بقلم: د. سعيد محمد أبو رحمه.
فلسطين- غزة
في ظل التحولات الدولية المتسارعة تجاه القضية الفلسطينية، برز الدور الأردني كفاعل إقليمي ودولي محوري يسعى لترسيخ الاعتراف بدولة فلسطين على حدود 1967، وعاصمتها القدس الشرقية. ومع توالي الاعترافات من دول أوروبية وأمريكية لاتينية، تتعزز أهمية تقييم فاعلية الجهود الدبلوماسية الأردنية في هذا السياق، ومدى مساهمتها في دعم الحقوق الفلسطينية، وفي التأثير على الديناميات الدولية المرتبطة بالنزاع الفلسطيني–الإسرائيلي.
كثّف الأردن من تحركاته في الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، ومنظمة التعاون الإسلامي لتوفير حاضنة سياسية وقانونية للاعتراف بفلسطين. حيث رسّخ جلالة الملك الرواية الفلسطينية العادلة وطرحها في إطارها الإنساني والسياسي، بما في ذلك خطابه المؤثر في البرلمان الأوروبي الذي شدد فيه على أن السلام لا يُبنى على الظلم. وعزز الأردن شراكته مع القيادة الفلسطينية في تقديم ملف الاعتراف على المستوى الدولي، وتوفير دعم لوجستي وقانوني للمرافعة أمام المحاكم الدولية.
وبرزت ملامح الدور الأردني في المرحلة القادمة في تحريك الجبهة الدبلوماسية على المستويين الثنائي والمتعدد الأطراف من خلال تكثيف التنسيق مع الدول الأوروبية واللاتينية التي بدأت تتحول باتجاه الاعتراف الرسمي بالدولة الفلسطينية، والاستفادة من الزخم السياسي الحالي في تلك العواصم. بالاضافة لتعزيز الحضور الأردني في المؤسسات الدولية كالأمم المتحدة، والضغط لإصدار قرارات تدعم إقامة الدولة الفلسطينية، وتوفير الحماية الدولية للفلسطينيين لا سيما في غزة. وتفعيل دور الأردن في الاتحاد الأوروبي ومنظمة التعاون الإسلامي لتوحيد المواقف وضمان اتخاذ خطوات عملية تضغط على إسرائيل لوقف إجراءاتها الأحادية، كما دأبت المملكة على مواصلة دعم القيادة الفلسطينية على المستوى القانوني والسياسي.
سيكون الأردن عنصر دعم حيوي في الملفات القانونية المتعلقة بمساءلة الاحتلال في المحافل الدولية مثل المحكمة الجنائية الدولية، بالاضافة لتقديم الدعم الفني والدبلوماسي للسلطة الفلسطينية في متابعة ملفات الاعتراف، وتوفير منصة دولية لتوصيل الصوت الفلسطيني. وتعزيز خطاب الربط بين الاعتراف بالدولة الفلسطينية وحماية القدس ومقدساتها، باعتبارها جزءًا لا يتجزأ من السيادة الفلسطينية، ومن الأمن القومي الأردني، والتصدي لمحاولات التهويد التي تقودها حكومة الاحتلال، وتكثيف الجهود الدولية لوقف هذه الانتهاكات، وتسخير الاعترافات الدولية لدعم جهود فك الحصار عن غزة، وإعادة الإعمار، وتحسين الظروف المعيشية، بما يعزز من صمود الفلسطينيين، ودعم المبادرات الأممية التي تربط بين الحل السياسي والعدالة الإنسانية للفلسطينيين. بالاضافة التصدي الدبلوماسي لإجراءات الضم والتوسع الاستيطاني في الضفة الغربية، والعمل على كشف خطط تغيير الوقائع على الأرض، وكشف تناقض السياسات الإسرائيلية أمام المجتمع الدولي، خصوصًا في ظل رفض إسرائيل لحل الدولتين ومحاولاتها الالتفاف على أي مسار تفاوضي جاد.
إن الدور الفاعل للمملكة الهاشمية يُتوَج بتشكيل لجنة دبلوماسية أردنية فلسطينية مشتركة لمتابعة ملف الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية، وتنسيق الجهود في المحافل الدولية. واستثمار خطابات جلالة الملك عبدالله الثاني في المحافل الدولية، خاصة خطابه في البرلمان الأوروبي والجمعية العامة، كوثائق مرجعية لدعم الحق الفلسطيني، وترجمتها إلى لغات متعددة وتعميمها على المؤسسات الإعلامية والدبلوماسية. وتعزيز حضور القضية الفلسطينية في الإعلام الدولي من خلال مراكز الأبحاث الأردنية، ومؤتمرات مشتركة تعكس الرواية الفلسطينية وتفكك سردية الاحتلال.
إن الأردن يتحرك كفاعل استراتيجي يتجاوز التضامن التقليدي إلى ممارسة ضغوط سياسية فاعلة. ويبدو أن عمّان بما تملكه من شرعية تاريخية وعلاقات دبلوماسية واسعة، قادرة على لعب دور توازني يُبقي القضية الفلسطينية على أجندة العالم، ويمنع إسرائيل من تمرير مشروعها الأحادي بهدوء.
تُظهر فاعلية الجهود الأردنية التزامًا ثابتًا بالقضية الفلسطينية، يستند إلى موقف تاريخي واستراتيجي. ومع توالي الاعترافات الدولية فإن الأردن لا يُكرّس فقط الدعم السياسي لفلسطين، بل يُسهم في صياغة معادلة دولية جديدة تُحرج الاحتلال وتعيد الاعتبار للقانون الدولي. حيث يمتلك الأردن موقعًا فريدًا وقدرات دبلوماسية تؤهله للعب دور قيادي في هذه المرحلة الحساسة