إدارة المخاطر: العمود الفقري المفقود للنمو المستدام في الأردن

40 ثانية ago
إدارة المخاطر: العمود الفقري المفقود للنمو المستدام في الأردن

بقلم: المهندس نبيل حداد – مستشار إنشائي
الامين المساعد للتخطيط والشؤون الاقتصاديه/ حزب الأنصار الأردني

في بيئتنا المعقدة والمتغيرة بسرعة اليوم، يواجه كلٌّ من القطاعين العام والخاص في الأردن تحديات غير مسبوقة—تقلبات اقتصادية، مخاطر مناخية، واضطرابات تكنولوجية. ومع ذلك، ورغم هذه الحقائق، تبقى إدارة المخاطر علماً غير مُستغل بالشكل الكافي في كثير من المؤسسات. والنتيجة أن العديد من المشاريع والسياسات والمبادرات التجارية تبقى رد فعل للأحداث بدلاً من أن تكون استباقية، الأمر الذي يهدد الثقة العامة والأداء على المدى الطويل.
إدارة المخاطر كضرورة استراتيجية
إدارة المخاطر ليست مجرد تجنّب للمشكلات؛ بل هي القدرة على استشرافها، الاستعداد لها، وتحويلها إلى فرص حيثما أمكن. ففي القطاع الحكومي، تساهم إدارة المخاطر الفعّالة في حماية الموارد العامة، ضمان استقرار السياسات، وتعزيز القدرة على الصمود أمام الأزمات مثل الصدمات الاقتصادية أو اضطرابات سلاسل التوريد. أما في القطاع الخاص، فهي تعزّز ثقة المستثمرين، تقلل الخسائر التشغيلية، وتحمي السمعة التجارية.
القوة الحقيقية لإدارة المخاطر تكمن في دمجها مع إدارة الأداء ونظام إدارة الجودة—ثلاثة أعمدة مترابطة تشكل أساس النمو المستدام.
الربط بين إدارة المخاطر وإدارة الأداء
تركّز إدارة الأداء على مواءمة العمل اليومي مع الأهداف الاستراتيجية طويلة المدى. ومن دون إدارة المخاطر، قد تكون مؤشرات الأداء غير واقعية، أو منفصلة عن التحديات الفعلية، أو عرضة لعراقيل غير متوقعة. وعلى العكس، عندما تُدمج إدارة المخاطر في إدارة الأداء، يتم وضع الأهداف مع فهم واضح للعقبات المحتملة وخطط بديلة لمواجهتها. هذا النهج لا يزيد فقط من احتمالية تحقيق الأهداف، بل يبني كذلك مرونة تنظيمية تمكّن المؤسسات من التكيف بسرعة مع الظروف المتغيرة.
دور إدارة الجودة في التحكم بالمخاطر
يضمن نظام إدارة الجودة أن تكون العمليات والمنتجات والخدمات مطابقة للمعايير المعتمدة بشكل مستمر. وعندما يقترن بإدارة المخاطر، يتحول هذا النظام إلى منظومة حية لا تقتصر على ضمان الامتثال، بل تستبق أيضاً مواطن الفشل المحتمل في الجودة. وهذا يقي من إعادة العمل المكلفة، أو خرق القوانين، أو تضرر السمعة. فعلى سبيل المثال: في الصناعة، فإن التعرف المبكر على مخاطر الموردين قد يمنع توقف الإنتاج كلياً؛ وفي الخدمات العامة، فإن الالتزام بالإجراءات يقلل من مخاطر الفساد ويزيد رضا المواطنين.
نهج موحد للأردن
غالباً ما يعمل القطاعان العام والخاص في الأردن بمعزل عن بعضهما، حيث تتم إدارة الأداء والجودة والمخاطر كلٌّ على حدة—إن أُديرت أصلاً. هذا الفصل يضعف الكفاءة والمساءلة. والحل يكمن في دمج هذه الأنظمة الثلاثة في إطار واحد للحوكمة والتشغيل، بحيث:
• يبدأ كلٌّ من الخطط الاستراتيجية الحكومية والتجارية بتقييم شامل للمخاطر.
• تُحدد مؤشرات الأداء مع الأخذ بعين الاعتبار عوامل المخاطر.
• تُفرض معايير الجودة عبر ضوابط وقائية للمخاطر وليس فقط عبر إجراءات تصحيحية.
مثل هذا الدمج سيساعد الأردن على الانتقال من ثقافة حلّ المشكلات قصيرة الأمد وردود الأفعال، إلى نهج استباقي قائم على المرونة والقدرة على التكيف.
الخاتمة
إدارة المخاطر ليست وظيفة إدارية اختيارية؛ بل هي العمود الفقري للحَوْكمة المستدامة والأعمال التنافسية. وعندما تُدمج بالكامل مع إدارة الأداء وإدارة الجودة، فإنها تخلق منظومة قوية تكون فيها الأهداف واقعية، العمليات موثوقة، والمرونة متأصلة في كل قرار. بالنسبة للأردن، فإن تبنّي هذا المثلث لم يعد مجرد ممارسة جيدة—بل أصبح ضرورة وطنية.