صالح الطراونه
نص أدبي لم يتجاوز عدد الصفحات (السبعين) إلا أنهُ استطاع أن ينقل صاحبهُ من عالم مجهول إلى قمة الشهرة ليصبح كاتباً معروفاً بعد أن كان لا أحد يعرفهُ , إنها قصة (قنديل أم هاشم ).
ففي عام 1944 صدر للمؤلف يحي حقي أربع قصص قصيرة ومجموعه من مقطوعات شعرية المنثور بعنوان (بيني وبينك ) وتنادت كثير من الدراسات إن هذه الرواية احتفى بها النقاد كثيراً فكتبوا عنها كثيراً, واجتهدوا في تحليلها وتعداد مزاياها , حتى ذاعت شهرتها …
يقول الأستاذ يحي حقي إن اسمي لا يُذكر إلا ويذكر معه (قنديل أم هاشم ) كأني لم اُكتب غيرها؟
فما الذي تركته رواية قنديل أم هاشم حتى تكون بهذا الحجم من الأهمية …؟
خروج الرواية من قلب الكاتب مباشرة مع توفر عنصر الصدق , الصدق الواقعي للرواية ,الصدق الفني , صدق العاطفة , صدق الانفعال حيث أشار في محتوى القصة إلى سفر إسماعيل بطل القصة إلى إنجلترا وتفوقه في دراسة طب العيون , وعاش قصة حب جارفه مع فتاه زميلة انجليزية , عرفت كيف تخرجه من الوهم والخمول إلى النشاط والوثوق ونجحت في ذلك وعندما عاد إلى بلاده واثقاً من نفسه وعلمه مهيأ لخدمة بلده وأهله فإذا به يواجه في أول ليلة في بيته , بأمه تعالج ابنة عمة وخطيبته فاطمة النبوية بسكب قطرات من زيت قنديل أم هاشم في عينيها المصابتين بالرمد , فتلهبهما وتكويهما بدلا من أن تشفيهما , ثار وفقد أعصابه وأنتزع زجاجة الزيت من يد أمه بشدة وعنف وبحركة سريعة طوح بها من النافذة ولعل المفتاح الثاني للرواية تمت كتابة هذه القصة في حجرة كان الكاتب قد استأجرها في حي عابدين , إضافة إلى أن الكاتب قد تأثر لربما بالأدب الروسي بالكتابة والذي ينخرط في باب التبشير القوي ما بين العلم والأيمان من اجل النهوض بجموع الشعوب المستكينة المستسلمة لمصيرها التعس , وقد زاد من قيم هذا التبشير القوي انه تحقق بأسلوب فني درامي ودون أي قدر من فن الخطابة المباشرة …
وذلك من خلال دور بطل الرواية (إسماعيل ) وحرصه على شفاء ابنة عمه وخطيبته (فاطمة النبوية ) وحرصه كذلك على أن تجلس وتلبس ويجعلها بني آدم
أحس في هذه العلاقة وفاء الإنسان المصري الذي يمثله إسماعيل لشعبه المريض , وقيامه بواجبه نحوه , ويؤكد ذلك من خلال افتتاح إسماعيل لعيادة لمرضى العيون بحي البغالة وجعل الزيارة بقرش واحد لا يزيد, ما أبتغى الثروة أو بناء العمارات وشراء الأطيان , وإنما قصد أن ينال مرضاة الفقراء وشفاءهم على يديه …
أنها رواية تتخذ موضوعاً من حياة الناس على مختلف مساربهم وأوضاعهم المعيشية وتدعو كل أبناء الوطن إلى التفاني بخدمة الناس وتجميل حياتهم .