍ والمدارس في واد آخر، وأن ما تخطط له الوزارة وما تفكر فيه لا يصل إلى المدارس. وقد تكون الأسباب متصلة بضعف المعايير في اختيار القيادات، وضعف تلبية مكتسبات الهيئات الإدارية والتدريسية والإشرافية لحاجاتهم، الأمر الذي أبقى على دوافعهم للعمل الجاد المخلص في حدوده الدنيا.

أمثلة دالة:

“إن هذا الترتيب الذي هي عليه الأردن، لا يعني إلا أننا بحاجة إلى المزيد من بذل الجهد؛ لتوزيع مكاسب الدخل بشكل أكثر عدالة وإنصافا، عن طريق فرض الضرائب على الأغنياء لمصلحة المناطق، والمحافظات الفقيرة والأكثر فقرا، فالدخل القومي من السياحة يذهب إلى فئات محدودة، بينما المناطق السياحية التي هي مصدر هذا الدخل، تعاني من الفقر…… ولذلك، فالعدالة تتطلب فرض المزيد من الضرائب على الأغنياء لصالح الفقراء في كل الدول، وخصوصا على تلك الشركات العملاقة، التي يجني أصحابها المليارات!! فأسعار المواد الغذائية ارتفعت بشكل جنوني في السنوات الماضية، وخصوصا في الآونة الأخيرة في كل انحاء العالم، وهذه الأموال ستصب في صالح أصحاب تلك الشركات التجارية التي تحتكر التوزيع، والتعليب ومصادر الإنتاج. وأما المزارعون فلا يجنون ثمار ارتفاع تلك الأسعار العالمية، والعدالة تقتضي أيضا أن تقوم الدول الغنية بمساعدة الدول الفقيرة التي تضررت من التغير المناخي، الذي سببه الأساسي التطور الصناعي في الدول الغنية التي جنت الأرباح الطائلة، من وراء استنزاف الموارد الطبيعية للدول الفقيرة بأرخص الأسعار وأبخسها“!!.

والسبب وراء عرض هذه الأمثلة أعلاه يكمن في توضيح وشرح الفعل القوي الذي تلقيه هذه المثبطات للتنمية، وهذه المحبطات للموارد البشرية المنتجة بحيث يلحق وجودها الضرر بالشروط الصحية للبيئة التعلّمية الحافزة والثرية ، المؤمل منها أن تكون معززات للثقة بالمعرفة والمستقبل ، وأن جدوى التعلم والتفوق إيجابية ومجزية على كل طالب مستقبلا.