نقد الفنون بين الشكل والمضمون

4 مارس 2023
نقد الفنون بين الشكل والمضمون

أبوعربي/ إبراهيم أبو قديري

بداية أود الإشارة إلى ثلاث نقاط :
الأولى :لست مع المنادين باقتصار حق النقد على النقاد المختصين فقط، لأنني لست مع مصادرة حق الإنسان المتلقي في إبداء رأيه في العمل الفني؛ لأن الفن موجه في الأصل إلى الجمهور وليس إلى لنقاد.
والثانية : أنه لا تسامح في المساس بالقيم الاجتماعية
و الدينية للمجتمعات.
وأما الثالثة : فهي آفة الاستقراء الناقص المتمثلة في التقاط، أو انتقاء جزئية
من العمل الفني وتضخيمها
لإصدار حكم عام سلباً أو إيجاباً، وهو ما يعرف بالذائقة
الانطباعية الذاتية.

لا شك أن نشأةالنقد تزامنت مع ظهور الفن بكل أشكاله يرافقه كظله: تذوقاً وتقييماً وتقويما. وكانت كل البدايات متواضعة وبسيطة.

وبالانتقال من الفن بشكل عام إلى أحد فروعه كالأدب تحديداً، فإنه يدهشنا _ وباعتراف بعض الأدباء أنفسهم _ أنْ يُكال الثناء مدحاً وإبرازاً إلى إيجابيات ورقي في المعاني والأهداف لم يقصدها الأديب ولم تخطر له ببال، مما يذكرنا بطرافة قصة لوحة ذنب الحمار للفنان بيكاسو…! وتجليات
الآراء في محاسن اللوحة
وإبداعات الفنان والمعاني
والأفكار التي نجح في التعبير عنها ببراعة…!!!

وبالمقابل كثيراً ما يُظلم العمل الأدبي ويُجار عليه إما لقصور في الأديب لأن لغته وأسلوبه وتقديراته لم تسعفه في التعبير بجلاء يدركه المتلقي، وإما لأن المتلقي نفسه لم يتمكن من إدراك
ما ذهب إليه الأديب.

ولعل من أكثر هذه المواقف تعقيداً هي تلك التي يتبادل فيها الاتهامات كل من الأديب والمتلقي معاً. فقد سألوا أبا تمام : (لماذا تقول ما لا يُفهَم؟!) فرد عليهم : ( وأنتم لماذا لا تفهمون ما يُقال؟!).
وأما المتنبي فيتركهم في
حيرة يتخبطون، ويقول :
أنامُ ملءَ جفوني عن شواردِها
ويسهرُ الخلقُ جرّاها ويختصِمُ
ويضيف قائلا : ( علىّ أن أقول وعليكم أن تتأولوا)

في العصر الجاهلي نقرأ كثيراً من تلك المواقف
النقدية الانطباعية البدائية
التي تستند في أحكامها على جزئية ساذجة بل ومضحكة
أحياناً :
أحد الشعراء ينشد وهم يستحسنون بإعجاب، إلى
أن وصل إلى قوله :
فأصابَ حبّةَ قلبها فطحالها
فرفضوا قصيدته قائلين :
( إن الطحال ما دخل في
شيء إلا أفسده…!!!)؛ ربما لأنهم لا يستسيغون أكل الطحال…!!!

أما اليوم، فإن للنقد أسساً وقواعد، بالإضافة إلى دور ذوق الناقد ورأيه الشخصي.
… وحالياً تعددت المدارس والمذاهب النقدية، كما فصّل
الكثير منها الدكتور محمد مندور، في كتابه ( الفن ومذاهبه) . مثل :الرومانسية والبرناسية و الرمزية والسريالية والأدب الهادف
والواقعية… إلخ

ولعل الواقعية و افتراض المثالية من أكثر الموضوعات
جدلا بين أوساط الجمهور المتلقي سواء تصوير الواقع
كما هو أو كما نتمناه أو كما يمكن وقوعه.

ورغم محاولات مَأْسَسَة النقد
إلأ أن بعض النقاد غلّبوا الذاتية والعلاقة الشخصية على الأسس والموضوعية مجاملةً وتحاملاً : فنجد ناقدا
يكتب مقدمات دواوين أحد
الشعراء ثناءً واستحسانا عندما كانت العلاقة بينهما
ودية، وعندما ساءت العلاقة
راح يهاجم الشاعر ويحط من
قيمة شعره….! فما كان من الشاعر إلا أن رد عليه ( من فمك أدينك) فأعاد نشر آراء الناقد السابقة.

وعوداً على بدء، ومع قداسة القيم الدينية، واحترام الأعراف والتقاليد والقيم
الاجتماعية وقوة تأثيرها
….. إلّا أن بعض الشعراء العرب من رموز الغزل الإباحي الماجن، أوممن
عُرفوا بالفسوق، أوممن اتُّهِموا بالزندقةوالإلحاد… فإن كل ذلك الهجوم، وما قيل
لم يسحب دواوينهم ولم يُلغِ
حضورهم الأدبي إن لم يكن قد زاد في شهرتهم وأغرى
بالاطلاع على أشعارهم؛ لأن
الأدب خاصة والفن عامة هو شكل ومضمون.