هدى عبدالله العمارين
رم او وادي رم هذه المحمية الصحراوية الواقعة في الجزء الجنوبي من الأردن، والتي تعرف ايضا بوادي القمر، تشتهر برمالها الحمراء والوردية، والأقواس والجبال الطبيعية المذهلة، ونقوش الصخور التي تعود إلى عصور ما قبل التاريخ، كما تتميز صحراء وادي رم بالجبال الشاهقة والتشكيلات الصخرية الرائعة، مع المناظر الطبيعية الفريدة التي لا تشبه أي مكان آخر على وجه الأرض، رم مكان ساحر بإمتياز للذين يبحثون عن الهدوء في أحضان الطبيعة.
في عام 2005، أعلن المدير العام لليونسكو أن ثقافة البدو في البترا ووادي رم من روائع التراث الشفهي وغير المادي للبشرية. وفي عام 2006 صادق الأردن على اتفاقية صون التراث الثقافي غير المادي، وأدرجت ثقافة البدو على لائحة التراث الثقافي غير المادي للبشرية. وكما أدرجت القهوة العربية على لائحة التراث غير المادي في عام 2015.
بدأ ترويج منطقة رم سياحيا من اواخر الثمانينات بعد أن صور بها فيلم ‘لورنس العرب’ في الستينيات. والان أصبحت السياحة هي مصدر دخل العديد من السكان الذين يعملون بها كأدلاء وأعمال مرتبطة بالسياحة. وتسوق وزارة السياحة الأردنية وادي رم على انه جزءا من مثلث السياحة الذهبي الذي يشمل وادي رم والبترا والعقبة. وتشمل النشاطات السياحية في هذه المنطقة التخييم وجولات سياحية بين الجبال على ظهور الخيل والابل أو باستخدام سيارات الدفع الرباعي. وأيضا تشمل تسلق الجبال. ويمكن للزائر المبيت في المخيمات التي تقدم وجبات الطعام والخدمات الأخرى.
المثلث الذهبي شلال ذهب للاردن، وأنا اتحدث هنا كسيدة بدوية تعلم جيدا ما تنبته الصحراء من خير إن تم إستثمارها بالشكل الصحيح مع الحفاظ على هذه المحمية الطبيعية والتاريخية التي يعجز اللسان عن وصف جمالها، وللأمانة قررت أن أكتب عن رم أثناء زيارة عمل الى رم واهلها الطيبين.
هنا سأسرد لكم وصفا عما شاهدته خلال زيارتي الأخيرة أنا وزميلات متخصصات في السياحة والتراث، وصلنا مركز الزوار والذي بني بطريقة جميلة تتوائم مع طبيعة المكان، فمنذ دخولنا للمركز شعرنا بفخامة المكان الذي يوفر كافة السبل لراحة الزائر، قضينا أياماً حيث تم عقد دورة للشباب هناك هدفها تعلم واستكشاف كيفية إظهار المكان عن طريق السرد القصصي المرتبط بالتراث الثقافي والطبيعي للمنطقة.
قضينا معظم وقتنا مع المجتمع المحلي، كنا بين أهلنا هناك، شاركناهم حياتهم اليومية التي تتلخص في الكثير من المعاناة من إنقطاع للكهرباء وقلة الموارد والبطالة التي تخطت الحدود بين قطاعي الشباب والسيدات، الأمر محزن لمكان يجب أن ينبض بالحياة والخير.
أعتقد أن الأمر معقد، فبين تهميش للمجتمعات المحلية وقلة الخدمات وعدم وعي بأهمية المحمية، فإن الصورة قاتمة، وأجزم إن لم يتم معالجة بعض المسائل المعلقة فسنصل الى طريق مسدود سيحد من أهمية الموقع.
المسؤولية المجتمعية من الجميع( سلطة العقبة الإقتصادية الخاصة، المجتمعات المحلية، مؤسسات المجتمع المدني) هي الأساس لبناء انموذج لقرية جميلة تنعم بالخدمات الضرورية ، وقد ناقشت أنا ورفيقات المهمة بعض الامور البسيطة التي يمكن معالجتها لتصبح رم قرية للجذب السياحي بسكانها وصحراءها وهويتها الثقافية.
ما لفت انتباهنا في هذه الرحلة الإهمال واللامبالاة من الجميع ( القطاع الحكومي والمجتمع المحلي) الكل يلوم الآخر ولا يحرك ساكنا لإيجاد حلول مع ان الموضوع بسيط جدا، وقد ساورني شعور وانا هناك أن أتخيل لو عملت في هذا المكان لفترة ماذا عساي أن أفعل؟ وهنا أنا لا انتقد شخوصأ مع إعتذاري للجميع، أنا أنتقد سياسات وخطط اعدت للموقع ولم ينفذ منها الا القليل والتي تصب في صالح بعض المتنفذين واصحاب الواسطات إما بالتعيينات أو بالامتيازات التي ادت الى تهميش واحساس بالظلم والغبن من أصحاب المكان سكان قرية رم.
إن أردنا الحفاظ على المكان يجب أن نحافظ على السكان وأن تتحول القرية إلى منتجع كبير، يدرب سكان المكان للتعامل مع السياح بأعلا معايير اصول الضيافة والسياحة مع أنهم كذلك ، وان يعد الجميع لاستضافة السائح بشكل راقي ومحترم يعكس الصورة الحضارية للمكان ويسرد قصته للسائح بطريقة مبتكرة وحضارية .
المسؤولية الكبرى تقع على عاتق سلطة منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة وحسب رؤية السلطة (مؤسسة رائدة لتمكين منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة لتصبح مقصداً استثمارياً وسياحياً وتجارياً عالمياً على البحر الاحمر) ومن المؤكد يجب أن تنبثق عن هذه الرؤيا خطط تنفذ على أرض الواقع بمدد زمنية محددة ، وعند النظر الى الخطط والاستراتيجيات على مواقع السلطة المختلفة ننبهر بما نرى وعند المقارنة على ارض الواقع للأسف نجد العكس تماما، إهمال واستهتار من أكبر الى أصغر عامل في المكان، من المؤسف أن تدخل المكان وهنا أقصد مركز الزوار وتجد النفايات في كل مكان، محلات تفتقد الى ادنى الطرق في التسويق السياحي وحتى محتويات هذه المحلات لا تعكس الموروث الحضاري للمنطقة فالغزو الصيني في كل زاوية من زوايا المكان.
نأتي للعامل البشري، ينقص المكان اشخاص مدربون على التعامل مع السياحة وضعف في استخدام اللغة وقلة توعوية في التعامل والاتيكيت وغيرها من الصفات التي تجذب السياحة، الحل بسيط إيجاد مركز تدريب دائم في مركز الزوار وبرامج مستدامة لزيادة الوعي حول المنطقة والحفاظ عليها مع اكساب المجتمعات المحلية مهارات لزيادة قدرتهم على التعامل مع الزائر، واشراك المرأة في النهوض بالمنطقة. الجانب الأخر والذي لا يقل أهمية إيجادخدمات وبنية تحتية في قرية رم من كهرباء ومياه وخدمات صحية والأهم التعليم، وكما ذكرت صديقتي لماذا لا يكون في رم مدرسة خاصة كفرع من الأسماء الكبرى تركز على بناء جيل قادر على التعامل مع السياح وتطوير مهاراتهم في اللغة.
الأفكار متعددة لتنمية المجتمع المحلي الأصيل في المكان وعمل برامج سياحية ثقافية تعكس الارث الثقافي للبدو في رم مع الاعداد الجيد لإستقطاب السياح لتوق ثقافتنا الرائعة، وانا وصديقاتي على إستعداد أن نعمل مع كل الجهات لطرح الأفكار والتشارك في الآراء للخروج يعيد توزيع مدخلات السياحة بعدالة.
الحديث يطول عن رم، وما يزعجني هنا هو التضييق على أبناء المجتمعات المحلية وعدم إدماجهم في السياحة ( والإدماج يعني إيجاد بنية تحتية من تعليم وخدمات وصحة وتدريب وغيرها)، رم كنز وبحاجة الى تظافرالجهود وجدية الحكومة بحل كافة القضايا العالقة ودمج المجتمعات المحلية في تنمية المكان واسثمار الفرص للحفاظ على رم طبيعة وبشر.
وأرجو أن يعذرني الجميع فأنا لا أنتقد أشخاص ولكن أنتقد سياسات تنفيذ تصطدم بواقع مرير من تغول ونفوذ للبعض وضعف المسؤولين وعدم قدرتهم على الإبداع والعمل على زيادة الدعم الحكومي لقرية رم لتنعم بحياة هادئة ترتقي لحياة البشر، الذي يحدث هناك غير مبرر ويعكس صورة قاتمة للمكان لا نريد أن نكون كالنعام نخبئ رؤسنا في الرمال ونلوم الغير، المطلوب من الجميع أهلنا في رم وسلطة منطقة العقبة الإقتصادية الخاصة الجلوس معا ووضع خطط وبرامج لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وإعادة رم الى القمة.