وطنا اليوم:يعاني الإيرانيون من تراجع كبير في القدرة الشرائية لديهم، وذلك على وقع أزمة اقتصادية حادة تعيشها البلاد، وتضخم يقول خبراء إنه الأكثر حدة على الجمهورية الإسلامية منذ عقود.
علي، بائع لحم، ويعمل في جنوب البلاد، يشكو من انخفاض ملحوظ في مبيعاته، ويقول الرجل، البالغ من العمر 50 عاماً، في تصريح لوكالة الأنباء الفرنسية إن “مبيعاته تراجعت بشكل كبير، إلى النصف تقريباً”، مشيراً أيضاً إلى أن قدرة الناس الشرائية “تراجعت بشكل هائل”.
أضاف علي: “ماذا يمكنني أن أقول؟ أنا جزّار، لكني أحياناً لا آكل اللحم مرة في الأسبوع (…) ارتفعت أسعار كل شيء”.
من جانبه، قال “أصغر”، وهو موظف حكومي يبلغ من العمر 63 عاماً: “ارتفع سعر كل شيء بما يشمل اللحوم”، مضيفاً “كنا سابقاً نشتري كميات أكبر. الآن الجميع يشتري كميات أقل، الجميع بات تحت الضغط”.
يأتي هذا بينما تُعاني إيران من أزمة معيشية حادة تعود بشكل أساسي إلى العقوبات التي أعادت واشنطن فرضها على طهران، منذ قرار الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب سحب بلاده أحادياً من الاتفاق بشأن البرنامج النووي الإيراني عام 2018.
انعكست الأزمة على مختلف جوانب الحياة، مثل تراجع العملة المحلية، وتجاوز نسبة التضخم عتبة الـ40% سنوياً منذ 2018، وفق خبراء.
يؤكد المحلل الاقتصادي، سعيد ليلاز، في تصريح للوكالة الفرنسية، أن استمرار هذه النسبة “لأربعة أعوام متتالية غير مسبوق والأشدّ منذ سنوات الحرب العالمية الثانية”.
فمنذ أسابيع، يسجّل التضخم تسارعاً إضافياً في إيران، بعد إعلان حكومة الرئيس إبراهيم رئيسي في مايو/أيار 2022 عن تعديلات على نظام الدعم، ورفع أسعار مواد أساسية مثل الطحين واللحوم والبيض وزيت الطهو.
تُظهر أرقام وسائل إعلام محلية اختلافاً جذرياً في الأسعار، إذ ارتفعت أسعار اللحم الأحمر بنحو 50%، وتضاعفت أسعار الدجاج والحليب، وبات زيت الطهو أربعة أضعاف ما كان عليه.
غضب في إيران
بسبب الظروف الاقتصادية السيئة، نزل مئات الإيرانيين إلى الشوارع في الأسابيع الماضية في مدن عدة رفضاً لارتفاع الأسعار، وأتت هذه التحركات الاحتجاجية لتضاف إلى أخرى تنفذها منذ أشهر قطاعات مهنية مختلفة، للمطالبة بتحسين الأجور ورواتب التقاعد لتأخذ التضخم في الاعتبار.
ويوم الثلاثاء 14 يونيو/حزيران 2022، قدّم وزير العمل، حجت الله عبد المالكي، استقالته، على أمل “تعزيز التنسيق ضمن الحكومة وتحسين توفير الخدمات للشعب”، وفق المتحدث باسم الحكومة علي بهادري جهرمي.
من جانبها، ذكرت صحيفة “اعتماد” الإصلاحية أن الاستقالة أتت بعد تعرُّض عبد المالكي “لانتقادات لاذعة من المتقاعدين خلال احتجاجاتهم” على خلفية دفاعه عن قرار حكومي بزيادة رواتب شرائح منهم بنسبة 10% فقط، وهو ما اعتُبِرَ غير كافٍ مقارنة بالتضخم.
يعزو المحلل الاقتصادي، ليلاز، ارتفاع الأسعار راهناً إلى سببين هما “الزيادة الحادة في التضخم عالمياً” بعد الهجوم الروسي على أوكرانيا، و”بدء إيران إصلاحات اقتصادية ضخمة” توقعت الحكومة أن تؤدي “إلى تضخم إضافي”.
إقبال على الخبز
في أسواق طهران التجارية، ينصبّ الاهتمام على تبعات التضخم وآثاره، أكثر من الاكتراث لأسبابه.
غير بعيد من البازار الكبير، أبرز التجمعات التجارية للعاصمة، يقف محمد أمام متجره الذي يعج بمواد كالبقوليات والحبوب والمعكرونة وزيوت الطهي، لكنه يخلو من الزبائن.
يقول التاجر الخمسيني إن مبيعاته تراجعت في الآونة الأخيرة، بينما ارتفعت أسعار بعض المواد “وما لم يرتفع سعره اليوم، سيرتفع غداً”.
كان رئيسي، الذي تولى مهامه في أغسطس/آب 2021 الماضي، قد تعهّد مع بدء تطبيق الإجراءات الجديدة ألا يطال ارتفاع الأسعار الخبز والوقود والدواء.
عكس ارتفاع الأسعار إقبالاً متزايداً على الخبز الذي كان أساساً ضيفاً أساسياً على مائدة الإيرانيين، وتقول شادي، وهي ربة منزل، “لم تتضاعف الرواتب، لكن كلفة المعيشة تضاعفت”.
أضافت السيدة قرب مخبز ينتظر أشخاص عند مدخله لشراء الخبز الطازج: “باتت صفوف الانتظار في الأفران أطول؛ لأن سعر الأرز ارتفع، وبات الناس يلجأون الى الخبز عوضاً عن الأرز”.
في داخل المخبز، يؤكد الخبّاز مجتبى ذلك، وهو يأخذ استراحة قصيرة من تحضير العجين ووضعه في التنّور الأرضي، ويقول ابن الـ29 عاماً، الذي بدا التعرق والإجهاد على وجهه “لجأ الناس الى الخبز بعدما باتوا غير قادرين على شراء الأرز وزيت الطهي والمعكرونة ومعجون البندورة”، ويضيف “باتوا يأكلون الخبز وحده”