ما حدّ بقول عن زيته عَكِر

40 ثانية ago
ما حدّ بقول عن زيته عَكِر

كتب المحامي حسين احمد الضمور
ما حدّ بقول عن زيته عَكِر…
هذه ليست مجرد مثل شعبي، بل قاعدة ذهبية تحكم سلوك كثيرين في زمن التناقضات الفجّة. نُصفّق للفاسد عند الانتخابات، نرفعه على الأكتاف، نُزيّن صوره، ونغرقه في المديح، ثم بعد أن يجلس على الكرسي نصرخ: نريد محاربة الفساد!
عجبي… أيّ انفصام هذا؟

نخلق الفاسد بأيدينا، ثم نتبرأ منه بألسنتنا. نمنحه أصواتنا، ثم نبحث عن شماعة نعلّق عليها خيبتنا. نمارس الفساد في الاختيار، ثم نطالب بالنزاهة في النتائج. وهكذا وُلد عندنا اختراع عجيب: فساد بلا فاسدين.

الجميع ضد الفساد، لكن لا أحد يعترف أنه شارك فيه، أو سهّل طريقه، أو صمت عنه. الكل شريف، والكل مظلوم، والفساد كائن غامض بلا اسم ولا وجه، يظهر فجأة ويختفي فجأة، كأنه لعبة خبيني وراك ودور عليَّ.

نغيّر الوجوه، لكن العقلية ذاتها. نبدّل الشعارات، لكن السلوك لا يتبدّل. نفس الأساليب، نفس المصالح، نفس التبريرات… فقط فساد بحلّة جديدة، أنيق أكثر، يتكلم لغة الإصلاح، ويتقن خطاب النزاهة، بينما يمارس العكس تمامًا.

المشكلة ليست في غياب القوانين، ولا في نقص الشعارات، بل في غياب الصدق مع النفس. الفساد لا يبدأ في المكاتب العليا فقط، بل يبدأ حين نكذب على أنفسنا، وحين نُجمّل الخطأ لأنه “من جماعتنا”، ونُهاجم الحق لأنه “ليس منا”.

ما دمنا لا نقول عن زيتنا إنه عَكِر، سيبقى الطعم فاسدًا مهما غيّرنا الوعاء.
ومحاربة الفساد لا تبدأ من المنابر، بل من صندوق الاختيار، ومن ضمير لا يصفّق اليوم ويشتم غدًا