‏مدينون برد التحية لـ”معان “

25 ديسمبر 2022
‏مدينون برد التحية لـ”معان “

حسين الرّواشدة

الأردنيون ،كل الأردنيين ، مدينون بالشكر ورد التحية مرتين “لمعان ” ، المدينة والمحافظة : مرة لأنها افرزت اصدق ما لدينا من مشاعر الاعتزاز بالذات الوطنية ، والغيرة على المصلحة والكرامة العامة ، والتضحية من أجل الدفاع عن الحق العام ، ومرة ثانية لأنها كشفت أزماتنا ، ومنحتنا اكثر من فرصة لرؤية صورتنا كما هي ، بلا رتوش ولا مكياج ، ثم أعادتنا إلى سكة السلامة ،و معادلة التوازن الوطني ؛حيث قوى المجتمع الخيّرة ، و إدارات الدولة ، عينان لا غنى لاحداهما عن الاخرى .

من لا يعرف معان لم يقرأ التاريخ الأردني الممتد عبر آلاف السنين ، فمن هذه المدينة خرج الأنباط لبناء مملكتهم في البتراء ، كما خرج الفاتحون المسلمون لمواجهة الروم في مؤتة ، ومن “الحميمة ” انطلقت حركة تاسيس الدولة العباسية ، ثم انطلقت من قلعة الشوبك أول شرارات الثورة ضد “التتريك” ، وفي بداية القرن المنصرف استقبل أهل معان طلائع الثورة العربية ، بقيادة الملك المؤسس عبدالله الأول، وكانت معان أول عاصمة للمملكة ، ومنها خرجت أول صحيفة باسم “الحق يعلو “.

تلك ، بالطبع ، شذرات من تاريخ معان ، نستذكرها في لحظة يحاول البعض أن يشطب فيها هذه المدينة من دفتر الإنجازات الوطنية ، أو أن يكرّس في ذاكرتنا أنها مجرد أزمة مفتوحة ،لتبقى مهمشة ومجروحة، لكن معان تثبت دائما انه الرقم الصعب في الزمن الأردني الأصعب ، لم تنحرف بوصلتها عن “قبلة” الوطن ، ولم يسجل اهلها القابضون على جمر العزيمة والصبر إلا المواقف النبيلة ، هذه التي يعرفها الزوار والحجاج وعابرو السبيل ، وتتردد أصداؤها في كل مكان .

أخطأنا بحق معان واهلها ، وتجاهلنا على مدى السنوات الماضية رسائلها، وتعاملنا معها بمنطق الخوف والتخويف ، مع أن ربط الاستقرار والأمن بالخوف معادلة غير صحيحة، و أصر البعض ، سامحهم الله ، على إبقاء معان جرحا نازفا ، بدل أن تكون نموذجا للتنمية والبناء .

الآن بوسعنا أن نقول : ” “كفى”لكل هؤلاء ، لابد أن نعيد لمعان قيمتها واعتبارها ، ونفتح لواقطنا السياسية لاستقبال صرخات أبنائها ، لابد أن نرد على أهلها الصامدين التحية بمثلها ، أو باحسن منها ، هذا واجبنا جميعا ، الدولة والمجتمع ، وهو حق في ذمتنا الوطنية لكل رجل وامرأة وطفل في معان .

يدق العقلاء في معان ناقوس الخطر ، ويعبرون بحس وطني ،غاية في التهذيب، عن أوجاعهم وهواجسهم ومخاوفهم مما جرى ، وما قد يجري ، يدفعهم إلى ذلك إحساس عام بالإهمال والتهميش ، وتشخيص وتقدير عميق للأزمة التي يمر بها بلدنا ، لا نريد أن تتحول معان إلى فتنة أو نصحو على أخبار غير سارة ، فقد تعلمنا من تجاربنا أن الأزمة لا تلد الفرج دائما ، بل قد تلد مفاجآت غير محمودة ، و أهل معان ،مثل كل الأردنيين، ما زالوا كما كانوا دائما حريصين على بلدهم ، ومن واجبهم علينا أن نفهم رسائلهم ، ونستثمر في الأزمة ( أزمتنا جميعا ) لتلد ما يلزم من همة وفرج ، ومزيدا من التوافقات ، لا مزيدا من الجراحات ، لا سمح الله.