لغة الكراهية!

15 فبراير 2022
لغة الكراهية!

بقلم الأستاذ الدكتور تركي بني خالد

الكراهية حالة مرضية نفسية واجتماعية تصيب الأفراد وتصيب المجتمعات. بل هي نوع من الايدولوجيا المدمرة حين تتمكن من فريستها الإنسان. ولان اللغة مرآة العقل، فان سيكولوجيا الكراهية تتجلى في ما يقوله أو يكتبه أو ما يعبر عنه جسديا الكثيرون في هذا العالم.

في رأيي أن لغة الكراهية هي نوع من التواصل العدواني يستخدمه الإنسان ضد أخيه الإنسان، تعبيرا عن الإحباط، ورغبة في تحصيل ما لا يمكن تحصيله بالقوة. ولغة الكراهية هي شكل من أشكال  العنف الذي يتخذ من أدوات التواصل وسيلة له. 

لقد غدا خطاب الكراهية ممنوعا ومحرما وغير قانوني في الكثير من البلدان الآن، وهذا شيء محمود. لكنني ألاحظ للأسف أن من بين ظهرانينا “أبطال”  كثر يمتشقون سيوف البلاغة ويمتطون ظهور المنصات الالكترونية، ليمارسوا الأذى نحو الأخر بدون وجل أو خجل. 

وقد يتخيل البعض من الجهلة أن حرية التعبير التي تمنحها دساتير وقوانين البلاد تمكنهم من إساءة استخدام اللغة نحو غيرهم ممن يرون أنهم ضالون فقط بسبب أنهم مختلفون عنهم بالفكرة أو نمط الحياة الذي ارتأوا لأنفسهم. 

وفي الزمن الذي نعيشه الآن، أصبح واجبا علينا أن نجافي اللغة الماكرة والبلاغة الخادعة التي تصور الآخر شيطانا رجيما لمجرد الاختلاف. صار واجبا أن نروض اللغة التي نستخدمها يوميا لكي نجعلها لغة الوئام وخطاب الثقة بين الناس. 

فاللغة هي وسيلتنا لصياغة العالم الذي نريد، فمن خلالها نرى الأشياء ونتصور المفاهيم، ومن الخطورة بمكان أن نخسر معركة اللغة في بناء المجتمع الذي نطمح إليه. إن من الخطورة أيضا أن نغض الطرف عن ذلك النفر من بني قومنا الذين اتخذوا من وسائل التواصل الحديثة والتقليدية بيوتا ومنابر يبثون من خلالها التشاؤم والسخرية والتسخيف والحقد نحو غيرهم ظانين أن ذلك وسيلة للتسلية أو الترفيه أو نوعا من خفة الدم.

لغة الكراهية هي كلام الباطل الذي يراد به الباطل حتى لو تم تغليفه بدهاء ادعاءا بأنه الرغبة بالإصلاح أو النصح. ولغة الحقد لا يمكن أن تنسجم مع مبادئ الديموقراطية التي ينادي بها الجميع. والكلمة مهما كانت بسيطة قد تكون اقوي واشد فتكا من الرصاصة. والبلاغة جميلة حين تصور محبتنا للآخر أو على الأقل اعترافنا بهم.  وغير ذلك فاللغة أداة  تخريب لا سمح الله لنسيج المجتمع.

إن ازدراء الآخر لمجرد انه مختلف في الرأي أو الفكرة أو نمط العيش نوع من العدوانية بل ونوع من المرض النفسي، ومن هنا أدعو والى تدريس لغة الاعتدال وتدريب الناشئة عليها. كما أدعو الباحثين والباحثات في مختلف التخصصات للانتباه إلى هذه القضية الخطيرة ودراستها وطرح الحلول بخصوصها. فليس من المقبول أبدا أن نزدري الآخرين بأدواتنا اللغوية. لا بد من الارتقاء بفن الكتابة والتعبير وتنمية أدب الحوار واستخدام اللغة السليمة، فالعقل السليم باللغة السليمة!