وطنا اليوم – ديمة الفاعوري – وسط اضطرابات كبيرة تشهدها بلاده منذ 2011 استطاع بخبرة العقود الثمانية أن يقود دفتها دبلوماسيا ويمنع محاولات عديدة لعزلها، وبعد عقود من العمل الدبلوماسي، رحل وزير الخارجية السوري وليد المعلم عن عمر 79 عاما، فجر الاثنين، وفقا لما أعلنته الحكومة السورية في الساعات الأولى من الصباح.
وخطت الدبلوماسية السورية خطوات واسعة أثناء وزارته، فالمعلم هو رجل المهام الدبلوماسية الصعبة، حيث تعامل مع ملفات عدة من أهمها إدارته لملف المحادثات السورية الإسرائيلية، في الفترة من عام 1990 حتى عام 1999، والتي شهدت تغيرا كبيرا في الوضع الدولي لسوريا.
كما تعامل بحنكة دبلوماسية فريدة خاصة مع ملف العلاقات السورية اللبنانية عام 2005، في الوقت الذي كانت فيه العلاقات الدبلوماسية بين البلدين تقف على المحك.
ومنذ بداية الأزمة السورية 2011 لعبت دبلوماسية المعلم دورا مهما، وقام بالدور الأبرز حيث قاد حملة كبيرة لإقناع العالم بصلابة حكومة الرئيس السوري بشار الأسد.
وعملت الدبلوماسية السورية منذ بداية الأزمة على دفع العلاقات الدولية لدمشق قدما، على الرغم من حالة الاستنكار الدولية، وهو ما قام به “المعلم” حيث سافر إلى عدة دول وفي مقدمتها تلك التي تدافع عن الموقف السوري برمته، فقام بأكثر من زيارة إلى موسكو، الحليف الأقوى، إضافة إلى زياراته المستمرة إلى الصين، التي تتخذ نفس الموقف الروسي.
وكذلك حملاته الدائمه ضد الولايات المتحدة واستنكاره للدور الأمريكي في بلاده، ووصل هذا الاستنكار إلى الحد الذي جعل “المعلم” يهاجم الولايات المتحدة الأمريكية في مقر الأمم المتحدة، في أكتوبر/تشرين الأول 2012، ويتهمها بـ”مساعدة الإرهاب”، و”التدخل السافر” في الشؤون السورية.
ويتمثل الدور الدبلوماسي الهام للمعلم في قدرته على تحويل مسار الموقف الأمريكي في وقت كان وصل فيه إلى ذروته باتجاه إمكانية اتخاذ قرار بالتدخل لضرب سوريا، وهو ما تبدل كثيرًا بعد زيارات المعلم إلى روسيا والصين.
فيما تمثلت المهمة الأكثر صعوبة للمعلم في إقناع العالم بشرعية حكومة الرئيس بشار الأسد وهو ما نجح فيه إلى حد كبير خاصة مع دعوة سوريا إلى مؤتمرات جنيف وتحول موقفها بشكل أكثر رسوخا على الأرض، في ظل الخلافات الدائمة والمعارك الدائرة داخل المعارضة نفسها واستعادة دمشق معظم الأراضي التي انتزعتها المعارضة.
وخلال مسيرته المهنية الطويلة، امتلك الرجل خبرة واسعة في العمل الدبلوماسي، حيث عمل عمله 14 عاما في منصب وزير الخارجية، وتوفي وهو يرأس الوزارة التي يديرها الاسد فعلياً، إلا أنه كان محل جدل دائم بتصريحات المثيرة وحديثه شبه الدائم عن “المؤامرات”.
في العام 1964 وبعد عام من حصوله على بكالريوس الاقتصاد من جامعة القاهرة، التحق المعلم بوزارة الخارجية، وتنقل في مناصب عدة أبرزها سفير دمشق لدى واشنطن بين عامي 1990 و1999، ثم وزيرا للخارجية منذ 2006، وعُين نائبا لرئيس مجلس الوزراء وزيرا للخارجية والمغتربين منذ عام 2012.
المعلم كان عضواً في الوفد السوري في المفاوضات مع إسرائيل في التسعينيات بشأن اتفاق سلام والتي باءت بالفشل، وهو من اوائل المؤيدين حملة الرئيس الاسد على الثورة السورية التي اندلعت في مارس 2011، والتي سرعان ما تحولت إلى نزاع مسلح استمر نحو 10 أعوام.
عايش المعلم التحول السوري نحو إيران وروسيا مما عزز حكم الأسد وسمح له باستعادة معظم الأراضي التي انتزعتها المعارضة، والمعلم الذي ينتمي إلى عائلة سنية من دمشق، كان من اشد المدافعين عن الدور العسكري المتنامي لروسيا وإيران، الذي حظي بتأييد وكلاء لهما في سوريا، بينما وصفه العديد من المعارضين للأسد بأنه “احتلال” وسبب تأجيج التوتر في البلاد.
اشتهر في عدد من الأقوال التي ذكرها في مؤتمراته الصحفية منها، سننسى أن أوروبا على الخارطة، والتي كان قد قالها في مؤتمر صحفي بعد أشهر من اندلاع الأزمة السورية في 2011، وانتقد ضمناً وضع القمامة في لبنان عبر قوله، “بعد 7 سنوات حرب ليس لدينا قمامة في الشوارع كما هو الحال لدى جيراننا.”
لم يتوانى المعلم على اتهام واشنطن والغرب بتأجيج الاضطرابات في بلاده ودعم “الإرهابيين”، الامر الذي أودى بحياة مئات الآلاف ودفع ملايين السوريين إلى النزوح داخليا أو اللجوء إلى دول أخرى.
هاجم الرجل قانون قيصر، الذي فرضت من خلاله الولايات المتحدة عقوبات قاسية على سوريا، ودخل حيز التنفيذ في حزيران الماضي، ولطالما وصفه المعلم بإنه يهدف لخنق السوريين، متعهداً بحصول بلاده على دعم من إيران وسوريا لتخفيف وطأة العقوبات.
آخر ظهور علني للمعلم كان في افتتاح مؤتمر عودة اللاجئين الذي نظمته دمشق بدعم روسي يومي الأسبوع الماضي، وقد ظهرت عليه اعراض المرض وبدا متعباً وفي حالة صحية سيئة استدعت مساعدته من شخصين على دخول قاعة الاجتماعات.
لم تثنيه السياسة عن الخوض في التاليف فألف 4 مؤلفات هي “فلسطين والسلام المسلح 1970″، و”سوريا في مرحلة الانتداب من عام 1917 وحتى عام 1948″، بالإضافة إلى “سوريا من الاستقلال إلى الوحدة من عام 1948 وحتى عام 1958″، و”العالم والشرق الأوسط في المنظور الأميركي”.
ولد وليد بن محي الدين المعلم في 17 يوليو/ تموز عام 1941، في دمشق، ومن عائلات دمشق التي سكنت حي المزة، ودرس في المدارس الرسمية من عام 1948 إلى 1960 حيث حصل على الشهادة الثانوية من طرطوس، وبعد ذلك التحق بجامعة القاهرة وتخرج منها عام 1963، بدرجة بكالوريوس في الاقتصاد والعلوم السياسية، التحق بوزارة الخارجية السورية في عام 1964، وعمل في البعثات الدبلوماسية في كل من تنزانيا والسعودية وإسبانيا وإنجلترا.
في عام 1975، عين سفيراً لبلاده في رومانيا حتى عام 1980، في الفترة من 1980 إلى 1984، عُين مديراً لإدارة التوثيق والترجمة، في الفترة من 1984 إلى 1990، عُين مديراً لإدارة المكاتب الخاصة، في عام 1990، عُين سفيراً لدى الولايات المتحدة حتى 1999، وهي الفترة التي شهدت مفاوضات السلام العربية السورية مع إسرائيل، في مطلع عام 2000، عين معاوناً لوزير الخارجية، في 9 يناير/ كانون الثاني 2005، سُمي نائباً لوزير الخارجية، وتم تكليفه بإدارة ملف العلاقات السورية – اللبنانية، في فترة “بالغة الصعوبة”، بحسب موقع الخارجية السورية، عُين وزيراً للخارجية في 11 فبراير/ شباط عام 2006، وظل في المنصب حتى إعلان وفاته في 16 نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2020.
من المتوقع على نطاق واسع أن يخلف المعلم في المنصب نائبه فيصل المقداد، والمقداد الذي ينتمي إلى عائلة سنية في قرية غصم التابعة التابعة لمحافظة درعا عام 1954، تخرج من جامعة دمشق عام 1978 ويحمل إجازة في الآداب قسم اللغة الإنجليزية، كما نال شهادة الدكتوراه في الأدب الإنجليزي من جامعة شارل الرابع في براغ عام 1993.
وبدأ المقداد العمل في السلك الدبلوماسي في وزارة الخارجية السورية عام 1994، وفي عام 1995 التحق بالوفد السوري الدائم لدى الأمم المتحدة، ومثّل سوريا في العديد من المؤتمرات الدولية، ومن ثم عُين نائبا للمندوب الدائم وممثلا لسوريا في مجلس الأمن، وفي عام 2003 عُين المقداد سفيرا للجمهورية العربية السورية ومندوبا دائما لها في الأمم المتحدة، ولا يزال.
ويعرف عن المقداد حرصه الشديد على ابقاء السياسة السورية في قمتها خصوصاً وان سوريا فقدت الكثير من مصداقيتها نتيجة لافعال النظام السوري تجاه شعبه، وينتظر ان يستمر المقداد على خطى سلفه الراحل وان لا يحدث اي تغيير في السياسة السورية اقليمياً ودولياً.