ثقافة وأخلاق الممارسة السياسية

26 سبتمبر 2022
ثقافة وأخلاق الممارسة السياسية

جميل النمري

وضعت الحرب أوزارها حول قانون الطفل وبنتيجة متوقعة هي اقرار القانون بعد تعديلات سحبت البساط من تحت الذرائع والتأويلات التي كانت ذخيرة المهاجمين.
نفذت الذخيرة وسكتت المدافع فور الانتقال الى النقاش الجاد حول تفاصيل القانون في اللجنة النيابية وتمحيص كل فقرة وأي تعديلات مقترحة عليها. ولما كان الاعتراض يقوم كله على تأويلات وافتراضات ذهنية متخيلة لبعض المواد فقد تم استدراكها بإضافات أو حتى مجرد تقديم وتأخير بعض العبارات، فمثلا بدل ان تكون عبارة “مع مراعاة القيم الدينية والاجتماعية” في نهاية الفقرة اصبحت في مقدمتها.
التعديلات لم تغير شيئا في القانون سوى وضع عبارات تطمينية تقطع الطريق على اي تأويلات شيطانية مثل الافتراء على القانون بأنه اعطى الحق للطفل بتغيير جنسه او دينه او التمرد على سلطة الأبوين والقيم والاعراف! ومن افتعل الحملة الظالمة يعرف ان الناس لا تقرأ وتتأثر سريعا بالتهويل والاثارة وبنظرية المؤامرة.
القانون يواكب الاتفاقية الدولية التي وقع عليها الاردن ويلتزم بها مع مختلف دول العالم بما في ذلك الدول العربية والاسلامية ومنها السعودية بإستثناء المواد المتحفظ عليها من هذه الدول، فلا جديد ابدا، وبالعكس فإن القوى الديمقراطية والتقدمية كان لديها تحفظات على قصور القانون اذ يضع مبادئ وواجبات تجاه الطفولة دون ان يحدد ادوات تنفيذها وتم تقديم مقترحات لتحسين القانون لصالح الأطفال والأسر الأردنية لكن هذا الجهد تعطل بسبب أولوية الدفاع عن القانون واولوية التعديلات التطمينية لسحب البساط من تحت العدوانية غير المسبوقة التي تدفع بثقافة المجتمع وعقله قرونا الى الوراء.
وقد مرّ تعديل أثار إستياء القوى التقدمية والنساء بأستبدال عبارة “والديه ” في البند الذي يتحدث عن المشاركة في القرارات المتعلقة بوضع الطفل الدراسي بعبارة “وليه” وهو ما يعني إستثناء الأم من هذه المسؤولية حتى مع غياب الأب وهو أمر غير منطقي بالمرة ويتناقض مع واقع الحال الذي نعيشه جميعا حيث ان الأم هي التي تتابع الشؤون المدرسية خصوصا في المراحل الأولى.
في الواقع تم اختيار هذا القانون لفتح معركة لي ذراع مع الدولة لاعادة موازين القوى القديمة وفرض القوة التفاوضية للتيار الإخواني بعد أن تعرض للتحجيم ومني بسلسلة انتكاسات انتخابية لكن هذه المعركة مثلت انتكاسة – نأمل ان تكون عابرة – في تطور هذا التيار. فهناك مخاوف من إحياء نهج التكفير والتخوين والترهيب الذي افترضنا أن التيار تركه خلفه بل ونفترض أن كل القوى السياسية والثقافية تركت ويجب ان تترك مربع القذف والتقاذف بالظنون والتهم والتخويف من عدو مفترض ومؤامرة وراء الباب ” كل ما طق الكوز بالجرة”. يجب التحول الى المبارزة بالأفكار ووجهات النظر حول السياسات والمقترحات والأفكار الملموسة في الشؤون السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ولعل مشروع التحديث السياسي يستهدف ويجب ان يستهدف هذا الأمر بالذات .. تحديث ثقافة وأخلاق الممارسة السياسية.