ردا على الشيخ الحويني

7 فبراير 2022
ردا على الشيخ الحويني

د. عادل يعقوب الشمايله

في لقاء متلفز مُتداول حاليا من خلال اليوتيوب مع المدعو ابو اسحق الحويني الذي يدعي احتكار العلم الديني، الرجل الذي ساهم في انتاج وتدوير فكر الارهاب العالمي، قدم الحويني في المقابلة نموذجا من نماذج علمه العليل. ونظرا لأن علمه من النوع المُعدي، قررت أن اشخص علته واحذر منها.
-يقول ابو اسحق الحويني أن معظم ايات القرآن ظنيةُ الدلالة، وبالتالي لا يُحتجُ بها، ولا يُجَادلُ بها، لأن القرآن حمال اوجه.
-يصف الحويني القرآن بهذا الوصف وهو الذي كان يتنزل على الرسول داعيا ومحاورا ومحاججا وليُعلمَ الناس الكتاب والحكمة. الا يقول الله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأمِّيِّينَ رَسُولا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ “؟ الا يقول الله أن “من اوتي الحكمة فقد اوتي خيرا عظيماً”؟ لأن الحكمة هي الاهدف الاسمى لكل طالب علم.
اذا كيف يكون يمكن تعليم الناس الحكمة التي تعني فصل الخطاب بقرآن تحمل آياته تفسيرات وتأويلات متناقضة، ويجد فيه الخصوم إسناداً لتخاصمهم واختلافهم وتناقضاتهم وتوزعهم شيعاً؟
-يقول الحويني أن معظم احكام الفقه تستند الى السنة قطعية النقل، قطعية الدلالة. هذا الزعم يعني أن كلام الرسول افصح واوضح وابين من القرآن. ولهذا يتم تجاهل النصوص القرآنية. بمعنى أنه وضع السنة اولا واعلى مقاماً، ووضع القرآن تاليا في المرتبة. الا يتناقض رأيه مع قول الله تعالى “إنا أنزلناه قرآنا عربياً لقوم يعقلون”، وانه انزله “بلسانٍ عربي مبين” ؟أي واضح ومفهوم. ومع قوله تعالى “ما فرطنا في الكتاب من شئ”، وقوله تعالى “مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة الا احصاها”. ” اليوم اكملت لكم دينكم ورضيت لكم الاسلام دينا”. اذاً، نحن أمام ادعائين: ادعاءُ القرآنِ أن الدين قد اكتمل باكتمال نزول القرآن، وإدعاء الشيوخ ومنهم الحويني أن الدين لم يكتمل وأنه ظني الدلالة ولذلك لا بد من الاعتماد كلياً على الاحاديث، تصديقا لما جاء في القرآن ” يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا”.
-اذا كان القرآن ظني الدلالة وأنه حمال اوجه، فإن هذا الامر كان يعطي كفار قريش كل الحق برفض تصديق النبي واتباع دينه، لأن كل واحد منهم سيجد تفسيرا لايات القرآن لا يتفق مع تفسير النبي، وسيواجهونه وهم اهل اللغة بأن القرآن مُجَرَدَ ترنيمات وموسيقى لفظية خاوية من المعنى وسجع كهان.
ما قاله الحويني ينقض جميع الايات التي تمتدح القرآن لغة ومعاني ورسائل وإعجاز. ” الرحمن، علم القران، خلق الانسان، علمه البيان”. هل تعليم الله للانسان من خلال القرآن تعليمٌ قاصر؟ وأن تعليم الله البيان للانسان الذي خلفه الله تعليمٌ ناقص وبالتالي يحتاج الى علم الرسول ليكمل علم الله. وكأنهُ يقول أيضاً أن آدم كان يعرف بنفسه الاسماء التي عرضها على الملائكة قبل أن يُعلمه الله تلك الاسماء. هذا عكس مريع ومريب.
-يقول الحويني أن الحديث المنسوب للرسول “أُمرتُ أن أقاتل الناس ، حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، ويقيموا الصلاة ، ويؤتوا الزكاة ، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام ، وحسابهم على الله تعالى” حديثٌ قطعي الثبوت وقطعي الدلالة وأنه اولى بالتطبيق من آيات القرآن التي تنص على ” أن لا إكراه في الدين”. وهذا يعني ان على المسلمين ان يقاتلوا البشر جميعا ويفرضوا عليهم دينا واحدا هو الاسلام، وقتلَ من لا يُسلم ويقيم الصلاة ويؤتي الزكاة. أي ان الناس أمام خيارين لا ثالث لهما: الاسلام أو القتل حتى لا يظل على وجه الارض كافر أو مخالف. هل الاية ” لا اكراه في الدين” ظنية الدلالة؟
اذا سلمنا بهذا الحديث وتفسيره، فهل يتفق هذا الحديث مع قوله تعالى أنه خلق الناس مختلفين؟ لو شاء ربك لجعل الناس أُمة واحدة؟ ومع قوله تعالى لو شاء الله لهدى الناس جميعاً ؟ ومع قوله تعالى: قل يا ايها الكافرون … لكم دينكم ولي دين؟ ومع قوله تعالى : لست عليهم بمسيطر الا من تولى وكفر فيعذبه الله العذاب الاكبر؟ يُعذبهُ الله وليس انت يا محمد ومن يخلف محمدا. هل هذه الايات ظنية الدلالة ايضا؟
ولماذا اذاً اختلف الامر عند التطبيق العملي؟ فقد قدم الحويني صيغة أُخرى مستندة الى توصيات الرسول لقادة السرايا أو الجيوش التي كان يأمرها بالغزو، والتي مفادها ان يُخير الاعداء بين ثلاث بدائل: الاسلام أو دفع الجزية او القتال. فاذا رفض العدو اعتناق الاسلام وقبل دفع الجزية عندها يتوقف القتال ويعود الجيش المسلم، ويظلُ من تم غزوهم على دينهم. هذا يعني أن الرسول قد رضي بالجزية وتنازل عن الدين. أي أن الرسول قد تنازل عن صفته كرسول واصبح جلُ هدفه الحصول على المال. والسؤال هل يُعذرُ الله الرسولَ اذا اكتفى بعرض الخيارات الثلاث على حاكم البلاد المجاور او قائد الجيش؟ هل عِلمُ قائد الجيش المعادي يفضي الى عِلمِ الشعب خلفه من مزارعين ورعاة وتجار وصناع ونساء بأن هناك دين اسمه الاسلام وأن عليهم أن يتبعوه؟ وهل رفض قائد جيش الكفار إعتناق الاسلام ورضوخه لدفع الجزية يعفي الرسول من مسؤولية التبليغ بدينه لجميع الناس؟ وهل يعفي الشعوب الاخرى من ذنب الكفر ؟ فالحاكم او قائد جيشه ليس كل الناس، ولم يكن هناك اذاعات وتلفاز وصحف ووسائل تواصل اجتماعي ليتابعوا مجريات الحروب واسبابها ومآلاتها.
– يقول الحويني أن واجب الشرطة زمن حكم السلاطين هو حماية الدين وليس خدمة الشعب. ويقصد حماية الدين الذي تتبناه طائفة المشايخ القريبة من السلطان والمسيطرة في كل فترة وفي كل مرحلة. وهذا يؤكد نظرة الشيوخ لافراد الشعوب انهم مجرد رعايا، اي بهائم لا قيمة لحياتها وارائها وامانيها.
ثم يقولون أنهم العلماء والمختصون بامور الدين.