أم الجمال عبر الزمان

1 أغسطس 2024
أم الجمال عبر الزمان

أ.د. زيدان عبدالكافي كفافي

جغرافية الموقع:

لم تعد أم الجمال على مبعدة من العاصمة، أو أنها تقع في غور صحراء البازلت كما يظن من لم يزرها، إذ سهلت الطرق ووسائل المواصلات الحديثة الواصلة بينها وبين العاصمة عمّان وصول الزائر إليها، واختصرت الرحلة بينهما إلى حوالي ساعة وربع أو ما يزيد قليلاً. وحتى يصل الزائر إلى المدينة، عليه أن يتجه  أولاً من عمّان باتجاه  مدينة المفرق،  ثم يأخذ بعدها طريق الصفاوي (H4)  لمسافة تصل لحوالي 15 كم حتى يصل  إلى أول مخفر شرطة بني على الطريق/ قرية الزعتري، ثم يسير باتجاه الشمال لمسافة  تبلغ 3كمحتى تظهر له المدينة الأثرية.

تقع أم الجمال في جنوبي حوران، في بيئة يمكن أن توصف بأنها شبه قاحلة، على أطراف صحراء البازلت التي تشكلت نتيجة لثوران بركان جبل العرب (الدروز) والذي يبعد حوالي 50 كم إلى الشمال من أم الجمال.  وتغطي أرضها طفوح بازلتية تعلو تربة حمراء اللون (Terra Rosa) صالحة للزراعة،ويبلغ معدل هطل الأمطار السنوي فيها  100 ملم سنوياً. علماً أن بلدة أم الجمال أقيمت في منطقة  تتزود بمياه واديين ينحدران من جبل العرب ، حيث أسست القرية لأول مرة  على الجهة الغربية  لهذا المكان.

تمر الطريق الرومانيةوالمسماة(Via Nova Traina) والتي بناها الامبراطور تراجان في الفترة بين 112-114 ميلادية  على مبعدة 6كم من هذا الطريق الذي ربط بين بصرى وفيلادلفيا. (عمّان) في الفترة الرومانية.  ويمكن رؤية هذا الطريق  الفرعي بشكل أوضح في المنطقة التي تتقاطع فيها الطرق بين بلدتي أم الجمال وأم السرب، أي على مبعدة كيلومتراً واحداً من قصر الباعج. علماً أن أم الجمال تقع على طريق جانبي يربطها بقصر الباعج ويكمل طريقه إلى بلدات أم القطين ودير الكهف.

أم الجمال عبر  الأزمان:

سُكنت بلدة أم الجمال على مدى 700 عام دون انقطاع، أي من القرن الأول إلى القرن الثامن الميلاديين.  مرّ على أرضها أقوام عبر الأزمان، لكن بدايتها كانت نبطية. 

  • أم الجمال النبطية (القرن الأول الميلادي): دلتنا البقايا الأثرية المكتشفة في الموقع على أن بلدة أم الجمال قد أسسها الأنباط خلال القرن الأول الميلادي على شكل قرية ريفية  أسست على مقربة من الطريق التجاري الواصل بين بصرى وجنوبي  الأردن (العقبة). لكنها استفادت من هذا الطريق التجاري وازدهرت نتيجة استتباب الأمن في المنطقة خلال تلك الفترة، وضم المنطقة  برمتها للمقاطعة العربية (Provincia Arabia)  الرومانية.
  • أم الجمال زمن الرومان ( 63 ق.م. – 324 م): يرى بعض الباحثين أن أم الجمال شهدت فترة رخاء  بعد هزيمة الأنباط على يد الامبراطور الرومانيتراجانفي عام 106 ميلادية. وقدر بعض الباحثين  عدد سكانها في تلك الفترة بين 2000 – 3000 نسمة،  وذلك اعتماداً على العدد الكبير من شواهد القبور المكتشفة في الموقع والمنقوش عليها كتابات نبطية ويونانية، وأعيد استخدام كثير منها في بناء السقوف والسلالم.  ومن حسن الحظ أن قراءة هذه النقوش المنقوشة على شواهد القبور هذه ساعدتنا بالتعرف على كثير من الأسماء العربية والتي كتبت  إما بالخط اليوناني أو بالخط النبطي. ومن الأمثلة على هذه الأسماء في أم الجمال : “أسعد (بن) عقرب” وعمرة 30 عاماً، و “مسيخ بن زبود” اسمه مكتوب بالخط النبطي.

يظهر أن الأمر قد تغير بعد أن هبت إضطرابات في منتصف القرن الثالث الميلادي على الامبراطورية الرومانية، خاصة ثورات الملكة زنوبيا  حاكمة مملكة تدمر. أدت هذه الثورات ضد الرومان  إلى  تدمير كثير جداً من مباني أم الجمال، فنهبت أحجارهاواستخدمت في بناء الحصون الرومانية التي شيدت في الموقع والمنطقة.

عادت أم الجمال إلى  أهميتها خلال القرنين الرابع والخامس الميلاديين وذلك حين  تحولت  إلى  حصن وقلعة عسكرية  منيعة بناها الاباطرة “ديوقلسيان” و “قسطنطين”على أطراف الحدود العربية الشرقية (Limes Arabicus) .قام الامبراطور “ماركوس أوريليوس” ببناء بوابة وجدار خلال القرن الثاني الميلادي. تم تأريخهما اعتماداًعلى نقش تذكاري  يخلد بنائهما في  زمن حكم هذا الإمبراطور وابنه “كومودوس”. وتبع  إقامة هذان البنائان ، بناء خزان للمياه، ومكان إقامة لحاكم البلدة.

بعد تدمير البلدة  في منتصف القرن الثالث الميلادي نتيجة للاضطرابات، تم إعادة بنائها من قبل الامبراطور “ديوقلسيان”، إذ شيد  التحصينات، والقلعة على الجانب الشرقي  للمدينة.شكلت أم الجمال  بعدها جزءً من النظام الدفاعي الروماني الذي خطط له الامبراطور “ديوقلسيان”.

يمكننا تصور  الحالة التي بلغها هذا الموقع  من تقدم وازدهارخلال  القرنين 4-5 الميلاديين  حيث  بنيت “بوابة كومودوس”، وبيت الحاكم، وخزان المياه، والقلعة ، وعوضاً عن بناء ثكنات عسكرية رومانية، بنيت البيوت والكنائس الغسانية العربية.

ج. أم الجمال المسيحية (حوالي 324 – 636 ميلادي):   يظهر أن الاستقرار  والأمان الذي عمّ أم الجمال نتيجة لهذه  التحصينات  الدفاعية  خلال القرنين الرابع والخامس الميلاديين أدى إلى عودة أم الجمال إلى طابعها المدني في الفترة اللاحقة، أي بعد دخولها المسيحية. واستمرت على حالتها خلال المدة من القرن الخامس وحتى الثامن الميلاديين، وأخذ سكانها  يعتمدون في معيشتهم  على الزراعة والتجارة.  وبإعتقادنا أن هذا التحول الذي حصل لأم الجمال من  محطة عسكرية، وحصن دفاعي، إلى مدينة متحضرة لم يكن إبن اللحظة بل حصل تدريجياً، وبلغت المدينة ذروة ازدهارها في القرن السادس الميلادي.

يبدو أن عسكرة المدينة التي أقامها الامبراطور “ديوقلسيان”  فقدت أهميتها ووظيفتها العسكرية مع بداية القرن الخامس الميلادي، وتحولت من حامية عسكرية إلى سوق تجاري. علماً أنه وفي الوقت نفسه ،أي خلال بداية الفترة البيزنطية (منتصف الألف الرابع الميلادي)، بنيت معسكرات مؤقتة للجيش داخل أسوار المدينة.  كما تم العثور على  بناء لمعبد وثني  روماني  يؤرخ لبداية  المرحلة النبطية. عثر في الموقع على بيوت سكنية تحيط بمبنى المعبد بناها مسيحيو أم الجمال في القرن السادس الميلادي. كما تم بناء عدد كبير من الكنائس بلغ عدد المكتشف منها حتى الحاضر حوالي 15 كنيسة بنيت خلال القرنين الخامس والسادس الميلاديين.  كذلك استبدل  الغساسنة  العرب المسيحيون  الثكنات العسكرية بأبراج مراقبة، وهم الذين وضعوا أنفسهم في خدمة الامبراطورية الرومانية ابتداء من  منتصف القرن السادس وحتى دخول الإسلام للمنطقة. تراجعت أهمية أم الجمال خلال نهاية القرن السادس الميلادي نتيجة لانتشار مرض الطاعون في المدينة، وتعرضها لهجمات الفرس خلال هذه الفترة.

د. أم الجمال الأموية (661 – 750 ميلادية): انتصر المسلمون على الروم في معركة اليرموك عام 636 ميلادي ، فخضعت بلاد الشام برمتها لحكمهم. بقي الموقع مأهولاً بالسكان وبقيت  أجراس الكنائس تقرع فيها حتى بعد أن انتقل مركز الخلافة الإسلامية من المدينة  في الحجاز إلى دمشق  زمن الأمويين. وتم خلال هذه الفترة الأموية إعادة ترميم بعض البيوت فيها، وزخرفتها بالزخارف الجصية، أي أن الناس عاشوا في بحبوحة من العيش.

للأسف أدى زلزال عام 747 ميلادية  إلى تدمير المدينة، فهجرها ساكنوها.  وبقيت مهجورة لحوالي 1100 سنة حتى سكنها الدروز في عام 1935 ميلادية، لكنهم هجروها بعد ذلك إلى الأزرق، لكن أعيد سكنى المنطقة بعد عام 1950 م من قبل مجموعة من القبائل البدوية، فبنيت قرية تطورت الآن إلى بلدة كبيرة.

 ملاحظة: المعلومات الواردة في النص أعلاه مستلة من  الكتيب  المدون عنوانه أدناه:

De Vries, Bert 1990; Umm El-Jimal “Gem of the Black Desert”. A Brief Guide to Antiquities.Amman: Al Kutba Publishers.