التعليم التقني والدور المفقود لكليات المجتمع

24 أغسطس 2022
التعليم التقني والدور المفقود لكليات المجتمع

د.سمير ابومغلي-رئيس مجلس امناء كلية القادسية

 تم تحويل معاهد المعلمين في ثمانينيات القرن الماضي الى( كليات مجتمع) استجابة للتطورات التربوية العالمية ولتغير متطلبات سوق العمل المحلي والعربي والعالمي, كذلك لاعادة ضبط سلم العمالة  المعكوس في الاردن لكن للاسف كان التغيير على مستوى الاسم فقط ولم يرق الى التغيير في الفلسفة والاهداف ,وقد استبشرنا خيرا عندما تم تأسيس جامعة البلقاء التطبيقية في العام 1996 لتكون مظلة للتعليم التقني والفني التي تتفيأ به كليات المجتمع الاردنية العامة والخاصة ,وللاسف ايضا لم يكن حال كليات المجتمع مع الجامعة  بافضل منه سابقا وبقيت تمنح الشهادات بتخصصات معظمها نظري على الرغم من المحاولات الخجولة هنا وهناك لطرح برامج تقنية كاحد اهم اهداف كليات المجتمع.

كان الهدف والغاية من تحويل المعاهد لكليات مجتمع هو رفد سوق العمل بفنيين متوسطي المهارة ليسدوا الثغرة الموجودة في هرم القوى العاملة بين الاختصاصيين (كالمهندسين والصيادلة والممرضين ….الخ )والعمال العاديين 

 فكليات المجتمع بتعريفها العالمي (مؤسسات تعليم عال تقدم برامج تعليمية لمدة سنتين او ثلاث بعد الثانوية العامة يتلقى الطالب خلالها المعارف العلمية العامة الضرورية والمهارات العملية المناسبة ودراسة التكنولوجيا والعلوم المتصلة بها وتزويدهم بالمواقف والمدارك المتصلة بالممارسة المهنية للقيام بالوظائف الفنية . وهي مؤسسات ترتبط بهيكل التعليم بصورة مباشرة او غير مباشرة والذي يتم فيه اكساب المهارات العملية واعطاء المعارف النظرية بصورة تتناسب مع متطلبات  العمل بحيث يستطيع التقني بعد اكمال برنامج الاعداد المقرر في الفترة الزمنية المحددة الانتقال الى سوق العمل المنتج ضمن مجموعات القوى العاملة التي تختلف مستويات مهاراتها ومعارفها باختلاف الاعمال التي تتوفر قي الصناعة او الزراعة والخدمات المختلفة 

 لم تاخذ كليات المجتمع حقها من الرعاية والعناية والتطوير كمؤسسات تعليم عال متميزة باهدافها وبرامجها ولم يكن لانضمامها فنيا واداريا لجامعة البلقاء التطبيقية اي اثر ايجابي عليها بل على العكس من ذلك تم تحويل عدد من كليات المجتمع الى كليات جامعية تمنح درجة البكالوريوس في تخصصات علمية وادبية اسوة بالجامعات وتخلت عن ماهيتها ككليات مجتمع 

ولعل اعادة تسميتها (بكليات جامعية متوسطة)قضى على بواقي تميزها , فاصبحت تعامل وينظر اليها على انها كليات هدفها الاساسي تقديم خدمة التجسير للجامعات وكانها نقطة عبور وتبييض علامات يتخذها الطالب من اجل تجاوز كثير من الاشتراطات التي حدت من قبوله في الجامعة كمعدل القبول المرتفع فاصبحت تقدم برامج مساوية لما يقدم في الجامعات لضمان التجسير 

اشار جلالة الملك عدة مرات بدءا من ورقته النقاشية السابعة وعبر العديد من اللقاءات مع القيادات التربوية والصناعية والخدمية الى ان التعليم التقني في الاردن لايزال دون الطموح وعلى الجميع ان يعملوا معا حكومة وقطاع خاص لتطوير واستحداث برامج تعليمية غير تقليدية تساهم بتاهيل الشباب للقيام بخدمة مجتمعهم بمواقع جيدة وتسهم هذه البرامج في ضبط ايقاع التعليم العالي المتوسط  وتوجيهه نحو تقديم تخصصات وبرامج تعليمية نوعية تسد بها حاجة مختلف القطاعات 

جلالة الملك يؤكد على الدوام أهمية التعليم والتدريب التقني والمهني لبناء كوادر أردنية مؤهلة تنطلق للإبداع والإنجاز في اتجاهات غير تقليدية؛ للحصول على فرص وظيفية نوعية في مجالات متقدمة ومتطورة وتشهد طلباً متزايداً في معظم القطاعات المهنية في أسواق العمل المحلية والإقليمية، بعيداً عن التخصصات التقليدية الراكدة

ولقد اولت منظمة اليونسكو التعليم التقني جل اهتمامها  تماشيًا مع الهدف الرّابع من أهداف التّنمية المستدامة وإطار العمل الخاص بالتعليم حتى عام 2030، وذلك بهدف تقوية أنظمة التّعليم والتّدريب التّقني في الدّول الأعضاء وتعزيز توظيف الشّباب، ووصولهم إلى العمل اللّائق، وريادة الأعمال وفرص التّعلّم مدى الحياة في سياقاتٍ وطنيّة محدّدة.

 ويتألّف التّعليم والتّدريب التّقني والمهني من تنمية مهارات متعلّقة بمجموعة كبيرة من المجالات المهنيّة وخدمات الإنتاج والمعيشة. كما يمكّن الأفراد والمنظّمات والشّركات والمجتمعات المحلّيّة، ويزيد من فرص التّوظيف والعمل اللّائق والتّعلّم مدى الحياة، ما يعزّز بالتّالي النّموّ الاقتصادي الدّامج والمستدام، والتّنافس، والإنصاف الاجتماعي، والاستدامة البيئيّة. 

ونحن عندما نؤكد حاجة الاردن للاهتمام بالتعليم التقني ننطلق من مؤشرات سوق العمل الاردني الذي يدل دلالة واضحة على حاجة الاردن من التقنيين اكثر من حاجته لخريجي الجامعات فنجد ان قطاع الخدمات قد اسهم ب68% من الناتج المحلي والصناعة ساهمت ب30% كما ان الشركات المتوسطة والصغيرة شكلت مايقارب من 94% من مجموع الشركات العاملة وهو مايعزز الحاجة للتقنيين 

وكان من المؤمل ان تقوم جامعة البلقاء التطبيقية ان تلتقط اشارات جلالة الملك وتعيد تعريف اهدافها واسباب وجودها فهي اسست لتقوم بدور مختلف عن باقي الجامعات ويدل على ذلك اسمها وتبتعد عن التوسع الافقي والعامودي في التخصصات التي تقدمها الجامعات الاخرى والتي تبتعد عن التقنية 

كذلك عليها اعادة الالق لكليات المجتمع سواء التابعة لها او للقطاع الخاص وحث هذه الكليات وتشجيعها لطرح برامج جديدة ذات علاقة بالمستجدات العالمية التي طرات على سوق العمل , وتعزيز الكليات التي تطرح مثل تلك البرامج ودعمها وتحفيز الاخرين شريطة ان لا تكون تلك التخصصات تقليدية ومسخ مشوه لتخصصات قائمة 

ان على المسؤولين عن  كليات المجتمع او مايطلق عليها الكليات الجامعية المتوسطة كجامعة البلقاء ومجلس التعليم العالي وهيئة اعتماد مؤسسات التعليم العالي اعدة النظر في منهجية كليات المجتمع واعادة الدور الاصلي لها ضمن عدة ابعاد كالتاكيد على دور هذه الكليات في اعداد الاطر الفنية التي التي تحتاجها مشاريع التنمية الاقتصادية والتي بمقدورها تشغيل وصيانة هذه المشاريع سواء كانت صناعية أو زراعة او خدمية وتقليل او تجاوز النقص في الأطر التقنية في هرم القوى العاملة الحالي ومن ثم تقليل الاعتماد على الأطر التقنية المستوردة من خارج الاردن, ربط التعليم التقني وكلياته بالقطاعات الاقتصادية المستفيدة كي يكون القاعدة للتعليم والتطوير المستمر للأطر العاملة في الصناعة والزراعة والخدمات.

كذلك يجب على هذه الجهات اعادة بناء المناهج الدراسية في الكليات  لضمان  ترجمة اهداف التعليم التقني الى حقائق ملموسة وتكون كوسيلة لاعداد وتأهيل الطالب الى مرحلة العطاء والأداء الجيد والكفؤ في حقل العمل والانتاج,  وصياغة المناهج بشكل يضمن ارتباطها العضوي بواقع العمل ومتطلباته ووفقا لمستلزمات المشاريع التنموية.
كما ان مناهجها يجب أن تكون ذات طابع مرن يمكن تعديلها واعادة النظر فيها كلما دعت الحاجة لذلك من خلال التقويم المستمر.وتغليب الجانب العملي والتطبيقى على الجانب النظري بالاضافة لتعريض الطالب لواقع العمل وظروفه قبل التخرج من خلال التدريب العملي والميداني ضمن المناهج المقررة لكي يتعرف على طبيعة العمل ويكتسب الخبرة الميدانية بما يجعله أكثر استعدادا.