د . ذوقان عبيدات
سئلت من إذاعة مجمع اللغة العربية، ومن إذاعة نشامى FM وكذلك من نبض البلد – رؤيا – هذا السؤال: ما خطتك لتطوير التعليم؟ كما أسرف كثيرون باتهامي بأنني كنت مسؤولاً في وزارة التربية والتعليم وفي المركز الوطني لتطوير المناهج، ولم أعمل أي تطوير، فلماذا تتفلسف الآن وتتحدث عن تطوير التعليم؟!
إنا إجابتي – ببساطة – أنني طردت من العمل التربوي أربع مرات. وأنني تركت في سجلاتهم الرسمية خطة لتطوير التعليم وهي خطة لم يلتفت لها أي مسؤول !
وفي الأرشيف – إن لم يحرق – تركت مع زميلي د. المساد خطة لتجويد التعليم تتحدث عن:
- تجويد البيئة التعليمية.
- تجويد أداء المعلم.
- تجويد المناهج والكتب المدرسية
- تجويد الإدارة المدرسية.
- تجويد التدريس الصفي والتعليم الناقد والإبداعي.
- تجويد الإدارة الصفية.
ووضعنا ثلاثة مستويات جودة لكل مجال!!
كما قدمت – شخصيا – نقداً علمياً لمناهج العلوم والرياضيات ورياض الأطفال ، وهي كل منتجات المركز الوطني للمناهج، والتقارير موجودة بشكل رسمي و شخصي!!
وكتبت عدة مقالات عن متطلبات تطوير التعليم في مختلف وسائل الإعلام. إذا هذه التهمة أرجو إغلاقها. وأنا مستعد لإعلانها لولا أنها وثائق رسمية يفترض بالمركز الوطني التعامل معها!!
(2)
خطة تطوير التعليم
إن وضع خطة لتطوير التعليم أمر ضروري، وإن الحاجة لها ليس ترفاً، فالملك قال، بل كرر مراراً ضرورة تطوير التعليم، وتعليم التفكير الناقد، ومواجهة الإشاعة، وإعادة ” الألق إلى التعليم” ولذلك، سأتحدث الآن بكل صراحة – متجاوزاً الخطوط التي توقفت عندها سابقاً!
برأيي فإن تطوير التعليم في الأردن يتطلب أربع متطلبات أساسية هي :
أولاً: توافر إرادة التطوير
ويقصد بالإرادة هنا الرغبة في إحداث التطوير، رغبة السلطة الأردنية العليا – الملك – وقد عبر جلالته أكثر من مرة عنها، بل وكررها حرفياً، ووضع معايير التطوير في آخر مرتين : الورقة الملكية النقاشية السابعة سنة 2017 والخطاب الملكي سنة 2022. فالإرادة العليا إذن متوافرة!
بقي أن نسأل: إذا لماذا لم يتم التطوير؟
هل هناك إرادة أشد تأثيراً وفي الاتجاه المعاكس؟
الجواب: لا! ففي الأردن الملك هو صاحب الكلمة العليا، والأولى. ولذلك نسأل مرة أخرى : هل تتوافر لدى الهيئات والوزراء والمسؤولين إرادة التغيير؟
الجواب: لا، وألف لا. وسأتحدث عن هذا فيما يأتي:
ثانياً ، المسؤولون التنفيذيون.
وهؤلاء هم وزراء التربية والتعليم، ووزراء التعليم العالي، ومجالس التربية والتعليم، ومجالس التعليم العالي، والمجالس العليا للمناهج.
وأعلن بوضوح- وعلى مسؤوليتي- ليس في أي مجلس خطة تطويرية ولا خطة تشغيلية ولا خطة إجرائية، ولا أي شكل من أشكال التخطيط. ولا حتى رؤية لعام أو لشهر أو لاجتماع قادم!!
هذا ليس كلاماً خطيراً، بل كلام دقيق.
أما الوزراء، فقد كان لبعضهم خطة، ربما الرزاز في التربية وتوق في التعليم العالي. وكلاهما شطبت خططه بعد مغادرته بيوم واحد!!
هذا يعني إننا – في الدولة- لا نمتلك خططاً استمرارية. فالمسؤول الجديد – له موّاله – الخاص. وبحسن نية قد أقول: سقطت خطط نادرة لبعض الوزراء، لأنها ليست خططاً مؤسسية – وهذا محتمل – ولكن وزارة أو مؤسسة فيها مجلس للسياسات لا يعترض على خطة، ولا على إلغاء خطة يعكس أن المجالس لا حول لها ولا قوة.
وإنها تسبح باسم من أتى بها إلى المجلس.
سئل حكيم أردني: من الأفضل :وزير التربية السابق أم الحالي؟ فأجاب الوزير الذي سيخلفهما، فالوزير القادم هو الأغلى.
ما علينا!
عودة إلى المسؤولين التنفيذين الذين وصفوا بأنهم مرتجفون خائفون! أقول إن بعضهم لا يمتلك خطة غير تلك التي تحفظ بقائه.
فالمسؤول التربوي الأردني – الذي يمتلك رؤية – يخاف ويحق له أن يرتجف! فالتعليم في الأردن محاصر بأفكار مختطفي المجتمع، الذين لا يريدون تفكيراً ، والذين يرون في التحليل والمنطق والشك مهارات خارجة عن عاداتنا و تقاليدنا وبعض مقدساتنا.
وبوضوح – وليس دفاعاً عن مسؤول- لكن أقول لا يجرؤ مسؤول على التفكير في تطوير التعليم خوفاً من التهم الجاهزة ما يمكن أن يناله من تهديد و تشهير وإخراج عن الملة.
وليس بعيداً ما حصل مع عدد من التربويين – ومنهم كاتب هذه المقالة!
أقول: يعمل أصحاب الرؤى وبعض المسؤولين وفق أساليب المداراة والمجاراة والالتفاف خوفاً من مختطفي المجتمع.
بل وأبعد جميع أصحاب الرؤى والفكر التربوي عن أي لجنة أو أي قرار بحجة إنهم يثيرون مختطفي المجتمع الذين يريدون العودة به إلى مئات السنين. وقد سبق أن أسميتهم : رواد الصحوة، بمعنى يريدون العودة إلى الوراء في مقابل رواد اليقظة الذين يتطلعون إلى المستقبل!
سيداتي، سادتي:
إلى من يهمه الأمر، ومن لا يهمه.
لا يجرؤ مسؤولونا على مواجهة مختطفي المجتمع، بل لم يستطيعوا مواجهة من يعترضون على تأجيل بداية الفصل الثاني، فكيف بهم يواجهون القوى التقليدية!؟
في بلاد مجاورة، تم إقرار مناهج التفكير والمنطق والفلسفة حين قررت الإدارة العليا: إسكات مختطفي المجتمع عندهم!!
لا أحرض على أحد! بل أطالب بتحرير المسؤول من سطوة مرعبة.
وبالمناسبة، لا حماية إطلاقاً لمن يتعرض لنقمة الكفيريين!! حتى الدولة تتخلى عنه وتبعده عن مجالسها وقراراتها.
ثالثاً مستوى المسؤولين الفنيين
قبل المستوى الفني، هل يشعر المسؤولون التربويون: الوزراء وأعضاء المجالس بمسؤولياتهم في تطوير التعليم؟
جوابي: لا. ودليلي: لم يفعل مجلس شيئاً سوى إقرار ما يراه الوزير. ولم يفعل وزير شيئاً سوى ما يؤمن له راحة البال!! والأمن والعمر الطويل في وزارته!
فالمسؤولون غير متحمسين للمستقبل. وخائفون من الحاضر. فالحل هو تغيير ظروف محيطة بهم. وتغيير معايير اختياراتهم!
قلت مراراً : إن مجلس أنهى مدة أربع سنوات بعد الورقة النقاشية للملك، أنهى دورته دون أي فعل تطويري، فهل من العدل إعادة تشكيله بنفس المعايير التي تم تشكيل المجلس السابق وقتها؟ بل وبمعظمهم أعضاء المجلس السابق؟
لماذا نعيدهم؟ هل حرروا التعليم والتدريس والمدرسة من قيود فنية كانت ضمن سلطتهم؟! قال الملك الآن ما قاله قبل خمس سنوات!!
إذن نريد مسؤولين فاعلين، ومجالس فاعلة، ونريد وجوهاً جديدة من مفكرين وأصحاب رؤى !! وبالمناسبة معظمهم أعضاء المجالس والوزراء والمسؤولين ممن يتم تمديدهم!!
وخلاصة ذلك!
لدينا مسؤولون يخشون التهم الجاهزة فيما لو حاولوا التغيير، ولدينا مسؤولين في معظمهم غير قادرين فنياً وتربوياً و قيادياً على إحداث التطوير!!
ولا أستغرب أن يتكرر خطاب الملك بعد أربع سنوات!!
(3)
تحركات بعد خطاب الملك
أطمئن المجتمع أن مجلساً ما لم يتحرك ولم يدعَ إلى نقاش خطة لتطوير التعليم!! وكان العرس عند الداخلية أو الخارجيةأو في المجلس التعاوني.
من تحرك يا سيداتي، سادتي
عدد من الكتاب، وجدوا موضوعات يكتبون فيها مقالات جديدة، وتحركت تلفزيونات – ليس بينها التلفزيون الرسمي- وتحركت إذاعات، ولكن خبير المؤسسات التربوية لم يتحرك!!
لدينا مجالس تعليم ثلاثة:
مجلس التربية والتعليم
مجلس التعليم العالي
المجلس الأعلى للمناهج.
حتى الآن! وهذه معلومات لم يقلق مجلس بعد خطاب الملك ! وربما لن يقلق إلا إذا استفزتهم مقالتي – وفي الغالب – و لن يقلقوا!!
لدينا استراتيجية تطوير الموارد البشرية ولدينا إرادة عليا ، وفرصة نادرة ، ووزير تربية ذو صلة بالاستراتيجية.
فمن يقول: أنا ؟!!!