حقوق الإنسان: ليست ترفًا فكريًا، بل كرامة تُختبر في المستشفى والمدرسة والشارع

37 ثانية ago
حقوق الإنسان: ليست ترفًا فكريًا، بل كرامة تُختبر في المستشفى والمدرسة والشارع

لانا أبو سنينة

يُحتفل باليوم العالمي لحقوق الإنسان في العاشر من كانون الأول/ديسمبر، لكن هذا اليوم لم يعد مجرد ذكرى للاحتفال بالنصوص القانونية والمبادئ الأخلاقية السامية. لقد تحول إلى لحظة تأمل قاسية تضعنا أمام حقيقة أن حقوق الإنسان ليست ترفًا فكريًا يُناقش في قاعات المؤتمرات، بل هي ممارسة يومية تُختبر في أبسط تفاصيل حياتنا، وفي كل زاوية من زوايا مجتمعاتنا.إن قيمة الإنسان لا تُقاس فقط بمدى حمايته من القصف في مناطق النزاع، بل بمدى صون كرامته في الأماكن التي يُفترض أن تكون آمنة. تُختبر هذه الحقوق في المستشفى الذي يفتقد إلى الكرامة قبل الدواء، حيث يُعامل المريض كملف أو رقم، لا كإنسان يستحق الرعاية والاحترام. وتُختبر في المدرسة التي لا تحمي الطالب من التنمر أو العنف، وتفشل في توفير بيئة آمنة لنموه النفسي والتعليمي. كما تُختبر في المؤسسة التي تُفرّق بين الناس على أساس العرق أو الجنس أو المعتقد، وتُهدر مبدأ المساواة والعدالة، وفي المجتمع الذي يتسامح مع العنف أو الإهمال بحجة “الظروف”، متناسيًا أن حماية الضعيف هي جوهر أي عقد اجتماعي.إن الفشل في صون الحقوق على المستوى الجزئي هو امتداد للفشل على المستوى الكلي. فالانتهاكات الجسيمة التي نشهدها في مناطق النزاع الساخنة، مثل غزة والسودان، ليست سوى التعبير الأكثر دموية عن ذات المنظومة التي تتهاون مع الكرامة في المستشفى المهمل. ففي غزة، نشهد الانهيار الكامل للقانون الدولي الإنساني، حيث يمثل استهداف المدنيين والبنى التحتية الحيوية، وسياسة العقاب الجماعي، خرقًا صارخًا لمبدأ الحماية والتمييز، ويضع المجتمع الدولي أمام مرآة تعكس ازدواجية المعايير وغياب الإرادة السياسية لإنهاء الإفلات من العقاب. وفي السودان، تتكشف فصول مأساة إنسانية وحقوقية منسية، حيث يرسخ العنف الممنهج والتهجير القسري واستخدام التجويع ثقافة الإفلات من العقاب.إن حقوق الإنسان هي ضامننا الأخير لإنسانيتنا المشتركة. لا يمكننا أن ندعي الدفاع عنها في المحافل الدولية بينما نتغاضى عن انتهاكها في أبسط تفاصيل حياتنا اليومية. إن حماية الحقوق ليست مسألة تفاوض أو مصالح، بل هي التزام قانوني وأخلاقي غير قابل للتجزئة. إن إنهاء هذه الأزمات يتطلب ضغطًا دوليًا حقيقيًا لوقف إطلاق النار وتأمين وصول المساعدات، والأهم من ذلك، إنشاء آليات تحقيق مستقلة ومحايدة لتوثيق الانتهاكات وتحديد المسؤولين عنها. يجب أن يبقى الضمير العالمي يقظًا، فإنسانية الإنسان هي المعيار، وإذا سقط المعيار في المستشفى أو المدرسة، فمن الطبيعي أن يسقط في ساحات الحرب. إن المعركة من أجل حقوق الإنسان تبدأ في أبسط تفاصيل الحياة اليومية، وتنتهي بمساءلة من ينتهكونها على أوسع نطاق.