بقلم/ احمد عبدالفتاح الكايد ابو هزيم .
لم يعد الحديث عن المشروع الصهيوني الذي يهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية عبر تفريغ فلسطين التاريخية من أهلها الأصليين ، ونقلهم إلى الأردن على إعتبار أن الأردن هي فلسطين وهم و إثارة للفتنة ، ولم يعد كل من يُحذر من الأطماع الصهيونية في التوسع والهيمنة والغطرسة ويرفض التطبيع بجميع أشكالة مع هذا الكيان الغاصب في عِداد المعارضين لتوجهات الدولة وخياراتها الإستراتيجية ، ولم يعد الرفض الشعبي لمعاهدة وأدي عربة وما نتج عنها من توافقات مع عدو ما زال يحتل أراضي عربية من باب المناكفة والتشويش والتخوين ، فقد كشفت عملية طوفان الأقصى نوايا الكيان الصهيوني المدعوم من الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية الإستعمارية زيف رغبته بالسلام وإنهاء الإحتلال ، وترجمت بشكل فاضح حقيقة الأطماع التوسعية للمشروع الصهيوني القائم على ابتلاع كامل فلسطين التاريخية من النهر إلى البحر في المرحلة الأولى من قيام الدولة اليهودية ” إسرائيل الكبرى ” ، وأعلن ساستها بكل بوضوح رغبتهم بتهجير ما تبقى من أهل فلسطين إلى دول الجوار ، ضاربين بعرض الحائط كل الإتفاقيات والمواثيق الموقعة تحت ما يسمى ” معاهدات السلام ” .
الأردن وطن بديل للفلسطينيين بدلاً من فلسطين لم يكن فزاعة بيد المعارضين لإتفاقية وأدي عربة والمشككين بنوايا الكيان الصهيوني بالسلام ، ولم تكن ” بروباغندا ” لتخويف الأردنيين والفلسطينيين من المستقبل والمصير المشترك ، بل هو توجه حقيقي لدى الكيان يرمي إلى طمس الهوية الأردنية والهوية الفلسطينية ، و وأد لفكرة حل الدولتين التي ينادي بها المجتمع الدولي !!! ، وتصفية للقضية من خلال حرب الإبادة والتهجير التي تشنها قوات الإحتلال يومياً على كل شبر من أراضي الضفة والقطاع تمهيداً لتهويدها كما فعلت في فلسطين 48 والجولان .
قد تكون النوايا الصهيونية الخبيثة انطلت على بعض الأبواق الإعلامية وأشباه السياسيين حيث إنخرطوا جماعات وأفراد في جدلية شكل العلاقة بين المكونين الشقيقين ، بعلم أو بدون علم ، تارة تحت عنوان الهوية الجامعة وتارة أخرى تحت مسمى المواطنة وتارة تحت بند الحقوق والواجبات ، وما هنالك من شعارات وعناوين جميعها تكرس الشحناء والبغضاء لتحمل في طياتها تحول سلبي على مجرى العلاقة بين الشعبين التوأم ، متناسين أن هناك عدو مدعوم من قوى عالمية يتحين الفرصة المناسبة للإجهاز على مشروعهما الوطني كل على أرضه وتحت سمائه .
كان من أهم أهداف الخيار الأردني بالتوقيع على إتفاقية وأدي عربة مع الكيان الصهيوني كما قال رئيس الوفد الأردني المفاوض دفن فكرة الوطن البديل ، وحصر الكيان الصهيوني داخل فلسطين من خلال الإعتراف المتبادل بحق كل منهما بالوجود كدولة على ظهر هذا الكوكب ، وربما قد غاب عن ذهن المفاوض الأردني أن هذا الكيان له أهداف وغايات وأطماع إستراتيجية أبعد من ذلك ، تختلف بشكل كلي عن المعلن يريد تحقيقها ضمن أطر زمنية محددة بغض النظر عن الكلف على الغير حيث يعتبر نفسه فوق كل القوانين والمواثيق والأعراف الدولية ، له الحق في عمل كل ما يلزم لإنجاز مشروعه التوسعي ، هكذا قُدر له من قبل من قام على فكرة تأسيسه وزرعه كخلية سرطانية في وسط العالم العربي والإسلامي ، وتم رسم دور وظيفي له قائم على معتقدات دينية مغلفة بأطر سياسية لتسهيل دعمه وإسناده بكل سلاسة تبعاً لمخططاتهم التي يتلاعبون بها كيفما شاءوا ومتى أرادوا .
معاهدات السلام والإتفاقيات البينية والمشاريع المشتركة بين الكيان الصهيوني وعدد من الدول العربية في نظر الكيان مرحلة مهمة لشراء الوقت ، وجسر عبور لإختراق الوعي العربي المناهض بالأصل لوجوده اِبتداءً ، ويهدف من خلالها أيضاً خلق أزمة ثقة حول شرعية هذه المعاهدات والإتفاقيات ما بين الجانب الشعبي الرافض لها بأغلبه والجانب الرسمي الملتزم بتنفيذ كل ما ورد بها ، وأيضاً تكريس هذه المعاهدات كبؤر ساخنة للخلاف السياسي بين الدول العربية تتعمق بشكل أفقي وعامودي في كل الأوقات .
وسط إنشغال الدول العربية في جدلية إستقلال قرارهم المنفرد في عقد المعاهدات ، وشكل وطبيعة العلاقة مع الكيان الغاصب ، يمارس هذا الكيان اللقيط جميع أشكال الغطرسة والقتل تجاه الشعب الفلسطيني ، ويقوم بتكثيف الإستيطان والتهويد لكامل الأراضي الفلسطينية وسط سمع ونظر الجميع .
اليوم وضحت الصورة وكُشف المستور ، وأعلن الكيان الصهيوني بدعم أمريكي غربي عن أن تصفية القضية الفلسطينية يمر عبر تهجير الفلسطينيين من غزة إلى مصر وبالتأكيد لأحقاً سيعمم القرار على الفلسطينيين في الضفة الغربية إلى الأردن ، وما سعيه نحو معاهدات السلام مع الدول العربية بشكل منفرد سوى مشاغلة سياسية المقصود منها التسكين و التهدئة والتبريد للجبهات قبل بدء المرحلة الثانية من المشروع الصهيوني القاضي بإقامة إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات .
الجانب الرسمي الأردني كانت له غضبة مبررة ، وصلت حد إعلان الحرب فيما لو قرر الكيان الصهيوني تهجير الفلسطينيين الموجودين في الضفة الغربية إلى الأردن ، قرار بحجم الحدث يستحق إسناده بموقف شعبي وازن .
الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة يرفض و يقاوم بكافة الوسائل المتاحة أي عمليات تهجير جديدة رغم القتل اليومي والفصل العنصري . وسيبقى الأردن قيادة وحكومة وشعب في طليعة المدافعين عن حق الشعب الفلسطيني وقضاياهم العادلة .
حمى الله الأردن واحة أمن واستقرار . و على أرضه ما يستحق الحياة.
أحمد عبدالفتاح الكايد أبو هزيم
كاتب أردني
ناشط إجتماعي وسياسي