الانتحار كظاهرة ..!!

25 أغسطس 2022
الانتحار كظاهرة ..!!

د. مصطفى التل

كثرت ظاهرة الانتحار في المجتمعات الاسلامية بشكل عام , والتي أصابها انفصام شخصية حول رسالتها الجمعية وبين ما يتم فرضه عليها رغم انف هذه الامة جمعاء مما يصادم رسالتها الجمعية , ادخلها في متاهات نفسية مركبة معقدة , فقد فيها الاغلب من قوام وجودها وممانعتها في هذا العالم , ووصل الافراد في هذه الامة الى طريق مسدود من حيث التوافق الاقتصادي والفكري والاجتماعي بين ما هم مقتنعون به كحضارة اسلامية ومستلزماتها الخلقية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية , وبين ما هو مشاهد وملموس امام أعينهم , من فقر وهلاك انفس و تحت ارجلها ثورات اقتصادية تكفي العالم بأجمعه ….. مع انهيار القيم الخلقية العربية الاسلامية في المجتمعات المختلفة , والتي يعمل على انهيارها بقوة القانون الداخلي الذي تم فرضه خارجيا ….

باعتقادي العام ..ان المستوى العلمي والاقتصادي لا علاقة له بالميول للانتحار …هذا الميول يكثر في الدول المتقدمة اقتصاديا وعلميا ….ولكن الاسباب تتعلق بنفس الشخص وببيئته العامة التي يتعايش فيها ….ولكن بالعموم يمكن ارجاع اسباب الانتحار الشخصية أو مجرد التفكير بالانتحار عند مختلف الطبقات …

1- ضعف الوازع الديني عند الشخص نفسه , بحيث انه ييأس من رحمة الله تعالى ويتخلى عن مبدأ ( خلقنا الانسان في كبد ) , ويعتقد ان كل ما يحصل له خارج معادلة الدنيا التي لا راحة فيها …
2- عدم اكتمال التربية الايمانية الشاملة في النفس البشرية , اي كانت طبقتها العلمية والاقتصادية , بحيث أن الشخص نفسه ينظر الى قضية القضاء والقدر نظرة سلبية معتمة غير مدرك لماهيتها , وضعف اليقين بتقادير الله تعالى للشخص في حياته الدنيوية …
3-الجهل والجزع عند المصائب وعدم الصبر الذي امرنا به الله تعالى , وما يتبعه من أفكار سلبية وهواجس تصل الى المرض النفسي مثل الاكتئاب وغيره .
4- الفقر ومستلزماته المظلمة المدخل الاكبر لما تقدم ….ولكن ليس سببا رئيسيا فيه , ولكنه العامل المحرك بعد زمن من الفقر , وتطاول الاحداث مع انعدام اي أمل في المساعدة والانتشال من الفقر . مثل ما اقره الاسلام من منظومات اقتصادية شمولية من شأنها اجتثاث الفقر وانتشال النفس الفقيرة من قنوطها .
5- الانفتاح الاعلامي غير المنضبط وغير المعزز بقواعد مانعة لدى الشخص نفسه , من حصانة فكرية واعتقادية وقومية وغيرها .

6- العلاقة الاسرية والتنشة التربوية للفرد , حيث أن هذه البيئة تحكم تصرفات الفرد ومواجهة مشاكله بنفسه , ومن تراكماتها السلبية التي تبقى راسبة في النفس البشرية , النظرة السلبية للحياة من قبل الوالدين , كثرة الشكوى , عدم احاطة الاسرة بدواعم هي ضرورية للتنشئة اللازمة للفرد وتحصينه بمختلف التحصينات لمواجهة هذه الحياة ومعتركها وكيفية مواجهة اي فشل محتمل في محطات الحياة الفردية .

7- الشعور بالذنب الذي يلازم صاحبه فترة طويلة , مع انعدام التر بية الايمانية التي تؤكد ان الذنوب مغفورة مهما علا شأنها , ان توجهنا لباب المغفرة , وطلبناها بصدق واجتهدنا فيها , فيبدل الله السيئات حسنات لمن أحسن التوبة , فيتبدل الندم الى عزيمة واصرار وامل وفرح .

العلاج وفتح الامل للفرد المصاب بهذه الحالة :

1- التربية الايمانية الشمولية والتي تدعم توجه الفرد في هذه الحياة وتحدد سبب خلقه وان حوادث الحياة من فشل وغيره هو من كمال هذه الحياة وليس انتفاصها , فالحياة مليئة بالتجارب , عليها يثاب العبد , ان احسن تجاوزها , ويسود في الدنيا ان احسن اختيار التجاوز منها ….

2- الحضور القلبي الدائم ويقظته , وليس المطلوب هو يقطة قلبية مؤقتة , سرعان ما تتنتكس , بل يقة قلبية دائمة تحيا الحياة بمنهجها القويم , والقلب اليقظ يعرف دائما أن هذه الحياة هي امتحان فقط , فيها الفشل المطلوب تجاوزه كمحطة ضرورية للفرد البشري , وفيها النجاح الذي لن يدوم الى الابد , بل هي محطات متغايرة متبدلة , ولا بد من النفس البشرية خوضها جميعا …

3- اعلاء منظومة القيم المختلفة , وتحصينها , من ذلك قيمة النفس البشرية في مختلف مراحلها , فشل أو نجاح , وكرامة هذه النفس , وانها مقدرة لذاتها لا لظروفها المحيطة ….

4- اليأس من هذه الحياة هي سبب ذلك كله , وفقدان الشخص طريقه ورسالته في هذه الحياة تدخله في متاهات التخلص منها كون وجوده فيها اصبح عبث … وهو ما نسميه اليأس والقنوط من رحمة الله تعالى …. وهو امر عائد الى الاسراف في المحرمات عند الأغلب الأعم حتى دخل في مرحلة اليأس من الحياة ….

قال ابن القيم وهو يعدِّد الكبائر: “الكبائر: القنوط من رحمة الله، واليأس من رَوح الله، وتوابع هذه الأمور التي هي أشد تحريمًا من الزنا، وشرب الخمر، وغيرهما من الكبائر الظاهرة، ولا صلاح للقلب ولا للجسد إلا باجتنابها، والتوبة منها، وإلا فهو قلب فاسد، وإذا فسد القلب فسد البدن”.

والأمل تَوْءَمُ الإيمان؛ قال تعالى: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [الزمر: 53].

وقد فتح جميع الأبواب أمامك، واسمع إليه سبحانه وتعالى في الحديث القدسي الجليل، فقد روى الترمذي وغيره عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((قال الله: يا ابن آدم، إنك ما دعوتني ورجوتني، غفَرت لك على ما كان فيك ولا أُبالي، يا ابن آدم، لو بلغت ذنوبك عنان السماء، ثم استغفرتني، غفرت لك ولا أُبالي، يا ابن آدم، إنك لو أتيتني بقُراب الأرض خطايا ثم لقِيتني لا تُشرك بي شيئًا، لأتيتك بقُرابها مغفرة)).

هذا خطاب الله لعباده، فإذا كنت عبدًا من عباد الله، فهذا النداء يخصك، فلا يتسرب اليأس إلى قلبك، فيدخل معه الكفر والعياذ بالله، ولقد عاب النبي صلى الله عليه وسلم على الذين يُنفِّرون الناس، ويضعون الناس في موقع الدونية والهزيمة النفسية، فقال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: ((إذا قال الرجل: هلَك الناس، فهو أهلكهم)).

عباد الله، ما أحوجَنا ونحن في هذا زمن الفتن والغموض إلى عبادة الأمل؟ فمن يدري؟! ربما كانت هذه المصائب بابًا إلى خير مجهول، ورُبَّ مِحنة في طيِّها مِنحة، أوَليس قد قال الله: ﴿ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ﴾ [البقرة: 216]؟!

وقال تعالى: ﴿ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 19].

اصلح الله الامة وافرادها …