السجائر الإلكترونية تتسلل بين طلاب المدارس

14 نوفمبر 2021
السجائر الإلكترونية تتسلل بين طلاب المدارس

وطنا اليوم:«زياد» طالب في الصف الاول ثانوي باحدى المدارس في عمان، بدأ التدخين قبل اربعة أعوام متمسكا بعادة تحاربها جميع المجتمعات وتقف دونها محاذير صحية بالغة الخطورة صوصا في هذا العمر المبكر.
وقال زياد–وهو اسم مستعار- وهو ينفث الدخان من السيجارة الالكترونية، في مطعم وجبات سريعة بجوار مدرسته، وبرفقته مجموعة من أصدقائه كانوا يدخنون النوع من السجائر، انه تحول إلى تدخينها، بعد الإغلاقات التي تسببت بها جائحة كورونا.
ولدى سؤال له عن تكلفة استخدامها اشار انها تختلف حسب كمية «الجوس» المستخدم وتتراوح بين 15 الى 20 دينار شهريا، بالاضافة الى سعر السيجارة نفسها التي تتراوح بين 30 الى 40 ديناراً حاليا.
وذكر ان معظم الطلاب في صفه يستخدمون السيجارة الالكترونية في مختلف الأوقات ليقاطعه صديقه معلنا انه من غير المدخنين على ان هذا لا يمنعه من تجربتها من الأصدقاء احيانا، مؤكدا ان 15 طالبا من اصل 20 في صفهم يحملون «السيجار» يوميا معهم الى المدرسة.
وأضاف زياد انه يستخدمها في غرف المنزل ايضا، خصوصا مع جائحة كورونا حيث توقف عن استخدام التدخين العادي هربا من رقابة الأهل، المتواجدين طوال الوقت بالبيت خلال فترات الإغلاقات، موضحا أن السجائر لا تترك اثرا على الاصابع او الشفاه، بالاضافة الى الرائحة التي يختارها بعناية لتماهي انواع الفواكه والحلويات المتواجدة في المنزل.
وفي الشوارع القريبة من مدرسة حكومية بمنطقة المدينة الرياضية في عمان رصدت عشرات الطلاب في وقت مغادرتهم المدرسة وهم يدخنون السجائر الالكترونية، ودخانها ينبعث حتى تغيب خلفها ملامحهم.
وفي احد المولات كانت السيجارة الالكترونية تتنقل بين يدي مجموعة من المراهقين المتواجدين في المول وهم لا يزالون يرتدون زيهم المدرسي، ولدى سؤالهم عن سبب ذلك، تضاحكوا وردوا أن الهدف هو التجربة، لأن صديقاً لهم يمتلك السيجارة ذات النكهة المحببة.
وقال خالد–اسم مستعار–ان طلاب صفه لا يتوانون عن طلب الذهاب الى دورة المياه عدة مرات خلال اليوم الدراسي، لتدخين السيجارة الالكترونية خلسة، فهم اعتادوا ان يستخدموها في كل الاوقات، خصوصا في فترة التعليم عن بعد التي امتدت الى ما يزيد على العام ونصف العام.
والسيجارة الالكترونية التي ظهرت بداية القرن الحالي عبارة عن جهاز يعمل بالبطارية لمحاكاة عملية التدخين وتقوم بتسخين سائل ينتج عنه بخار vape يستنشقه المدخن، و تسمى عملية استخدام السجائر الالكترونية (vaping) ويطلق على مستخدميها vapers.
و يسمى السائل الذي يتم تسخينه بـ”الجوس» ويحتوي على مكونات رئيسة منها الجلسرين والنيكوتين والنكهات، وتتراوح نسبة النيكوتين من صفر الى 50 ملغم/ مل حسب البيانات الواردة على عبوات السائل المختلفة.

سجائر داخل الصفوف المدرسية

ونبه عضو مؤسس في جمعية «لا للتدخين» الدكتورة لاريسا الور من تغلغل وانتشار السجائر الالكترونية بين طلاب المدارس اصبح كبيرا جدا.
وأضافت ان الجائحة ومواقع التواصل الاجتماعي رفع عدد مدخني السجائر الإلكترونية بشكل لافت، حتى ان بعض الطلاب يقومون باستخدامها داخل الغرف الصفية حسب المعلومات التي تصل الينا حيث يستنشقون الدخان ولا ينفثوه حسبما تقول الور.
وبحسبها «لا ينتبه المعلم لهم»، علما ان انتشار رائحة الفاكهة او الحلويات الناجمة عن تدخين سيجارة الكترونية في الصف ينبغي أن يلفت انتباه المدرسين حتى وان كانت كمية البخار الصادرة عن التسخين يمكن ان يتم ضبطها، ولذلك ضمنت الجمعية في أنشطتها مخاطبة المعلمين حول هذه السلوكيات التي قد تحدث من بعض الطلبة وتنبيههم الى أن الانتشار المفاجئ لروائح معينة مثل الفاكهة مؤشر قد يدل على استخدام سيجارة الكترونية داخل الصف.
وبينت الور ان الطلاب لديهم معرفة بانواع «الجول» وهو الجهاز الخاص بالسيجارة الالكترونية وهو يشبه «اليو اس بي»، إذ يقوم بعضهم بشحنه من جهاز الحاسوب امام المعلم، وهناك سجائر الكترونية على شكل الساعات الذكية تحمل بكل سهولة وتستخدم في كل الاوقات، بالاضافة الى سجائر تعلق على الاطراف الداخلية للزي المدرسي، شارحة ان الشركات تتعمد انتاج اشكال من السجائر الكترونية تخدع المحيطين بالمراهقين وعلى رأسهم المعلمين والاهالي وبالتالي تحفز على استخدامها.
اما عن «الجوس» وهي المادة التي توضع في السيجارة الالكترونية أوضحت الور وجود ما يقارب 1500 نكهة موجودة في الاسواق للسيجارة الالكترونية، مضيفة ان الشركات التي تصنع التبغ التقليدي هي ذات الجهة المصنعة للسجائر الالكترونية، وعليه فإنها تمتلك منظومة عالية الجودة للتسويق واستهداف المراهقين بشكل اساسي.
ونوهت انه يمكن استخدامها بكل سهولة في الاماكن التي يمنع التدخين فيها بتحايل واضح على القانون الذي يمنع التدخين بكافة اشكاله في الاماكن العامة، فقانون الصحة العامة 47 لسنة 2008 يشمل السجائر الالكترونية والتبغ المسخن ايضا.
ولفتت الور الى مشكلات السجائر الالكترونية غير الظاهرة واهمها كمية الاستهلاك اليومي التي لا يمكن ان تضبط بسهولة فالمستخدم يستنشق من السيجارة الالكترونية في كل الاوقات والاماكن دون معرفة الكمية المستهلكة، علما ان 2 مل من «الجوس» يعادل علبة سجائر تقليدية.

دوافع التدخين عند الأطفال

وعن الدوافع التي تؤدي الى تدخين الاطفال توضح استاذة الارشاد والصحة النفسية والباحثة في قضايا الاسرة الدكتورة سعاد غيث ان هنالك الكثير من الدوافع لهذا السلوك اهمها نمذجة سلوك احد الوالدين او كلايهما وبما انهما قدوته في التصرفات فيستهوي الاطفال تقليد هذا السلوك وبالتالي تعلمه، كما أن لوسائل الاعلام المختلفة حافز في تقليد من يحبون من شخصيات وبلا وعي يقومون بمحاكاتها لهذا يطلق عليه اسم تقليد، فالطفل يحب ان يكون مثل الشخص الذي يعتبره قدوته.
وأضافت الدكتوة غيث أن الطفل في عمر 13 عاما اي المراهقة المبكرة، في داخله رغبة ان ينهي عالم الطفولة ويدخل عالم الكبار، ويعتقد–أي الطفل–ان الكبار يمارسون بعض السلوكيات المحظورة على الاطفال مثل التدخين، لذلك يعتبره هو البوابة التي يدخل عبرها الى عالمهم.
وعن الدوافع الاخرى قالت انه يمكن ان يكون اتفاق مدخنين بحيث يتفق اصدقاء المدرسة او الحي على التدخين وتحفيز اطفال بعمر المراهقة المبكرة على الانضمام الى المجموعة الاكبر سنا من خلال تشجيعه على التدخين، وهي طريقة يتحمس الطفل بداياتها لينضم الى المجموعة التي يحب ولكن بعد ذلك يصبح غير قادر على التراجع.
واشارت الى ان بعض الاهالي يسمحوا لابنائهم بالتدخين من باب المزاح الا ان الطفل موضع السلوك يعود للتدخين متعلقا به، خصوصا عند الشعور بالتوتر والضغط لتكون وسيلته للتكيف مع هذه المشاعر.
وأكدت غيث أن للجو الاسري المتفكك والمشحون سلبيا بالخلافات والمشاجرات بين الابوين او الاشقاء يجعل الاطفال يرغبون بالابتعاد بمشاعرهم عن تلك الأجواء ما يعرضهم ليكونوا لقمة سائغة للوقوع بين يدي اصحاب السوء الذين يحفزونهم على تجربة التدخين على اعتبار انه يحسن من حالتهم النفسية.

وهم السيجارة الآمنة

تروي الور حديث احد الاباء المدخنين هو وزوجته بأنه فضل تأمين سيجارة الكترونية لابنه المراهق لابعاده عن السيجارة التقليدية، متذرعا بالوهم المنشور عبر الفضاء الالكتروني انها غير ضارة بالمطلق وانها مجرد نكهة وبخار وليس دخاناً ونيكوتيناً يستنشقه المراهق دون ضرر.

وأكدت الور عدم صحة هذه المعلومات بالمطلق، فمادة النيكوتين المتواجدة في السيجارة الالكترونية ضارة وشديدة الادمان وتغير من تركيبة الدماغ خلال فترة النمو، وعلميا الدماغ يكتمل نموه عند سن 25 عاما واعطاء مادة شديدة الادمان طريق لتغيير تكوين الدماغ وتحديدا الاماكن الخاصة بالذاكرة واتخاذ القرارات والتحكم بالمشاعر والاندفاعية والادراك والقرارات ذات التأثير بعيد المدى.
وتشير الدراسات بحسب الور ان اليافع الذي يستخدم السجائر الالكترونية من السهل ان يتحول الى التدخين العادي خلافا لما يعتقده الكثيرين، كما ان النيكوتين يحفز الدماغ على تقبل الادمان على مواد اخرى مثل الكحوليات والمخدرات اذا ما تعرض الدماغ الى النيكوتين الموجود في السيجارة بعمر صغير نسبيا.
وتظهر الاحصاءات الخاصة بالتدخين الالكتروني في الاردن المتوافرة حتى الآن لعام 2019 ان 15.9 % من الرجال يستخدمون السيجارة الالكترونية و2.6 % من السيدات، بينما 66.1% من البالغين الذكور و١٧.٤ %من الاناث يدخنون السجائر التقليدية والارجيلة، علما ان المؤشرات تدل على ارتفاع نسبة تدخين السجائر الكترونية خلال اغلاقات جائحة كورونا السابقة.

رأي القانون

وبين امين عام المجلس الوطني لشؤون الاسرة الدكتور محمد المقدادي أن تقرير احوال الاسرة الاردنية لعام 2018 الذي اعده المجلس أظهر أن 71% من الاسر الاردنية يعتقدون ان مشكلة التدخين منتشرة بين الاطفال والمراهقين، لافتا الى ان انتشار التدخين منذ عام 2007 وحتى عام 2016 قفز حسب الارقام الرسمية لدائرة الاحصاءات العامة بالمجتمع الاردني من 29% الى 40% اي ان الاقبال على التدخين ارتفع كثيرا في المجتمع والزيادة في نسبة المدخنين تنعكس على عدد الاطفال والمراهقين المدخنين بالضرورة.
اما عن الوضع القانوني فيما يتعلق ببيع المنتجات للأطفال بسن مبكرة والاحداث فيؤكد مقدادي ان القوانين بشكل عام موجودة لكن المشكلة بالتطبيق والمراقبة.
وفصل أن قانون مراقبة سلوك الاحداث لعام 2006 المادة الرابعة تحظر تحت طائلة المسؤولية الجزائية بيع التبغ او المسكرات او المواد المخدرة والمؤثرات العقلية للاطفال او الاحداث.
لكن العديد من المحلات لا تلتزم بتطبيق هذه المادة، على ما يقول مقدادي، وهنا يأتي دور الرقابة وتشديدها على هذه المحلات لمنعها بيع من هم دون السن القانوني، لافتا انه وخلال جائحة كورونا تبين ان لدينا اجهزة رقابة قوية فرضت الالتزام بالتعليمات التي اوجدتها الجائحة وهو ما نأمل ممارسته بما يخص بتفعيل القوانين الخاصة بالتدخين

حماية لاطفالنا.

ولفت الى أن الطريقة القانونية لشراء السجائر هي بتعبئة نموذج خاص مع اظهار الهوية الشخصية للمشتري لمنع وصولها لمن هم دون ١٩ عاما الذين وبحكم القانون يمنع اقتنائهم للسجائر الالكترونية.

منتجات خارج الرقابة

تعج وسائل التواصل الاجتماعي بصور وأسعار السجائر الالكترونية والسائل الخاص بها، بالاضافة الى امكانية التوصيل للمدن الرئيسية في المملكة.
واخطر ما تتضمنه هذه الاعلانات عبوات السائل غير المرخصة والتي تحذر المؤسسة العامة للغذاء والدواء من تداولها خوفا من احتوائها لنسب غير مسموح فيها من المواد المكونة وبالتالي مضاعفة الخطر الناتج عن استخدامها، خصوصا على رئتي المدخن.
ويذكر ان المؤسسة تسمح ببيع السائل الخاص بالسجائر الالكترونية سعة 10 مل فقط. المستوردة بشكل قانوني فيما ينتشر في الاسواق عبوات بسعات أكبر مصدرها غير موثق، كما حظرت التعليمات التي اجازت استيراد وبيع السجائر الالكترونية خلط و/أو تحضير السائل الالكتروني للبيع المباشر للمستهلك أو تجميع منتجات التبغ والنيكوتين الإلكترونية أو إجراء أي تغيير على مكونات هذه المنتجات الموافق عليها.

كما ورخصت المؤسسة 536 منشأة لعرض وبيع السجائر الإلكترونية والسائل الخاص بها بالاضافة الى التبغ المسخن.
وتجدر الاشارة أنه وبحسب البيانات الصادرة عن المؤسسة العامة للغذاء والدواء انه ومنذ سماح استيراد السجائر الالكترونية ومستلزماتها والسماح للمنشآت ببيعها في منتصف 2019 بلغت السجائر الالكترونية المستوردة(11725) الف كيلو و(18596) الف كيلو من المواد اللازمة لتحضير السائل للسجائر الالكترونية.

منظمة الصحة العالمية

بدورها ذكرت منظمة الصحة العالمية، في تقرير لها تموز الماضي، أن التسويق الأنيق لصناعة التبغ يجذب صغار السن إلى السجائر الإلكترونية التي قد تقودهم إلى إدمان التبغ، وذلك على الرغم من مزاعم بعض الشركات بأن الهدف هو القضاء على وباء التدخين.

وقالت المنظمة في تقرير إن أكثر من ثمانية ملايين يموتون سنوياً جراء استخدام التبغ بكافة أشكاله أو التعرض لدخانه، ما يجعل العادة تلك سبباً رئيساً لأمراض يمكن الوقاية منها، وإن مستخدميها أكثر عرضة «على الأقل مرتين إن لم يكن ثلاث مرات» لأن يصبحوا مدخنين للسجائر.
وفي بداية العام الماضي قالت المنظمة ان السجائر الإلكترونية مضرة بالمستخدمين والمعرضين لأبخرتها، محذّرة من أنها يمكن أن تلحق أضرارا بالأجنة وتؤثر على أدمغة المراهقين، وتزيد من خطر الإصابة بأمراض قلبية ورئوية.
وقالت المنظمة التابعة للأمم المتحدة إنه لا يوجد دليل كاف على أن السيجارة الالكترونية تساعد المدخنين في الإقلاع عن التدخين، لكن هناك أدلة واضحة على أنها خطرة. وأضافت أن الأجهزة التي تعمل بالبطاريات والتي تمكّن المستخدمين من استنشاق سوائل النيكوتين وإطلاق الأبخرة التي تسبب الإدمان «تشكل خطرا خصوصا عند استخدامها من قبل المراهقين» حيث ان «النيكوتين مادة تسبب الإدمان.

حلول ومقترحات

تؤكد الدكتورة سعاد غيث ان جميع الحلول تبدأ بإقلاع البالغين كافة عن التدخين، مضيفة ان بوابة معالجة اسباب تدخين الاطفال تبدأ مع هذا القرار.
ولمن يتساءل عن من يحمي أبناءنا أجابت غيث » نحن بأنفسنا فلا بد ان تكون الرقابة في البيت والمدرسة على اعلى مستوياتها جنبا الى جنب مع التوعية عن كيفية التعامل مع الاولاد بهذه السن لتجنيبهم هذه العادة الخبيثة».
بدورها وللمساعدة في الاقلاع عن التدخين بينت الدكتورة الور ان وزارة الصحة لديها 25 عيادة في مختلف محافظات المملكة للمساعدة على الاقلاع عن التدخين والعلاجات والادوية فيها مجانية.
ودعت الور الحكومة لتغليظ العقوبات على التجاوزات وفرض ضرائب عالية جدا على منتجات الدخان دون الالتفات الى الحديث ان ذلك سيكون مدخلا للتهريب.
ويرى الدكتور المقدادي ان يرافق اجراءات الضبط وتغليظ العقوبات حملات توعوية للاطفال في المدارس فيما يتعلق بهذه المواد وخطورتها ومشكلاتها على الصحة والتواصل بين المدرسة والاسرة لضبط هذا الامر