حيدر محمود
كان السفيرُ الإيطالي الأسبق جارَنا في جبل اللويبدة، حين كنتُ مديراً عاماً لدائرة الثقافة والفنون ن عام 1982 وحتى العام 1989، وكان الرّجل عالم آثارٍ عالمياً، يقولُ عن الأردن دائماً: «إنّه أكبر متحفٍ مفتوح للآثار، في العالم، بعد روما، والمُدهش -كما يقولُ هو، ونقول نحن أيضاً- أنّ الأردن حافظ على الآثار التي تُمثّل حضاراتٍ إنسانية متنوعة، بشكلٍ رائع، وكان دائم الصيانة لها، والتعامل معها بما يليقُ بتلك الحضارات، ولم يغيّر أسماءَ أصحابها -كما فعلت دولٌ أُخرى في كثيرٍ من دول العالم، بل أبقى أَسماءَها كما سمّاها أصحابُها الأصليّون.. وذلك ما جعله يحظى باحترام العالم كلّه..
ولهذه المسألة تفاصيلُ أُخرى، سنعودُ إليها بالتفصيل في مقالٍ آخر.. لكنّني أعود إلى العنوان وهو «ألبرتو مورافيا»، الكاتب الإيطالي العالمي الذي أخبرني ذلك السَّفيرُ الإيطالي العالِم، بأنّه كتب إليه طالباً نقل رغبته إلى «الجهات الثقافية، والسياحية الأردنية، في زيارة «البترا».. فرحّبت على الفور، ولكنّني سألت السيد السفير عن السّبب.. في زيارة روائيٍ عالميٍّ.. من وزنِ ألبرتو مورافيا للبترا تحديداً… فأثارت الحكاية كُلُّها دهشتي… وسأرويها لكم باختصار:
وجّهنا الدّعوة لمورافيا -حسب الأصول- واستضفناهُ كما يليق به، وبنا.. وكنت (أنا والسفير) في استقباله في المطار.. وذهبنا معاً إلى البترا.. وفي الطّريق، وعلى مدى ساعتين، باح الرجل بالسّرّ، وهو أنّ ثمّة حُلماً يُراودهُ منذ أكثرَ من عام، وبشكلٍ دائم، أَنّه كان جُندياً رومانياً حارَبَ في «البترا»، وقتل فيها على يد أهلها الأنباط، الذين تصدوا «للغُزاة»، في ذلك الزّمان البعيد، وأَنّه مدفونٌ في مكانٍ يعرفُهُ تماماً.. وسيدلُّنا عليه حين نصل..
والمُهمُّ أنّنا -حتى قبل الوُصول- سمعنا تفاصيل عن البترا، وعن المعركة التي قُتِل فيها، بدقّةٍ عجيبة.. وهو لم يزر المدينة من قبل، ولكنّه يعرفُها كما لا يعرفُها أيُّ إنسان..
والخُلاصة أنّه، حين دخلنا البترا، كان ألبرتو مورافيا دليلَنا الذي يشرحُ لنا كُلّ شيء.. وصولاً إلى «قبرِه» المدفون فيه..
والأَهمّ الأَهمُّ: أنً «ألبرتو مورافيا» بصددِ كتابة روايةٍ عن سيرة حياته «البتراويّة».. منذ التحاقه بالجيش الرّوماني، وحتّى مقتلِه.. ولكي لا يُصبح مقالي «روايةً» بحدّ ذاتها.. أخلص إلى القول: إنّ «مورافيا»، عاد إلى روما، وبدأ كما قال هو، وقالت صحفٌ إيطالية كثيرة، في تلك الفترة، بدأ بكتابة الرّواية.. وتوفّي قبل أن يُكملها.. وقال لي «السفير الإيطالي»، بعد حين: إنّ زوجته وهي روائيةٌ أيضاً، أخذت على عاتقها أن تنهي ما بدأه زَوْجُها.. وأصدقكم القول: لا أَدري ما حدث بعد ذلك، هل كتبت تلك الرّواية، أم أنَّها ذهبت مع صاحبها إلى عالم الغيب؟!
ملاحظة لا بدّ منها: ثمّة إضافات كثيرة لهذا الموضوع، سأحاول نشرها في وقتٍ آخر..