بقلم فايزة عبد الكربم الفالح
تكتب الأقلام للأيام، مدادها النازف يبحث عمَن هم أحق بأن يُكتبَ عنهم مِن بين الأنام، حين يكون الإنصاف لهم وفاء ، والإنصات لهم مِن بين الخصوص لا مِن بين العوام ، ليأخذ كل ذي حقٍ حقه، لِمَ قدّموه مِن عطاءات وإنجازات ما كانت إلا قدم السّبق لهم ، وما كانت إلا خير مِن تُصان لكثير مِن العظام ، شخوصا طالما غفلت عنها الأقلام في الزِّحام .
وها نحن اليوم نقف على ضفاف النهر المؤابي وقفة المتأمل حين يُحدّث الزمان والمكان بلسان العاشق فيقول مِن فيضٍ لها : صبيب ماؤكِ الفيّاض بالعلم والفكر والمعرفة ، خضراء كفيّكِ بالحب والكرم ، طليق وجهكِ بالسماحة وحسن التواضع ، ملح ملامحكِ يُشبه نصر معارك ميشع على الغازين على مملكة حسبون وعمّون ، إرهاصات غيرتكِ على الوطن الأم ، وابنائها وبناتها تغني لهم أنا الأردن ، مِن فجر التاريخ نحن ،كنا وما زلنا ، هي الزهرية مجبولة بطين تراب المجد ، أُسمّيها كما
يجب أن تُسمّى (بأخت الأردنيين) .
الأستاذة :زهرية عبد الكريم الصعوب
_رئيسة ومؤسسة دارة المشرق للفكر والثقافة.
_رئيسة جمعية الغسانيات الخيرية.
_كاتبة مقالة أسبوعية.
_تربوية ومترجمة متقاعدة.
_مدرسة لغة عربية للناطقين بغيرها.
_دبلوم ترجمة من الجامعة الألمانية.
_لها العديد من المحاضرات والأبحاث في مجال الأدب الأندلسي و التراث.
_ناشطة ثقافية في مجال دعم الإبداع الشبابي عن طريق إجراء مسابقات سنوية في مجال الشعر والقصة والمقال.
_ناشطة في العناية بالأطفال وخاصة ذوو الإحتياجات الخاصة.
وهنا كان حقيقا علينا ؛ بأن نتشرًف بالكتابة عنها ،ووضع نجمها تحت المجهر؛ كي نعطيها حقها أسوة بمَن كُتب عنهم ، بإعتبارها مِن سيدات الصف الأول بريادة العلم ، سيدة مِن زمرة الإستثناء مِن قاعدة الأدب والثقافة والإعلام، أحد صُنّاع الأجيال الأردنيين الذين نراهم قد سبقوا جيلهم في هذا المجال ،مِن ثقافة، وعلم، ومعرفة ،بل هي قدوة يُحتذى بها لِمَ لديها مِن حسِّ غِيرَة منقطعة النظير في حب العمل والإخلاص له، ومِن حسِّ غِيرَة أيضا على حب الوطن أرضا وقيادة وشعبا ، كما وأنها سِجل يُؤرخ بحب الهوية العشائرية الأردنية، عاشقة لتراثه بكل إيماءاته ، وما قول الصادقين يُبدَّلُ بل يُشتَرى ولا يُباع ، حين يُبدد قولها كل قولٍ تشابه الأمر عليه ، ففي كل محفلٍ تقول :
إن الشعوب لا تندثر، إن لم تندثر هوِيتها،وإرثها وعاداتهاوتقاليدها بإعتبار أن الشعوب لا تقوم ولا تنهض إلا بالحفاظ عليها ،خاصة وإن سُيِّرَت بالتطور والعلم .
استوقفني لمعان الجوهر ،حين يكون أصل المنظر جوهرا ، المتعطف عليه بالرزانة والرصانة حتى يتبدا للناظر بأن المظهر يتفق تمام مع جوهره، وهذا لعمري؛ إنه لم
يأت صدفة ولا جُزافا ، بل جاء على موعد مع صاحبة مبادرة (مدرقتي هويتي) ليتوافق الفعل مع القول ، وهنا يثمر قول الصادقين ؛ ليكون بمصاف العارفين، ومع موعد للتَّميُّز حتى التمايز عن الآخرين وذلك عن طريق استحضار شخوصا لم يتواروا عن أرواحنا البتة ، وتداعي الزمان والمكان مع التاريخ ؛ لكي نكون خير خلفا لخير سلف ،وهذا لا يتم إلا بالحفاظ على موروثا توارثنه الأردنيات عن أمهاتهن وجداتهن، بإعتبارهن منهجا يُدرّس ذو جمالية خاصة، منبثقا من الأخلاق، حيث كان لابد بأن يتفق جوهرها مع مظهرها،
فالحِشمَة كانت وما زالت عنوان الرقي والرفعة للمرأة في كل المجتمعات العربية، وما دونها مِن مجتمعات أخرى، وهذا ما كانت تتمتع به المرأة الأردنية ، كما ونَهَجن على دربها فيما بعد كل الأردنيات، المُحجلات بالعزِّ والفخارِ ، وعلينا القول : بأن هذا ما كانت تسعى إليه ومازالت صاحبة مبادرة(مدرقتي هوِيتي) الزهرية الأردنية، السيدة زهرية الصعوب ، مما أضاف لرصيدها الفكري والثقافي والإعلامي الكثير ؛ لتصبح إحدى النساء الرياديات السباقات في هذا المجال ، مما أصبح محط أنظار لكل مَن يبحث عن التميز جوهرا ومظهرا .
وها هُن بنات القلعة يَقصصن حكايتهن على أسور قلعة الكرك ، بالصمود يُمنة، وبالفخار شَملة، حيث استطاعت الأديبة والكاتبة زهرية الصعوب مِن خلال روايتها بنات القلعة رسم الملامح لكل إمرأة أردنية مِن خلال سيرة ذاتية كان وما زال ملح تلك الملامح يُطَعِّمُ زاد الكرامة لكل حاجب وشنب، و لكل لِحْيَة مخضبة بالعز والفخار، والهيبة والمهابة، فكيف لا وأمهات الأحرار يَلِدن خير الرجال لهذا الوطن .
وهنا علينا بأن نشير إلى ربط كل عمل تقوم به مِن عمل حياتيا كان مِهَنِيّا أو علميا ،ما هو إلا عمل واحدا ، ذو وتيرة واحدة ،وإن تعددت الأغراض منه ، ولَمّا أضأن النساء الكركيات ثم مضين لموعد مع بنات القلعة،
حيث تشابهت فيهن ملامح كل النساء الأردنيات الواقفات على ضفاف شرق نهر الأردن ؛ لينهلن منه ملء القلوب عشقا للأرض، ولأصحاب الأرض ، إنهم متفردون بعشقهن لهم ، إنهن الأردنيات المتمثلات بالنساء الكركيات الآئي أضأن ثم مضين حيث المجد على قلب واحد مع بنات القلعة ؛ لتكتمل الرؤية في سماء رواية الكاتبة، بنات القلعة مع الرؤية للأفلام الوثائقية، التي قامت بإعدادها وإخراجها، ومِن أهمها نساء كركيات أضأن ثم مضين على درب المتلثم البدوي يعقوب العودات ، ثم يمضن لِيأتن بقبس مِن أقباسِ منارات الشرف والرجولة ،رجل الحب والسلام في زمن الكرب ، مِن على بوابة التاريخ المشير حابس المجالي .
حقيقة قد استطاعت الأديبة والكاتبة نظم أجمل عقد زمردي مصفوفة حباته بإحكام، ونسيج خيطه منيع لا يُفَك ببساطة ، حيث أرادت الكاتبة مِن الحبات المصفوفة لذلك العقد ؛ تلاحم الأردنيين رجالا ونساء لبعضهم البعض والذين وقفوا بصف واحد متراصين، يجمعهم الوطن بخيطه المنيع، حيث كل حبة من هذا العقد تروي للتاريخ نصر أمة، لم تحني لها عاتيات الأزمان ظهرا، ولم يكسر لها الريح عودا،بقيت بقاء صمود قلعة الكرك ،بإعتبار أن قلعة الكرك ثمثل كل القلاع الصامدة على جبال الأردن الشامخ ، لحق إنها منظومة أخآذة ، اشارت إليها الأديبة لكل أردني وأردنية مِن خلال روايتها بنات القلعة .
وما أجمل حين تلتقي الأقلام على قلم واحد ؛ ليصبّ مدادها في مجرى سطور أهل الإختصاص لِمَن هم أهله ؛ ليكون الشاهد مِن أهله ذوي الأدب العربي ،لِمَ لهم صولات وجولات بسمائه، وأصحاب باع وذراع بأرضه، والشاعر خالد فوزي عبدُ مِن خيرة أهل الإختصاص الذي تنحني مهابة وحياء عند قَلَمه كل الأقلام ، حين عزف مداده ،على أوتار سطور الشعر بحق الأديبة أخت الأردنيين الزهرية المؤابية زهرية الصعوب، ومِن أجمل ما خط مداده :
نَعِمتِ بإسمٍ مِن الأزهارِ مُنبَثِقِ
فقد زها مثلها باللطفِ والعبقِ
سَعدتُ لَمّا انتشى قلبي بمعرفةِ
وقد تلألأت نورا شَعّ في أُفقي
غَرِقتُ في لُجَّةٍ غرّاءَ مِن أدَبٍ
ومِن صفاءٍ فما أحلاهُ مِن غرقِ
أكبَرتُ فيكِ أتِّقادَ الفكر ناقدةً
وقد تنزّهتِ عن زيفٍ وعن مَلَقِ
الشِّعرُ عالمكِ السامي صبوتِ لهُ
لَمّا سَعِيتِ بفكرٍ غير مُنغَلِقِ .
هذا هو حالُ النهر المؤابي لم يحتمله الزَّبدُ يوما ، خيره المتحدر ينحدر بقوة جريانه، جارفا مِن أمامه كل الصعاب، لا تُوقفه الغرابيب الصماء البيض والسمر والحمر ، مهما عَظُم حجمها ؛ لم تردّ له سيرا ، ولن تُغيّر له وجهة ولا مسيرا على الإطلاق ، نهر عارم لا يحطّ إلا بعمق الأبحر، نهر عذب طيٍب ماؤهُ ، سائغ لذة للشاربين ، ولا عجبا إن أخضرَّت جنباته وأزهرت وروده الفوّاحه بعطر دائم العبق ، فيقف الباحث عن الجمال؛ ليقول : ها هنا الماء والخضراء والوجه الحسن ، أعني الزهرية الأردنية، الأستاذة زهرية الصعوب.
ويستمر جريان النهر ، لا يُفسد مكنون عمقه وصفاء سطحه زبدا ، إذ سرعان ما يذهب الزّبدُ جفاءً ، وإن تشبّثَ بالجنباتِ، يبقى مُتأرجِحا مع الريحِ ، مُتعلِّقا بالأعوادِ اليابسةِ، و يبقى ما ينفعُ الناس ماكثا في قرارِ الأرضِ رابيا معطاءً ، لا تجرفهُ قوة الإنحدار، وإن حُطَّ مِن علِ .
بورك السعي، والحب الوارف ظلاله، وبوركت البصيرة والبصر للرؤى الأصيلة ، ودام شذى العلم والمعرفة فوَّاحا مِن الزهرية المؤابية