بقلم : أ.د علي عجين
توضيح حول من شرّع التبرك بما يزعم أنه من آثار النبي صلى الله عليه وسلم في بلدنا الحبيب
الحمد لله و الصلاة و السلام على الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم وبعد
فقد انتشر فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي يظهر فيه رجل يقوم بمباركة النساء بما يظهر أنه من شعر النبي صلى الله عليه و سلم وآثاره،وهذا غريب على مجتمعنا الأردني المسلم الموحد الذي لم يعرف مثل هذه الطقوس.!!
وتبع ذلك إصدار إحدى الجمعيات بياناً يوم الخميس الموافق 27 / 10 /2022 م،في إحدى الصحف المحلية تشرعن هذه الطقوس و تدعي أن هذا من فعل الصحابة رضوان الله عليهم و أنها سنة نبوية!!
وهذا خلط للأوراق و تمييع للأدلة الواردة في هذا الباب،وخروج عن محل النزاع،فإن تبرك الصحابة بالآثار النبوية من شعر و عرق و ملابس لا ينكره أحد،بل هو ثابت في الصحاح،يقول الشيخ ابن عثيمين-رحمه الله تعالى- :(كان الصحابة يتبركون بعرق النبي صلى الله عليه وسلم ويتبركون بريقه ويتبركون بثيابه ويتبركون بشعره ، أما غيره صلى الله عليه وسلم فإنه لا يتبرك بشيء من هذا منه ،فلا يتبرك بثياب الإنسان ولا بشعره ولا بأظفاره ولا بشيء من متعلقاته إلا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. )شرح رياض الصالحين (4 /243)
لكن محل النقاش هل ثبت أن ما يمسك به الرجل الظاهر في الفيديو هي حقاً شعرات للنبي صلى الله عليه وسلم !!وهل يمكنه إعلامنا كيف وصلت إليه بالسند المتصل؟!!
وأذكر هنا ما حققه الأستاذ أحمد تيمور باشا- رحمه الله- في كتابه ” الآثار النبوية ” من ص 91 إلى ص 99 عن مواضع قيل أن فيها شعرات النبي صلى الله عليه وسلم مثل المسجد الحسيني في القاهرة و هما شعرتان بالعدد،وشعرة واحدة برباط النقشبندية في القاهرة،وثلاث شعرات في القسطنطينية،وشعرة واحدة في المسجد الأموي،وشعرة واحدة في دمشق أيضاً،و شعرة واحدة في القدس،و شعرتان في عكا و حيفا،و ثلاث شعرات في طبرية و صفد و الناصرة،و شعرتان في طرابلس الغرب،و شعرة واحدة في بهوبال في الهند،وأنت ترى أن هذه الشعرات محسوبة بالعدد،وأنها قليلة و معظمها محفوظ في المتاحف و يوضع في صناديق آمنة،ومع ذلك فقد شكك الأستاذ تيمور بوجودها فقال بعد أن أوراد الروايات الصحيحة في قسمة الصحابة للشعر النبوي الطاهر : ( غير أن الصعوبة في معرفة صحيحها من زائفها . ) ص 84،وقال في خاتمة مواضع الشعر النبوي : ( هذا ما تيسر لنا الوقوف عليه من الشعرات المنسوبة إلى سيد الوجود صلى الله عليه وسلم ،والله أعلم بالصحيحة منها و غير الصحيحة . ) ص 99
ونخلص من كلام الأستاذ أحمد تيمور – رحمه الله تعالى-:
1-أن الشعرات منسوبة للنبي صلى الله عليه وسلم و يصعب التأكد من صحتها.
2-وهذا المنسوب قليل العدد.
3-وهذا المنسوب محفوظ في المتاحف أو بجوار المساجد في صناديق آمنة.
فالغالب أن هذا الآثار انقرضت أو في حكم المنقرض و لا يستطيع أحد أن يثبت أن هذا الشعر للنبي محمد صلى الله عليه وسلم.
وعليه فمن أظهر شيئاً مما يزعم أنه من شعر النبي صلى الله عليه وسلم فعليه بيان مصدره و كيف حصل عليه و سنده المتصل بالثقات لأحد الصحابة الكرام-رضوان الله عليهم-وأنى له ذلك ؟؟
فسد هذا الباب مطلوب حتى لا يفتح لكل من هب و دب ادعاء امتلاك الشعرات النبوية المطهرة.
وهنا يأتي دور المؤسسات الرسمية كوزارة الأوقاف و الإفتاء في التحقيق مع من ادعى ذلك،فليس المطلوب التحقيق في حصول العمل أم لا في أحد المراكز المرخصة من الوزارة،فهذا أمر إداري بحت،ولكن الطامة في نسبة الشعرات للنبي صلى الله عليه وسلم،واستغلال ذلك في التعامل مع عوام الناس .!!
والأمر الثاني:أن ما فعله الصحابة-رضوان الله عليهم-لم يكن بهذه الطريقة المشوهة من اجتماع الناس حول شخص يقوم بمباركتهم،بطريقة تشبه أتباع الديانات الأخرى،وإنما حصول البركة من الشعر النبوي بطريقة تلقائية،من غير طقوس و اصطفاف في الأدوار،أسأل الله تعالى الهداية للجميع،والله أعلم.