بقلم : سهل الزواهرة
إني آنست وطنًا ، فصبرًا لعلِّي آتيكم منهُ بِهويةٍ أو دلالةٍ تُشير إلى أنه لا زالَ وفيًا حريصًا على أهلهِ و بنيهِ أو لا زالت في ريقهِ بقية لخصب أو بقاء، أو فلنَجُلْ نحن و من يشاء في ربوعِهِ نتلمسُ أثرًا أو عبيرًا يسوقنا بعزٍ إلى استحضار ملاحمَ بيضاء تسطَّرت تيهًا يتلألأ في كرامتِه الذبيحة أو أعمدته المُزورة أو نهرِه النائمُ في قماقم النوايا السوداء المُتأهبة للفتك الأخيرِ بِقلاعهِ الشامخةِ التي غدت تتهاوى واحدةً تِلو أُخرى حبًا في أكذوبةٍ كُبرى تشربناها فتيانًا أغرارًا باسمِ قداسةٍ مُختَلقة لا شاهدَ عليها إلا أقلامًا اكتنزت بحبرٍ دخيلٍ لا يكتبُ إلا بأمرٍ و لا يؤمرُ إلا بنفاقٍ و تحريف، و تذودُ عن أوثانهِ ألسنٌ حِداد شحيحة على الخيرِ عُقدت عن الحقِ فلم تنطِق إلا في باطلٍ و لم تُركَّب الأحرف إلا بلؤمٍ يقودُ جُمَله الركيكة إلى ضياعٍ و تضييع و بيعٍ بخسٍ يسقطُ فيه العام و يتألَّهُ الخاص و تُصبحُ اللوحة المسخوطة حِكرًا على رهطِ صالح يتلاعبون بها كيف شاءوا و تُغتال الناقة و وليدها و لا يغضبُ لهن غاضِب و لا ينتَحبُ عليهن ناحب، فلا مكان ها هنا لنبيٍ أو آية، المُتحكم السوط أو لوسائل مُبررة بغاية.
إني آنست وطنًا لاحت تباشير نهضتهِ في غيابات جبٍٍّ لا يخرجُ يُوسُفه و يبقى حبيسًا مهما مرت السيارة فلا رشاء ينتشله و لا حارث يجيره، و لا أشج بني أمية يقومُ من بين ركامِ الفرضِ فيُقيم الفردوس الأرضي و ينتهج العدلَ ميزانًا و حكمًا و تتآخى في عُهودهِ الذئابُ و الحِملانُ ، و يعودُ النقاء ريشة تتمايل بعبقريةٍ عُمريةٍ لتُسطر أنقى دروبَ الحقِ و الجمال، تلك أمانينا التي تداخلت مع لُحومنا و أرواحنا فشكَّلت حالةً مُتخيلة سطا عليها شايلوك بسكينهِ الحاد فراحَ يقتطِعُ منَّا و يأكلُ و يبيع و يسمسر و الضحايا ممنوعٌ عليها الآه أو ما هو دُونها.
إني آنست وطنًا يكتُبُ مبادىءَ حِكمتهِ أهلُ النباهة و الحِرص لا أهل الهوى و الرقص ، وطنًا تُزهر فيه المجالس و المدارس لا السجون و المتارس، تنطلق فيه الفكرة كبذرة شبقة تتفتح و تسود و تمتد أغصانُها الخضراء لتُضلل البلاد المنكوبة و العباد المسلوبة و تطيرُ بلقاحاتها كل فراش الدنيا لتنثر في صحارينا القاحلة و أوديتنا المُجدبة أملًا و ثمرًا يُشبهنا و يشبه فرادتنا أن كُنا يومًا للدنيا سادة ….