مرضى التليف الكيسي في الأردن .. بين آهات الألم والأمل في العلاج

21 ديسمبر 2021
مرضى التليف الكيسي في الأردن .. بين آهات الألم والأمل في العلاج

وطنا اليوم:أعادت حالة الطفل أمير الرفاعي قضية مرضى التليف الكيسي في الأردن، الذين يزداد عددهم سنة بعد الأخرى، مقابل غياب العلاج في المستشفيات الحكومية.
توفي الطفل أمير، بعد نداءٍ إنساني انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي، وبوفاته أعاد إحياء قضية مرضى التليف الكيسي الذين يجلسون على هامش الحياة ينتظرون وصول دواء قد يصل بعد الأجل.
ويعتبر التليف الكيسي مرضاً وراثياً ينتج دائماً عن زواج الأقارب، ولا يعتبر الشخص مصاباً إلا إذا اكتسبه من أبوين مصابين بهذا المرض لكن يكون متنحياً، أي غير ظاهرٍ عليهما.
ويتشكل المرض بطفرة جينية في “الكروموزوم السابع”، ما يؤدي إلى حدوث خلل في أحد الجينات المتخصّصة بتنظيم محتوى الملح لإفرازات الغدد بالجسم، والتي تبدأ بإنتاج إفرازات لزجة وكثيفة تتسبّب في انسداد القنوات والمجاري التنفسية والمعوية والتناسلية والهضمية، محدثةً أعراضاً مختلفة.

التليف الكيسي في الأردن
خالد الفرّاي، من جمعية أصدقاء مرضى التليف الكيسي الأردنية، قال إن وزارة الصحة الأردنية لا تمتلك حتى اليوم قاعدة بيانات تحصي المصابين بمرض التليف الكيسي في البلاد.
وكشف المتحدث أن مرضى التليف الكيسي يتجاوزون 1500 حالة، في حين أن إدارة التأمين الصحي التابعة لوزارة الصحة الأردنية تقول إن العدد لا يتجاوز 600 حالة.
رئيسة جمعية التليف الكيسي بثينة الصعوب تقول إنه “لا يوجد سجل وطني لمرضى التليف الكيسي، وبالتالي من الصعب تقدير الأعداد الحقيقية لمن يعانون هذا المرض”.
وأضافت المتحدثة في تصريح أنه “يمكن تقدير أعداد مرضى التليف الكيسي بما يقارب الـ1200 حالة، استناداً إلى عدد من الإحصائيات غير الرسمية”.
وقالت المتحدثة إنّ “هناك إحصائية تعود إلى عام 2010 أشارت إلى وجود 600 شخص يعانون من المرض في تلك الفترة، والعدد ظلّ يتزايد كل عام بواقع 55 إصابة، حتى وصل إلى ما يقارب الـ1200 حالة”.
وأوضحت المتحدثة أن مدينة إربد بمفردها تمّ الكشف فيها عن وجود 500 حالة، و600 أخرى على مستوى مدن الجنوب الأردني منها مدينة الكرك.

علاج مكلف وباهظ
يعيش مرضى التليف الكيسي الذي يعرف أيضاً بـ”ضعف النمو” أو بـ”المرض القاتل” أوضاعاً صحيةً صعبةً جراء ارتفاع تكاليف العلاج، والنقص في كميات الأدوية وارتفاع أسعارها، فضلاً عن حاجتهم لنظام غذائي ودوائي شامل ورعاية صحية خاصة.
ومن بين الطرق المتبعة في التليف الكيسي هو العلاج الجيني الذي تعدّ تكاليفه مرتفعة، ويصعب توفيره من قبل وزارة الصحة الأردنية والجهات الرسمية، حيث تصل قيمة العلاج إلى 300 ألف دولار سنوياً، وهو مدرج في أمريكا والإمارات والسعودية.
ويحتاج مرضى التليف الكيسي إلى استعمال محلول “هايبر تونك” بتركيز قدره بين 7 و9%، لكن الموجود في المستشفيات الأردنية يبلغ تركيزه 0.3% فقط، وفي بعض الأحيان لا يتعدى (%0.7).
ويساعد هذا المحلول على تنظيف الرئتين وتذويب البلغم في الصدر، كما يحتاج المريض إلى محلول “بلموزايم” صباحاً ومساءً الذي يعمل على إنقاص لزوجة الإفرازات في الرئة وتحسين وظائفها، وتقليل مخاطر العدوى الميكروبية.
لكنّ رئيسة جمعية التليف الكيسي بثينة الصعوب تؤكدّ أنّ محلول “بلموزايم” غير متوفر في الأردن، ولا يتم توفيره لمرضى التليف الكيسي من قبل وزارة الصحة.
وأشارت المتحدثة إلى أن المرضى يحتاجون إلى استمرار شرب هذا الدواء لضمان سلامة وفاعلية الرئتين، وحتى لا تتفاقم خطورة المرض التي تؤدي لا محالة إلى الوفاة.
وتؤكدّ الصعوب أنّ الكثير من أدوية مرض التليف غير متوفرة بالأردن، منها أيضاً المضادات الحيوية لعلاج التهابات الرئتين مثل دواء: “كوليستين”، و”توبرامايسين”، و”كلومايسين”.
وتصل قيمة هذه المضادات إلى 2000 دينار أردني (2800 دولار) للكورس العلاجي الواحد (56 حقنة)، إذ يتم استعماله على شكل تبخيرة لتسهيل عملية التنفس لدى مرضى التليّف الكيسي.
وتشير رئيسة جمعية التليف الكيسي على ضرورة زيادة حملات التوعية والإعلانات والإجراءات الاحترازية للتقليل من انتشار المرض والتوعية بمخاطره من قبل الجهات الرسمية منها وزارة الصحة.
وطالبت المتحدثة بضرورة إجراء فحوصات قبل الزواج ولحديثي الولادة قبل 14 أسبوعاً من الحمل، عبر أخذ عينة من المشيمة التي تكشف عما إذا كان الجنين حاملاً للمرض أم لا.

معاناة مريرة
معاناة المصابين بمرض التليف الكيسي لا تنتهي، فهي تبقى مصاحبة لهم مدى الحياة، إذ ينتقل المرض من الرئتين لتظهر أعراضه على جميع أنحاء الجسم لتشمل الجهاز التنفسي والهضمي.
عنان الشمايلة شاب بالغ من العمر 20 سنة يعاني من آثار وتراكمات التليف الكيسي، بدأ صراعه مع المرض بصعوبة في التنفس وملازمة الاحتقان والسعال، إضافة إلى مشاكل في التغذية، والهضم، والنمو، والتطور، واستمرارية الإسهال؛ الأمر الذي يؤدي إلى شحوب في الوجه وهزال في الجسم، حيث لا يتعدى وزنه 40 كجم.
ويضطر الشمايلة إلى تناول 6 حبات من دواء “الكريون” مع كل وجبة، ويحتاج إلى ما يقارب 24 حبة للاستفادة من الغذاء الذي يتم تناوله، وللتخفيف من أعراض صعوبة ومشكلات الهضم والإسهال والانتفاخات الدائمة.
يقول الشمايلة إنهم “يضطرون إلى الاستعانة بمجموعة من الفيتامينات، والبوتاسيوم، وأقراص البروتين، وأكل وجبات عالية السعرات الحرارية، تعمل على المساعدة في علاج التليف الكيسي، لكنّ غالبية هذه الفيتامينات غير متوفرة في مستشفيات الصحة بالأردن”.
ويؤكدّ الشمايلة أنّ معظم المرضى الذين يعانون من التليف الكيسي لديهم مستويات منخفضة من فيتامين (هـ)، والذي يعمل على حماية أنسجة الرئة من استنشاق الملوثات.
ويتحدث الشمايلة عن أصعب لحظة ممكن أن يواجهها في صراعه مع المرض، هو تعرضه لبكتيريا “السيدوموناس” التي يكون سببها المخاط الناجم عن التليف الكيسي، والتي تؤدي إلى احتمال الإصابة بأنواع حادة من عدوى الرئتين، والتي يكون مصدرها غالباً نوعاً من البكتيريا يعرف باسم عصية القيح الأزرق أو الزائفة الزنجارية “السيدوموناس”.
يقول الشاب الأردني إن الأمر يجبره على دخول المستشفى لتلقي العناية الفائقة، ومن ثمّ الاستمرار في علاج يستمر إلى 28 يوماً (56 حبة) والتي لا يستطيع أي شخص بطبيعة الحال توفير قيمة العلاج الذي تصل إلى 2200 دولار.

مناشدات للدولة
تتحدث مرح خالد الطراونة البالغة من العمر 25 سنة، عن معانتها مع مرض التليف الكيسي أنّ بدايات اكتشافها للمرض كانت عندما بلغ عمرها 7 شهور، وذلك بسبب مشاكل في الهضم وكثرة الإخراج ونتيجة لدخولها المتكرر للمستشفى.
وأضافت المتحدثة أن الأمر دفع الأطباء إلى إجراء فحص التعرق لفحص نسبة الملوحة، إذ إنّ الأشخاص المصابين بالتليف الكيسي تظهر لديهم نسب مرتفعة من الملوحة في العرق مقارنة بالنسب الطبيعية، ويتم عمل فحصين متتاليين للتأكد من التشخيص.
وتضطر الطراونة إلى اللجوء إلى مجموعة من العلاجات للتخفيف من معاناتها المتكررة مع المرض، منها دواء “الكريون” للمساعدة في عملية الهضم، إذ تضطر إلى تناول ما يقارب 30 حبة يومياً، ويمكن أن تصل شهرياً إلى 400 حبة، وذلك لأنّ البنكرياس لا يؤدي عمله لدى مرضى التليف، والذي من المفترض أن يعمل على إفراز مجموعة من الأنزيمات المساعدة على الهضم.
وتشكو الطراونة من عدم توفر الأدوية الكافية في المستشفيات الأردنية ومنها محلول “هايبر تونك” الذي يعطى لمرضى التليف على شكل تبخيرة، إذ من الضروري أن يكون تركيز أملاح الصوديوم عالياً ولا يقل عن 9%.
ويحتاج مرضى التليف الكيسي إلى أن يكون هذا المحلول ذا تركيز عالٍ، لأجل أن يساعدهم على إخراج البلغم من الرئتين ويساعد على كفاءتها، لكن المتوفر في مستشفيات الأردن لا يتعدى نسبة تركيزه (%0.7)، الأمر الذي يقلل من فاعليته.
وتشير الطراونة إلى أنّ الكثير من مرضى التليف في الأردن يضطرون إلى اللجوء إلى معارفهم وأصدقائهم في الخارج للحصول على العلاج، ومن تلك الدول قطر ودولة الاحتلال.
وقالت المتحدثة إنّ الكثير من هؤلاء المرضى يموتون في سن مبكرة لا تتجاوز الـ30 عاماً بسبب نقص العلاجات والأدوية؛ وذلك على شكل ما حصل مع الطفل أمير الرفاعي.
وفي سياق المعاناة الحقيقية لمرضى التليف الكيسي في الأردن، تتحدث مرح الطراونة عن الإهمال المتعمّد من قبل وزارة الصحة والجهات المعنية للمناشدات والمطالبات المتكررة التي يطلقها مرضى التليف والناشطون المتعاطفون مع حالاتهم.
وكانت آخر المناشدات لأهالي مدينة الكرك في جنوب الأردن بفتح قسم خاص للتعامل مع مرضى التليف الكيسي، كما أن أهالي الخير تعهدوا بتوفير التكاليف والمستلزمات والأجهزة الطبية لفتح هذا القسم، إلا أنّ هذه المطالبات قوبلت بالتجاهل المتعمد.
وأشارت المتحدثة إلى أن مرضى التليف في مناطق الجنوب الأردني يضطرون إلى الذهاب إلى مستشفيات العاصمة منها مستشفى البشير، لأجل توفير العلاج والعناية الكافية لهم، مطالبةً الجهات الرسمية بضرورة التحرك لأجل افتتاح قسم خاص لمرضى التليف، والتي يأتي على رأسها مستشفى الكرك الحكومي