التل يرد على كلاب ..وقفات مع سؤال كلاب ” أين أجد صحيح الإسلام ” … (1)

30 أبريل 2022
التل يرد على كلاب ..وقفات مع سؤال كلاب ” أين أجد صحيح الإسلام ” … (1)

د. مصطفى التل

“الإسلام كُلٌ لا يتجزأ، فبعض الكتّاب الجدد والمفكرين الممتلئة بطونهم بالأفكار الغربية المنبهرين بحضارة أوروبا؛ يعيبون على بعض رجالات الدعوة استخدام القرآن الكريم والسنة النبوية للوصول إلى فهم صحيح، متبعين بذلك قول القائل “لا سياسة في الدين”، وكنت دوما -وما زلت- أحد الذين يبغضون تلك المقولة، فإن كان الإسلام لا يوجد فيه سياسة فهو دين ناقص، وهذا يتعارض تماما مع قوله تعالى “اليوم أكملت لكم دينكم”. – محمد الغزالي –

أسير خلف ركاب النُّجـب ذا عرج *** مؤمِّلاً كشف ما لاقيت من عوج
فإن لحقت بهم من بعـد ما سـبقوا *** فكم لربِّ الورى في ذاك من فرج
وإن بقيت بظـهر الأرض منقـطعاً *** فما على عَرَجٍ من ذاك في حرج

إعلاميون فُتحت لهم جميع أبواب الإعلام في الأردن بدون سابق انذار , تجدهم في القنوات الفضائية المحلية والرسمية , يلبسون أفخر الثياب , خلف أفخم المكاتب الإعلامية , يخوضون في علم الذرة قبل ( المُجدرة) و(الراشوف) و(قلاية البندورة ), يفقهون كل شيء , يخوضون في الدين والدنيا , لا شيء يوقفهم , فهم خلف المايكروفون وأمام عدسة التصوير , يعتقدون أنفسهم علّامة الزمان , وفقهاء المكان , من هنا – مقولة – بين أيديهم , ومن هناك اقتباس هبط عليهم بوحي خيالهم , يخلطون المقولة بالإقتباس مع بعض بهارات قلاية البندورة , لينتج فكراً لم يسبق اليه انس ولا جان .

“أين أجد صحيح الإسلام ” ؟! , تساؤل ورد كعنوان مقال لإعلامي جدلي حسب اعتقادي الخاص , لا يلبث الرجل الخروج من حالة جدلية حتى يدخل في أخرى , سلاحه فيها , جملة مبتورة من أحد العلماء على سياق تعبيري مجزوء من آخر , على بعض القفزات اللغوية من هنا وهناك , ليضعها على نار بعض المصطلحات , ليخرج بمقال في احدى وسائل الاعلام , مفاده ( توظيف المقدس في المدنس ) و ( تجديد الخطاب الديني ) , ويحمل فيه على الاسلام السياسي كما يقول , ويحمل على الفقهي ويتهمه بأنه مبرر للسياسة وانه اداة في يد الساسة , ويجادل بصحة حديث الفرقة الناجية حسب وجهة نظره , وينتهي للمطالبة بتجديد الخطاب الديني حسب تصوره العقلي فحسب .

“صحيح الإسلام ” أم ” الإسلام الصحيح ” ! , يقفز بين المصطلحين اعلاميون كثر , يخوضون في هذا المخاض بدون مقدمات , يستعرضون (جوجل ) على عبارات تساعدهم في قفزاتهم , فيجدون عبارات مبتورة عن سياقها العام لأحد العلماء , يمسكون بها , ويطوفون بها آفاق الأرض والسماء , معتقدين أنهم وجدوا ضالتهم فيها .

“لا تقول قال الله وقال الرسول، بل قال القانون وقال الدستور” , بهذه العبارة وصف عمر كلاب ما يريد سماعه من جماعة الاخوان المسلمين في الأردن في برنامج المتهم على قناة الرؤيا والذي تم بث ما تم تسجيله بالبرنامج على موقع رؤيا بتاريخ 28/2/2020 , متناسيا أنه في الأردن لا في العراق , الأردن الذي يعتمد العمق التشريعي العام ما قاله الله وما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم .

من هذه المنطلقات ينطلق صاحب الاستفسار ” أين أجد صحيح الإسلام ” , ولا يجد صاحب الاستفسار حتى اللحظة كما يزعم اي اجابة على استفساره , وكأنه يعلن إعدام أكثر من ملياري مسلم على وجه البسيطة ليجد جوابه الذي يبحث عنه في مخيلته .

وكعادته خلط الحابل بالنابل , عندما ساوى ( حزب سياسي ) بفرقة من الأمة , وكأنه لا يستطيع التفريق بين حزب او جماعة من فرقة وبين فرقة اسلامية !!!

هذا الخلط نتيجة طبيعية لخوضه في ميدان ليس ميدانه , فالمايكروفون وعدسة التصوير لا تعطيه أي مؤهل ليخوض في ميدان ليس ميدانه .

ويعود ليخلط مرة أخرى بالاستشهاد بعبارات لمحمد الغزالي رحمه الله تعالى , معتقدا نفسه أنه يوظفها فيما يخوض به , مجتزأة عن سياق كلام الشيخ رحمه الله , وكأنه يبتر العبارات من سياقها ومدلولها ليوظفها في مراده .

ثم يقفز الى الاستشهاد بآية , ويختار تفسيرا مرجوحا لها , ويوظفه في مراده كعادته , ثم تأتي الطامة الكبرى في التشكيك بحديث الفرقة الناجية , هذا الحديث الذي لا يستطيع عقله أن يستوعبه أو يتأكد من صحته , ويدعو الى قراءة جديدة للحديث للشريف والتأكد من صحته , متجاوزا بذلك جهد أمة كاملة منذ 1500 عام حول هذا الحديث الشريف , لنعيد قراءته كما يريد ” عمر كلاب ” ونعيد تقييم صحته , ولا أعلم هل اخترع قواعد جديدة لعلم الحديث لشريف أو انه كشف عن سبق لم يسبقه اليه غيره في فهم الأحاديث الشريفة !!

ثم يختم بالمطالبة بتجديد الخطاب الديني حسب منطلقاته , وتصوره العقلي , من الناحية العملية لا من الناحية النظرية, سنحاول الوقوف على أهم نقاط المقال .

الوقفة الأولى : صحيح الإسلام أم الإسلام الصحيح .

لا ألوم الرجل في نقل بعض العبارات والمصطلحات من موطئ نشأته الأولى , إذ أنها تعج بمختلف الفرق والطوائف الاسلامية عدا عن الطوائف والفرق غير الإسلامية , مما يعطي طابعا حادا في الصراع الفكري على تلك الساحة , فأين “أجد صحيح الإسلام “, موطنه في موطن نشأته الأولى , ولكن البحث عنه لا يكون في موطنه الذي يقيم فيه حاليا.

فموطنه الأول يُبحث فيه عن صحيح الاسلام , فالشيعة تدعي أنها صحيح الاسلام , والسنة تقول انها صحيح الاسلام , وبينهما فِرق تسبح على عبارة “صحيح الإسلام “, وفرق تُسقط الحديث الشريف جملة , وفرق تُسقط مفهوم الأحاديث من الناحية العقلية, وغيرها تدعو الى الاكتفاء بالقرآن الكريم دون الحديث الشريف أو حمل الحديث الشريف على قواعد تفسيرية مستحدثة , وتشكك بصحة أغلب الأحاديث وتدعو الى قراءة الأحاديث الشريفة قراءة جديدة, بل وصل ببعضهم الى التشكيك بالتفاسير وعلومها وقواعدها , ويجد المرء نفسه مضطراً في هذا الموطن للبحث عن “صحيح الإسلام” وسط صراع فكري عنيف , وسيبقى في هذا الصراع الفكري ما لم يتصالح مع واقعه الجديد في الأردن الموحَد بأهل السنة والجماعة , لا يوجد فيه غير هذه الفرقة , وان استجّر الرجل صراع فكريا مطروحاً على ساحات خارج الأردن , هذا من جانب

ومن جانب آخر , الرجل لم يخترع فكرة , ولم يستحدث حدثاً لم يسبقه اليه أحد , بل سبقه كثير مِن سلفه في هذه الفكرة ولا زالت تتفاعل الى اليوم , على سبيل المثال لا الحصر مؤلف كتاب ( الاسلام الصحيح ) للنشاشيبي الذي وضّح في مقدمته أن الاسلام الصحيح هو ذلك القرآن , وما دونه من الاحاديث الشريفة لا تمثل اسلاماً ولا ديناً , وبطبيعة الحال منه حديث الافتراق .

وأشفق عليهم من نطح الجبل , فرفقاً برؤوسكم لا رفقاً بالجبل , روى الترمذي وأبو داود عن أبي رافع أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: (لا ألفين أحدكم متكئًا على أريكة يأتيه أمري مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول: لا أدري وما وجدناه في كتاب الله اتبعناه). وروى الترمذي أيضًا عن المقدام بن معدي كرب أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: (ألا هل عسى رجل يبلغه الحديث عني وهو متكئ على أريكة فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله فما وجدنا فيه حلالًا استحللناه وما وجدنا فيه حرامًا حرمناه , وإن ما حرم رسول الله كما حرم الله).

اذن الرجل لا زال في صراع فكري كما هو واضح بين ” صحيح الاسلام ” و ” الاسلام الصحيح ” , ولم يحزم موقفه الفكري من هذا , ولا زال يتصارع حول محوره , متأثرا بنشأته الأولى وبصراعاتها الفكرية التي لا تهدأ , وكما كتبوا وحرروا سابقا : ( التعليم في الصغر كالنقش في الحجر ) .

الوقفة الثانية : محمد الغزالي رحمه الله المفترى عليه.

أصحاب هذه المنطلقات كثيرا ما يستخدمون عبارات للعالم الجليل محمد الغزالي , مجزوءة من نصوصها وسياقها العام , للتدليل ما يدعون له .
ولا يخفى على أحد ما يُكنه عمر كلاب للحركات الاسلامية السياسية من مفارقة فكرية كبرى , تظهر في كتاباته وتحليلاته المبثوثة في وسائل الاعلام واختصر الحركات السياسية الاسلامية في الاردن بجماعة الاخوان المسلمين , على الرغم من تأكيده انه تربطه علاقات مع القادة فيها .

لا نختلف مع الكاتب أن محمد الغزالي رحمه الله تعالى خرج من جماعة الاخوان المسلمين , وتدارك عليها بعض المواقف وبعض الاجتهادات العامة , وهذا شيء طبيعي جدا لرجل بحجم العالم محمد الغزالي رحمه الله تعالى , وطبيعته الحركية والعلمية .

محمد الغزالي لم يتوافق مع بعض الاجتهادات للجماعة في مجال العمل العام وخاصة الاستفادة من بعض الحريات التي وفرها الدستور المصري , يقول رحمه الله في مذكراته : ” وقد أحزنني وأنا في معتقل “الطور” أن الإخوان عموماً يرفضون أي اتهام لسياستهم ، وقد قلت: إنه بعد هزيمة “أحد” وقع اللوم على “البعض” من الصحابة، فلماذا لا نفتِّش في مسالكنا الخاصة والعام ، فقد يكون بها ما يستدعي التغيير! وما يفرض تعديل الخطة؟ لكن هذا التفكير لم يلق ترحيباً…!”
قام بواجبه حسب اجتهاده بتصحيح بعض الاجتهادات , ولكنه لم ينكر السياسة في الاسلام , ولم يدعو الى فصل السياسة عن الاسلام , ولم يخط بيده حرفا واحدا دعى فيه الى فصل السياسة عن الاسلام , بل عاب على الجماعة انغلاق بعضهم عن فهم السياسة وتقصير بعضهم فيها .
يقول رحمه الله تعالى : ” فالحق فيما يظهر مما قلناه أن السياسة بعض من كل، وفرع بسيط من الفروع التي اهتم بها الإسلام، وحدد لها منهجا ودستورا”

فلماذا تصرون على خطف فكر محمد الغزالي رحمه الله تعالى , وحرفه عن نهجه وعن قواعده الخاصة التي اختطها لفكره بشمولية الاسلام السياسية والاقتصادية والفردية ؟!

الوقفة الثالثة : تحالف الدين والسياسة .

يوغل كاتب المقال في سطحيته المعرفية والعقلية الشرعية في مفهوم تقسيم علماء أهل السنة والجماعة بين متشدد ومتهاون , بين ابن تيمية والغزالي , متجاوزا مفهوم التكامل الفقهي بين العلماء , والتكامل المعرفي بينهم , فما رسّخه ابن تيمية بنى عليه الشيخ الغزالي رحمه الله تعالى , وما نظّر له سيد قطب , ترشّح عن فتاوى ابن تيمية .

الرجل لا زال يتصارع مع طواحين الهواء في التفريق بين علماء أهل السنة والجماعة , ويحاول اقناع نفسه أن اسلام ابن تيمية مختلف عن اسلام الغزالي وسيد قطب , ولا زال يبحث عن ” صحيح الاسلام ” بين هذه الاسلامات الثلاث كما تصوّره كلماته في مقاله.!!

لا بل تجاوز هذه المرحلة الى ما بعدها بكثير , وانتقص من أهل الفتوى , وصوّرهم انهم أداة بيد السلطة لتبرير تسلطها وتغولها على العباد , وفرّق بين فتوى الاسلام لمحمد الغزالي وبين فتوى الاسلام لابن تيمية , وحاول تصوير أن اسلام الغزالي من حيث الحريات العامة مختلفة عن فتوى اسلام ابن تيمية في هذه الحريات , متوهما التضاد والاختلاف من حيث الجوهر , يقول في مقاله : ” وأن الفقهي هو منظر سياسي للسلطة, لا أكثر حتى وهو يصعد إلى المنبر أو يفتي بأي قضية تتعلق بالحريات التي أشار إليها الشيخ زكي عبر بوابة الغزالي رحمه الله «من مذكراته كلمة حرة”, ودون شك أسهم الإخوان المسلمون في قمع هذا المفهوم الحرياتي طويلاً وسنيناً… ولكن هذا ليس موضوعنا, الأهم هو مفهوم صحيح الدين كما استخدمه الشيخ الغزالي أكثر من مرة, ومن وصفهم في كلامه بجماعة المسلمين التي رددها ضمناً الشيخ زكي, فهل صحيح الدين ما يقوله ابن تيمية كما يقول شيوخ السلف المتشدد, أم ما يقوله سيد قطب, أم ما يقوله الشيخ الغزالي نفسه “

لا داعي لأن نعود لنقطة الاخوان المسلمين ومحمد الغزالي رحمه الله , حيث بيّنا أن موقف محمد الغزالي من الجماعة كان عبارة عن استحثاثهم على الانخراط السياسي أكثر فأكثر , مستغلين بعض الحريات التي وفرها الدستور المصري آنذاك , وعاب عليهم تقوقعهم خلف الانجماد والانتكاس عن استغلال هذه الحريات , ولم يطعن بنهج الاخوان لا من حيث العقيدة ولا من حيث الدين كما يريد الكاتب تقريره, وانما حاول تصحيح الاشتباك على الأرض .

ولنعود الى سطحية كلمات الكاتب في ( التحالف الفقهي والسياسي ) , حيث يصور الكاتب الفقهاء والمفتين والخطباء أنهم أصحاب كروش أموال وجاه وسلطان , وهم مستعدون لبيع دينهم في سبيل الترقيع لأي نظام سياسي قائم مهما كانت دعائمه ودعواه .

الايماءة غير المنضبطة بضابط التحقيق والتعمق فيما كتب , تنم عن جهل مركب بطبيعة الفتوى , وبطبيعة هذا الفقه المترسّخ بقواعد صارمة , فالكاتب يعيب على الفقهاء تحالفهم مع السياسة من مبدأ ( لا سياسة في الدين ) كما سيأتي , وبالتالي هم عبارة عن إيقاع لمنظومة سياسية تريد بها العزف على مسامع المواطنين لترسيخ ظلمها وقمعها للعباد.

الفتوى والتي هي العنوان الرئيس للسياسة في الاسلام , مثّلت أهم مصدر لتقرير القواعد العامة والخاصة للسياسة الاسلامية , ولعبت ولا زالت الدور الأكبر في تطور المجتمعات الاسلامية , وهي الضامن الأكبر لعدم جمود الحضارة الإسلامية والسياسة الإسلامية العامة .

فهي الضامنة عبر مئات من الاعوام والسنين لاستجابة أحكام هذا الدين لتحرك المنظومة السياسية الاسلامية والمجتمع وتطوره وتشابكه وتوسعه واستيعاب مختلف الحضارات التي دخلت تحت هذه المنظومة الاسلامية السياسية .

هذه الفتوى هي التي تعاملت ولا زالت تتعامل مع مستويين على المستوى السياسي والعامّي الداخلي , المستوى العام للمنظومة السياسية الاسلامية العالمية والمستوى الخاص للقانون الاسلامي الداخلي .

فالحكم الاسلامي لا يمكن أن ينطلق إلا بمنظومة من الفتوى التي تؤطره وتؤطر تحركاته الداخلية والخارجية , بمفهومه العالمي والداخلي , كما لا يمكن لأي منظومة سياسية عالمية أن تنطلق بدون فقهاء الدستور ولا فقهاء القانون بمختلف أنواعه .

الفتوى حتى نبسطها لبعض أصحاب العقول السطحية , تنطلق من قاعدتين رئيسيتين : الأولى : تنطلق من ثابت , الثانية : تنطلق من متغيّر , وتتحرك في اطار المتغيّر تحت ظل الثابت .

فالشريعة الاسلامية في السياسة أو الإجتماع , لديها ثوابت كالقرآن الكريم والسنة النبوبة المطهرة والإجماع , ولديها متغيرات كالقياس والاستحسان وغيره , حسب ما تسمى اصطحلاحا : مصادر أصيلة ومصادر تبعية .

الفتوى تبيّن حكم الشرع في واقعة معينة سواء اكانت سياسية أو كانت اقتصادية ام كانت اجتماعية , حسب المصدر الأصلي أو المصدر التبعي , والفتوى لا تتحالف مع السياسي في سبيل مصلحة دنيئة في مجال الدين .

ولكن العمق التشريعي للفتوى قد تستعصي على بعض العقول السطحية في تتبعها , على سبيل المثال : الفتوى المستقرة الآن أنه يحرم استباحة أموال البنوك والخمّارات , على الرغم من أن أموال البنوك الربوية محرمة بالاجماع , واموال الخمّارات محرمة بالاجماع أيضا , والمال المحرّم لا حصانة له عند المسلم كثمن لحم الخنزير وثمن الخمرة إلا عند أهل الديانات التي تبيح التعامل بها مثل أهل الذمة في بلاد المسلمين داخل بيوتهم وأماكن عبادتهم فقط , ليس لأن الفقهي ممثل بالفتوى متحالف مع السياسي الذي يشرّع الربا ويحميه ويشرّع الخمرة ويحميها بقوانينه وقوة ردعه العام , وانما مرد ذلك أن ( درء المفسدة مقدمة على جلب المصلحة ) , فدرء مفسدة الفتنة في المجتمع وهدم اقتصاده الذي تشوبه بعض الشوائب , مقدمة على جلب منفعة المال المحرّم الذي هو مباح لكل مسلم أينما وجده , والاستحواذ عليه وهدر أمن وآمان المجتمع وانهيار الدولة واقتصادها , مع التشديد على بيان حرمته وحرمة التعامل به.

هذا العمق التشريعي للفتوى يصعب على أصحاب مبدأ التحالف ( الفقهي والسياسي ) فهمه بعمقه , وذلك انهم لا يروه بهذا المنظور الاسلامي الفقهي , بل يروه بمنظور المؤامرة الفقهية مع السياسي .

وهي الفتوى التي افتى بها ابن تيمية ورسمها سيد قطب واستوعبها محمد الغزالي رحمه الله تعالى , وليس كما يصور الكاتب اين ” صحيح الاسلام” بين ابن تيمية وسيد قطب ومحمد الغزالي ؟!

الوقفة الرابعة : اعادة قراءة حديث الافتراق والتأكد من صحته .

حسب سطحية الكاتب في هذا المجال , فإنه يدعو الى اعادة قراءة حديث الافتراق , وذلك أنه متحامل على جماعة الاخوان المسلمين , ويسألهم : ( هل أنتم الفرقة الناجية ) ..؟!

الكاتب خلط الحابل بالنابل , عندما اختزل فرقة أهل السنة والجماعة بحزب سياسي يشكل حركة سياسية داخل محيط فرقة أهل السنة والجماعة , وبالتالي لاسقاطهم يجب اعادة تقييم حديث الافتراق ..!!! هل يوجد أكثر من هذه السطحية في تحميل النصوص الشرعية وزر الواقع الذي يراه كاتب المقال .؟!

وبشكل عام حول حديث الافتراق , والدعوة الى التأكد من صحته واعادة قرائته , فالرجل لم يخرج عن مجموعة اجتزاءات من علم الحديث النبوي الشريف وتخريجه المنتشرة على ( جوجل ) , واعتقد انه بدعوته هذه يستطيع هدم هذا الاصل العام من اصول أهل السنة والجماعة .

الحديث الشريف له شواهد حديثية كثيرة , وكلها صحيحة , وليست بحاجة لإعادة تصحيح أو التأكد من صحته , وان كان وقع أمام عيني الكاتب بعض المشككين بالحديث الشريف وثبوته أو تضعيفه أو التعليق على عبارة وردت فيه , والتحقق فيها , ومن صحتها , كلها تندرج تحت علوم الحديث الشريف التي هي من العلو والهمّة ما عجز عنها أكابر العلماء الفضلاء على مر تاريخ هذا الدين المبارك , ولم يبرع فيه إلا من كان نجماّ يتسامى فوق هام علمائنا الفضلاء , فمن يريد اعادة قراءة الحديث الشريف والتأكد من صحته , عليه أن يكون متخصصا في علوم الحديث الشريف , لا أن يخلط بين فرقة إسلامية وحزب سياسي اسلامي …!!!

كيف هذا ولو تعمق الكاتب في ( سنة الصحابي ) , وسنة الخلفاء الراشدين , وحديث ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين , عضوا عليها بالنواجذ ) , لاتهمنا الرجل بالمرض النفسي , ولطالب بنفينا من كوكب الأرض …!!

على كلٍ , الحديث النبوي الشريف ومكانة السنة النبوية الشريفة في التشريع الاسلامي بمفهومه الشمولي بما فيها ( الاسلام السياسي) , هو مساوٍ للمصدر الأول للاسلام , لا فرق بينهما إلا بأن القرآن الكريم كلام الله تعالى ووحيه الى رسول الله صلى الله عليه وسلم , والحديث الشريف وحي من الله تعالى الى رسول الله صلى الله عليه وسلم , وصاغه الرسول صلى الله عليه وسلم بلفظه الذي هو ( جمع الكلم ) . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إلا إني أوتيت القرآن ومثله معي ) , اي انه أوحي الي بالقرآن كما أوحي الي بغيره وهو السنة النبوية الشريفة .

فالدعوة الى اعادة قراءة السنة النبوية الشريفة , ولو كانت دعوة سطحية , فإنها تعادل دعوة اعادة قراءة القرآن الكريم والتأكد من صحته , لا فرق بين الاثنين , وهذا يختلف عن درجات صحة الحديث النبوي الشريف , ولا نخلط بين الاثنين .

ننتهي بهذه الوقفة في الجزء الأول , وان كتب الله بقية من عمر , نقف مع الجزء الثاني ان شاء الله تعالى