وطنا اليوم-دعا المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان الحكومة التونسية إلى الاستجابة لمطالب القضاة الذين يخوضون إضرابًا عن العمل احتجاجًا على ظروف عملهم غير العادلة وخصوصًا في ظل أزمة جائحة كورونا.
وقال المرصد الحقوقي الدولي ومقرّه جنيف في بيان صحفي اليوم، إنّ القضاة في تونس يخوضون إضرابًا عن العمل منذ 16 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي احتجاجًا على ظروف العمل في المحاكم خلال أزمة كورونا، إضافة للمطالبات بتحسين أوضاعهم المعيشية، وإصلاح المنظومة القضائية التي تعاني من “قصور واضح” في العديد من الجوانب المحورية.
وذكر الأورومتوسطي أنّ الإضراب جاء بعد تعثر المفاوضات بين نقابة القضاة والحكومة، والتي كانت ترتكز على أربعة مطالب رئيسية هي: توفير الحماية والرعاية الصحية للقضاة وعائلاتهم وتعقيم المحاكم مع وضع بروتوكول صحي يُراعي العمل القضائي ويحمي القاضي والمُتقاضي وكلّ العمال والإداريين والمواطنين. أما المطلب الثاني فهو العمل على إيجاد عدالة فاعلة ونافذة في محاكم ترتقي لمستوى المعايير الدولية ومستوى الخدمة القضائية المُقدمة للمواطن. والمطلب الثالث يتمثّل في توفير وضعية وظروف مادية للقضاة تتسق مع المعايير الدولية. وتمحور المطلب الرابع حول إصلاحات أساسية وجوهرية في سلك القضاء.
وفي إفادته لفريق الأورومتوسطي، قال عضو الهيئة الإدارية لنقابة القضاة التونسيين القاضي “حسين قريوة” إن “تحرك القضاة لم يأتِ مفاجئًا، بل سبقه مراسلات عديدة لرئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة ومجلس نواب الشعب من نقابة القضاة للاحتجاج على الوضع المعيشي الصعب الذي يعاني منه القضاة، كتدني الأجور وبُعد أماكن العمل عن السكن إضافة لعدم وجود تأمين صحي جيد في ظل جائحة كورونا وإهمال وزارة العدل لمراعاة البروتوكول الصحي”.
وأضاف “قريوة” أنّ “ما فاقم الأزمة وفاة قاضيين بفيروس كورونا نتيجة إهمال الجهات المختصة في تطبيق التعليمات الصحية والإجراءات الوقائية اللازمة، ما دفعنا لعقد اجتماع حضره ألف قاضٍ وقاضية، قررنا على أثره الشروع في إضراب لمدة 5 أيام، ابتداء من تاريخ 16 نوفمبر 2020، وبعد انتهاء الخمسة أيام ونتيجة لعدم حدوث أي تقدم مددنا الإضراب لخمسة أيام أخرى”.
وأشار إلى “محاولات الحكومة أكثر من مرة عقد لقاء حواري -شكلي- لإنهاء الإضراب، الأمر الذي دفعنا إلى الشروع بإضراب مفتوح ما يزال قائمًا حتى الآن،” مشدّدًا على أن “نقابة القضاة هي الممثل الشرعي لقضاة تونس وهي المخولة بإعلان الإضراب أو تعليقه وفقًا لأحكام القانون.”
من جانبها نفت نقابة القضاة التونسيين تعليق الإضراب بعد إعلان الحكومة التوصل لصيغة توافقية مع جمعية القضاة التونسيين “جهة تمثيل للقضاة قبل الثورة”، إذ ذكرت النقابة واتحاد قضاة محكمة المحاسبات وجمعية القاضيات التونسيات واتحاد القضاة الإداريين في بيان مشترك صدر بتاريخ 19 ديسمبر/كانون الأول أن ” الاتفاق الأحادي المبرم مع كاتب عام الحكومة والذي تم رفضه بإجماع القضاة لا عمل به باعتباره مخالفًا لإرادتهم، ولا يستجيب للمقتضيات القانونية التي تفرض بأن يتم إمضاء تلك الاتفاقيات من الهياكل القضائية النقابية الأكثر تمثيلية”.
وبحسب “قريوة”، فإن عدد القضاة الرافضين لاتفاق الحكومة مع جمعية القضاة بلغ 2,000 قاضٍ وقاضية من أصل 2,300، وأنّ 1,500 منهم وقّعوا على عريضة ترفض الاتفاق الذي أعلنته الحكومة التونسية.
بدوره أكد المستشار القانوني لدى المرصد الأورومتوسطي “محمد عماد” أنّ الأطراف مجتمعة مطالبة بضرورة إيجاد صيغة توافقية على قاعدة تغليب المصلحة العامة وضمان تحقيق مطالب القضاة وتمكينهم من نيل حقوقهم، وإعداد جدول زمني محدد يضمن تنفيذ مطالبهم المشروعة”. مشددًا في نفس السياق على ضرورة التعاون المشترك بين السلطة التنفيذية والقضائية لإعداد برامج وخطط مهنية تساعد في النهوض بأداء السلطة القضائية وتعمل على سد أي ثغرات قد تؤثر في عمل تلك السلطة”.
ولفت “عماد” إلى أنّ مماطلة الحكومة التونسية في الاستجابة لمطالبات القضاة “المشروعة” يعني إطالة أمد التقاضي وضياع حقوق الآلاف من الأفراد، وهو ما لا يستقيم مع المبادئ الدستورية والقضائية المتعارف عليها، والتي تنص على وجوب ضمان سير العدالة واحترام استقلال القضاء، إذ جاء في الفصل 109 من الدستور التونسي: “يحجر كل تدخل في سير القضاء”. والفصل 114: “يضمن المجلس الأعلى للقضاء حسن سير القضاء واحترام استقلاله”.
وطالب المرصد الأورومتوسطي الحكومة التونسية بالتوافق مع الجهات الرسمية الممثلة للقضاة وإنهاء محاولات الالتفاف على مطالبهم التي كفلها الدستور التونسي والقانون الدولي، مشددًا على أن إستمرار الإضراب سيحرم الأفراد من حقوقهم المكفولة وسيخلق آثارًا غير متوقعة في حال عدم التوصل لحلول مرضية.