د. براهيم عيسى العبادي
رئيس المركز الوطني للقيادة والتنمية
خبير الشؤون الاستراتيجية والأمنية
يبدو أن مراكز الدراسات والبحوث الاستراتيجية ومراكز استطلاعات الرأي العام لم تعد بحاجة لإطلاق مؤشر الثقة من عدمه لقياس مدى نجاح الحكومة ؛ بعد أن تلاشى هذا المؤشر نهائيا بسبب اخفاقات حكومية متعاقبة ؛ وبروز مؤشر أكثر قساوة مرتبط بقياس السخط العام تجاه أدآء الحكومات .
الحكومة الموقوتة من وجهة نظرنا هي التي تواجه أكثر الأوضاع الشاقة في البلد ؛ هذه الاوضاع بطبيعة الواقع تتطلب وجود حكومة ذكية ؟ وربما كان هذا الوضع الذي تواجهه الحكومة متوقعا منذ البداية ؟ لكن من المفترض أن تتعلم الحكومة تحسين الأداء مع مرور الوقت ؟ وربما تمر جميع الحكومات بشكل عام بلحظات تصبح فيها الحقائق عبئا ثقيلا عليها ؛ لكن لا أن يتحول ذلك الى أسلوب روتيني في تأدية أعمالها . يبدو أن هذا الأسلوب اصبح نموذج قائم لا بديل له ؟
متى نواجه الحكومات الموقوتة ؟ عندما تصبح جميع مواضيعها وأعمالها وقراراتها مدعاة للشك والانتقاد وأحيانا للسخرية ؟ وعندما يتحول الأداء الحكومي والأعمال الروتينية الحكومية الى عرض يومي لم يعد أحد من الناس ولا الرأي العام يهتم به وبأي ردود لأفعاله ؟ فمن سيهتم بالوقائع والمتغيرات المفاجئة والأزمات التي يمكن أن تواجهنا في المستقبل وأخذها على محمل الجد ؟
الحكومة الموقوتة لا تحمل هدفا واضحا في الغالب! وتفتقر الى الرؤية الثاقبة ؛ تحاور نفسها فقط ! وتفتقر الى نماذج الحكومات الابتكارية التي يطلبها الواقع والظروف ؛ إنها مسألة هامة جدا تتعلق بحجم الثقة بالسلطة !
المسؤولون في الحكومة الموقوتة ينتجون واقعا مزيفا في نهاية المطاف وهم يعرفون ذلك ؛ ويعلمون أن الناس أيضا يعرفون ذلك ؛ ولا شيء من هذا يعكس الحقيقة على أرض الواقع وبما يصطدم بالنتائج السلبية لقراراتها في المستقبل . كثير من التوجهات الحكومية بحاجة الى شيفرة لم يعد الرأي العام مهتما بفكها .
إن المحاور الأساسية الهامة التي تؤثر على الحكومة وتدفعها للنجاح او الفشل ؛ ترتبط مباشرة بقدرة المجتمع الناجح على متابعة آداء الحكومة ويجب أن تدعم الحكومة المجتمع على ذلك ؛ وأن تطابقها بتنفيذ الإجراءات الكفيلة بتنمية قدراتها وتطويرها ومحاسبة نفسها .
من الواقع الطبيعي أن الحكومة تفشل في مواضيع وتنجح في مواضيع أخرى ؛ وأن نجاح أي حكومة كشأن أي مهمة معقدة ؟ مرهون بالكفاءة وبالخبرة والمعرفة ذات الفعالية العالية . لكننا بحاجة أن نعيد تشكيل الحكومة لتساير العصر الحديث وتواكب الظروف والمتغيرات بكافة أشكالها ومستوياتها ؛ حكومة ابتكارية تعمل بالمسرعات الاستراتيجية التي تكون أكثر ارتباطا وتفاعلا مع الواقع ؛ وبالتالي تصبح التجربة الحكومية هي المعيار في صنع القرار الحكومي . يجب أن يكون هدف الحكومة تحسين أساليب الحكم في ادارة المجتمع ؛ وأن يحثوا الناس على عرض مقترحاتهم وأفكارهم على حكومتهم ؛ كونها عملية تفاعلية الأساس فيها الناس وليس الحكومة وتدعم مبدأ تحمل المسؤولية المشتركة. يبدو أن الهدف الأساسي لمواجهة الحكومة الموقوتة يتمثل في أحداث تغيير وثورة بيضاء من داخل الحكومة نفسها .
إن أخطر ما تواجهه الحكومة الموقوتة هو الآداء ضعيف او متوسط المستوى والتأثير والذي يفتقر الى أهم معيارين رئيسيين وهما ( القرب و الأثر ) في توجيه السياسات الحكومية ؛ وهو ما تفتقره الحكومة الموقوتة و يبرز في اندفاعها الى تنفيذ اصلاحات او سياسات سطحية او مؤقتة كلما طرأ خلل ما . قد تستمر الحكومة الموقوتة على هذا الحال لسنوات ولكن سنكون على حافة انهيار المنظومة الحكومية في المستقبل وربما سيكون لذلك عواقب وخيمة . إن كلمة ” تجربة ” يجب أن تكون خارج قاموس أي حكومة ؛ فهي كلمة منكرة في عمل الحكومة وتنطوي على الفشل ؛ وفي نفس الوقت على الحكومة أن لا تنتظر حتى تنصلح الأمور من تلقاء نفسها ؛ ولا يمكن أن نعيد استخدام حلول وأدوات تقليدية عفا عليها الزمن ؛ خاصة اليوم وفي ظل الانتشار السريع للمعلومات ؛ واستثمار منصات التواصل الاجتماعي بشكل فعال ؛ والتي تساعد برفع توقعات الناس بحيث أصبح التفاعل مع أية قضية أصعب من أي وقت مضى . لا يمكن أن تواصل الحكومة بعد اليوم أعمالها كالمعتاد ؛ وأن عليها أن تبدأ بالتغيير من داخلها.
يحب أن تبدأ الحكومة اليوم بالإنفاق على إجراء استطلاعات آراء الناس على اختلاف توجهاتهم وأطيافهم المجتمعية ؛ وجمع وتحليل البيانات الذكية الناتجة عن ذلك واعلانها وعقد ورش العمل لمتابعة ذلك ؛ بما يوفر قاعدة بيانات تشاركية لعمل الحكومة من أجل تحسين جودة الحياة للناس حيث الهدف الاساسي لأي حكومة .
لا يمكن أن تُحدث الحكومة أي تغيير إلا إذا تحدثت الحكومة الى الناس وأن تعمل على استعادة ثقتهم ؛ لا أن تكتفي بتوجيه واتخاذ قرارات وحسب ؛ إن ذلك يدعم المواطنين الى التحدث بإيجابية الى بعضهم والى حكومتهم ؛ ويساعد صناع القرار الحكومي على التفكير بسياسات أكثر استجابة وفاعلية ومرونة . إنها الدعوة اليوم لبناء ركائز أساسية لعملية اصلاح من نوع آخر متمثل في بناء حكومة مثالية من أجل اعادة البناء بشكل أفضل .