سلطان الحطاب
عادت مناسك العمرة للسريان، وبدأ المعتمرون يتدفقون على مكة ليؤدوها، كنت أقرأ عن الاستعدادات ولفت نظري شخصية أردنية ساهمت في بناء مستلزمات للحج في السنة الماضية بتوفير خيام وقاعات لمختلف مواقع الحجيج وخاصة في منى..
كان “فطين البداد” وأخيه “زايد” أعلام المشروع وأبرز شخصياته.. تتبعت ذلك وإذا بالأخوين البداد أصحاب سبق وانجاز وبراءات وتميز في هذا المجال.. عدت إلى جوجل أقرأ فقد احتل اسمهما عليه عناوين عديدة، كما ورد الإسمان والشركة التي تحمل اسمهما “البداد كابيتال” في مواقع عديدة ، وقد أغراني البحث عن جذور نشاط (البداد) كإسم أردني وكعائلة لأجد أن الإنطلاقة كانت للراحل الكبير والدهما المغفور له ” الحاج حسين البداد” رحمه الله، الذي تذكرت أنني حضرت تأبين وفاته في عمّان حين عرفني أحد الأصدقاء على أبنائه وقت العزاء، وقد سرت سمعته العطرة في صفوف الذين ساعدهم من أهله وذويه وأهل بلده وغيرهم، فقد كان الحاج صاحب أيدي بيضاء ما زالت سارية بعد رحيله كصدقة جارية….
قبل أيام قليلة تداولت الصحف والمواقع اسم البداد في سياق بناء المستشفيات الميدانية، لتقول لنا الأخبار أنه صاحب براءة مميزة في هذا السياق، وأنه أول من أقام مستشفيات ميدانية متكاملة وبمواصفات عالمية.
كنت اظن ان المستشفى الميداني عبارة عن هناجر تُرمى فيه اسرة ومتطلبات طبية اخرى، ولكنني فوجئت وانا اتصفح مشاهد من انجازات شركة البداد سواء العالمية او الهندسية بانجازات مذهلة لمستشفيات ميدانية من قاعات متنقلة فخمة ذات مستوى ملوكي صممت خصيصاً لمواجهة جائحة الكورونا، يتسع بعضها الى 200 سرير واخرى تصل الى 1200 سرير، وهي مؤثثة بآخر ما توصل اليه الطب من مستلزمات لمعالجة المصابين بالكورونا..
كانت تلك المستشفيات الجاهزة المتنقلة قد انتشرت باسم شركة البداد في (27) دولة، في ايطاليا وسلطنة عُمان و فرنسا و قطر والكويت والسعودية والاردن وليبيا واسبانيا والجزائر والولايات المتحدة الامريكية وغيرها من دول عربية واجنبية اخرى عديدة..
انتابني فخر وزهو وانا اقرأ ان هذا الاردني عاد ليُـلبي نداءً ملكياً في بناء مثل هذه المستشفيات في الاردن، بعد ان كان تبرع في بداية انتشار الجائحة في شهر اذار الماضي بعشر مستشفيات متنقلة سعة كل واحدة منها خمسين شخصاً، وبعد انجاز (114) مستشفى ميداني عبر العالم بسعات ضخمة، وهذه الانواع من المستشفيات فضلها الايطاليون على ما تنتجه شركاتهم، لتأهيلها المميز، ولذا اقتنوها كما فعل غيرهم بفضل السمعة التي وصلت اليها..
ما عرفته من معلومات وصلت اليها بسهولة عبر الانترنت ان البداد وهما الاخوان (الدكتورفطين وزايد) كانا المقاول الاول في السنة الماضية و قبلها في خدمة الحجيج بنوع خاص من الخيام والقاعات، وقد تمكنوا من اسكان مليون وسبعمائة ألف حاج، وهذا رقم مذهل..
وتساءلت عن هذين الرجلين الذين انطلقا من ميراث رجل عصامي وصل الى الامارات العربية قبل استقلالها حين كانت في الخمسينيات، قد بدأت من الصفر وانطلقت على يد الباني الكبير الشيخ زايد بن سلطان ال نهيان رحمه الله، الذي تعرف اليه المغفور له الحاج حسين البداد حين كان الوافدون الى الامارات يعدون على اصابع اليدين، ويكابدون ظروف الحياة أسوة بالإماراتيين انفسهم من ابناء القبائل التي سكنت ذلك الساحل العربي.
اليوم “البداد القابضة” بما تضمه من شركات عديدة هي المتخصص الاول في هذا النشاط عبر العالم، وقد سجل باسمها اكبر القاعات للمؤتمرات في العالم وحملت انجاز انشاءات مميزة منها ما هو للاولمبياد وكذلك مخيمات معسكرات اللاجئين عبر العالم.
سطع نجم هذه الشركة حين قبلت تحدي مواجهة جائحة الكورونا باستعداد سريع منقطع النظير، وسجلت لذلك براءات مميزة حين قدمت مستشفياتها الميدانية المتنقلة بمواصفات عالمية واضافات لا تملكها الا البــداد في (114) مستشفى حول العالم.
” البداد” الذي قدِم من الامارات هو اردني وحين اتصلت به كان غاية في السرور، حين اخبرني انه سيعمل من اجل الاردن، وعبّر لي عن ذلك في انه مستعد لخدمة وطنه، وتقديم خلاصة خبرته ومعرفته، و يبدو لي كما علمت عن مسؤول اردني لم يفصح البداد عن اسمه، ان شركة البداد ستنجز عشر مستشفيات ميدانية مميزة ذات طابع عالمي سعة كل منها 300 سرير وسيكون انجازها في زمن قياسي لا يتخطى شهرا واحدا ..
الاضافة المميزة هو ان البداد ابتكرت اجهزة تعقيم وفحص بأعلى المواصفات العلمية والصحية ومستشفياتها المتنقلة مجهزة تجهيزا كاملا بأسرّة طبية وفق افضل الابتكارات العلمية وأجهزة حساسة ، فضلا عن غرف العناية الحثيثة والاوكسجين المركزي.
نعم انا فخور بهذا الرجل الذي عرفته قبل سنوات هنا في عمان حين اقام “اذاعة صوت المدينة” وامتلك اكبر موقع لتصليح وصيانة الطائرات في العقبة، وظل يتردد على عمان التي يعشقها والتي تقيم فيها “والدته” وكثير من اقاربه، وما زلت اتذكر الطقوس الرمضانية التي كان يُحييها في مضافته خلف “جريدة الرأي” ان كنت دقيقا.
قدم البــدادان ( فطين وزايد) نموذجا لاول مستشفى ميداني في شهر شباط اذار الماضي وفي وقت مبكر في مواجهة جائحة الكورونا، واستطاعا ان يواصلا بالتدريج والتطوير والتمييز..
سألت مرة اخرى لاعرف ان عدد الاردنيين العاملين مع البداد في مصانعه في الامارات وعبر الخدمات اللوجستية في هذا المجال قد بلغوا ثلاثمائة اردني مميزين من بين اكثر من 7000 موظف هم عداد كوادر وعمال الشركة..
البداد لم يتوقف في حدود صناعة الخيام والقاعات على انواعها وكل احجامها التي وصل بعضها في الواحدة منها الى مساحة دونم كامل وبعضها يزيد عن ذلك، وانما دخل الى ميادين اخرى من الصناعة والانتاج في مجالات الزيت “البترول وقطاعات اخرى صناعية وخدمية”..
لكن ما يميز البداد بعد اكثر من ربع قرن على انطلاقته الجديدة بعد رحيل المؤسس المغفور له الحاج حسين البداد هو ابتكار المستشفيات المتنقلة التي دخلت الى المجال الطبي من اوسع ابوابه، ولفتت انتباه العديد من الدول التي اعتمدتها والمتخصصين عبر العالم الذين التحقوا بها، والمصانع التكنولوجيا المتقدمة التي تعاملت معها.. هذه المستشفيات فيها احدث الاسرّة المزودة بغرف العناية المركزية والحثيثة و اخر ما توصل اليه الطب من وسائل لا تتوفر لكثير من المستشفيات بما فيها الاردنية..
كيف لي وانا اكتب ” ازف ” خبر هذا الانجاز الذي عملت الجهات الصحية الاردنية على اقتنائه بتوجيهات حريصة من جلالة الملك عبدالله الثاني الذي ظل يرى ان الاردن جدير وهو يواجه هذه الجائحة بشراسة ان يوفر لمواطنيه كل اسباب الرعاية الصحية الراقية والمناسبة..
اشعر بالفخر وانا اكتب عن هذا الانجاز الكبير للبدادين، ليس على مستوى خدمة الاردن وانما على المستوى العالمي، فقد رأيت صورا لهذه المستشفيات في العديد من دول العالم وهي تعلن شعارها وتعكس اسمها في الساحة الدولية.
اشعر كما كثير من الاردنيين بالاعتزاز والفخر، فأبناؤنا قادرون على خدمتنا حين نمكنهم من ذلك، وقادرون على رفع اسم بلدنا واسم شعبنا في كل المحافل بانجازاتهم واسهاماتهم، فكيف حين يكون الاسهام متصل في مواجهة جائحة كورونا و بوسائل حديثة وبصناعة بينية تحتية لمقاومة هذا الوباء الخطير..
استطيع الآن مع وصول العمل الى الاردن ان اهنئ روّاده الدكتور فطين البداد و زايد البداد الذين يستحقان التكريم على المستوى الوطني، وهم يردون للوطن فضله عليهم و يكرمونه بخدماتهم وانجازهم وتفوقهم وايضا بتبرعهم، فقد كان الدكتور فطين البداد باسمه واسم اخيه زايد قد تبرع للجسم الصحي الاردني وفي وقت مبكر من بدء جائحة الكورونا بعشر مستشفيات سعة كل واحدة خمسين سريرا، دون ان يرغب في ان يجري الحديث عن ذلك، وهو اليوم يعاود انفاذ مشروع بناء مستشفيات جديدة لصالح وزارة الصحة وفي ظرف صعب في مواجهة انتشار الجائحة، الم أقل ان بعض المغتربين الاردنيين في الخارج يرفعون اسم بلدهم عالياً ويرفعون رؤوسنا اعتزازا بهم..