مروان العمد
ملاحظة / هذه مقالة طويلة تتناول ما جرى ويجري في الاردن حالياً ، انشرها على حلقتين ، راجيا عدم الحكم عليها الابعد الاطلاع عليها كاملة لمن يرغب في ذلك .
لقد تابعنا جميعاً الاحداث التي تفجرت في الاردن خلال الايام الماضية ، والتي هي نتيجة تراكمات وسياسات خاطئة ارتكبتها حكومات سابقة . وظروف صعبة مرت على الاردن . وانا لن ادخل في تفاصيل الحديث عن الاسباب والمسببات ، فالحديث عنها يطول ويتشعب ونحن الآن لا نملك ترف اضاعة الوقت في الحدث في الماضي ، قبل ان نحتوي الوضع الحالي ونعيد الهدوء للشارع الاردني . و نجنبه ويلات الانزلاق الى الهاوية .
الا ان هناك ما يجب ان يقال سواء اكان عن الحكومة ، او المضربين ، او مثيري الفوضى ، او من يصعد الاحداث من خلال تعليق او مقال ، او خبر مفبرك ، او فيديو حقيقي او مزور .
وبالنسبة للحكومة فعليها ان تتحمل المسؤولية عن قراراتها الخاطئة ، وعن تعنتها في مواقفها . فقد كان عليها ان تشعر مع المواطنين ، والحالة المادية التي خرجوا بها نتيجة وباء كورونا ، من انخفاض الدخل او انقطاعه . وتأثيرات الحرب في اوكرانيا ، وارتفاع اسعار الكثير من السلع ، وقدوم فصل الشتاء ببرده القارص ، وان تقرر على الاقل تثبيت سعر مادتي الكاز والسولار خلال اشهر الشتاء كما حصل في العام الماضي ، وان لاتبرر عدم قيامها بذلك بالقول ان ذلك سوف يكلفها دعم اسعار المحروقات بمبلغ ٥٥٠ مليون دينار . لان هذا ليس دعماً ، ولكنه نقص من قيمة الضريبة التي تحصل عليها من ثمن المحروقات . وليس مقنعاً رد دولة الرئيس ان الحكومة لا تملك ترف القيام بذلك ، وان اسعار المحروقات خط احمر . وكان عليه ان يدرك ان المواطن لم يعد يملك المقدرة على دفع المزيد ثمناً للمحروقات في فصل الشتاء وقد وصل دخله للحضيض . وان توفير قيمة هذا التثبيت مشكلة الحكومة وليست مشكلة المواطن . وما كان عليه ان يستمر في استفزاز المواطنين في بعض قراراته ،وتشبثه بها ، مثل الغاء التوقيت الشتوي والذي هو توقيتنا الاصلي . كما ان اصراره على ترديد عبارة ان اجمل الأيام هي تلك التي لم تأتي بعد ، والمواطن يعيش اسوء ايام حياته ، كان بها استفزاز للموطنين الذين لايريدون وعودا ، ولكن شيئ ياكلونه او يلبسونه . او يجعلهم يشعرون بالدفء .
كما ان مجلس النواب كان يجب ان يتحمل نصيبه من المسؤولية ، والذي انشغل اعضائه في الامور الاجتماعية ، او ممارسة هوايات المصارعة والملاكمة تحت القبة . او القاء الخطابات الرنانه والشعارات التي تلهب مشاعر المواطنين ، والذين لا يجدون بعد ذلك الا سرابا .
وكان نتيجة ذلك ان قام بعض سائقي سيارات الشحن ومالكيها بالمطالبة بتخفيض اسعار السولار المستخدم في شاحناتهم . وكان رد الحكومة على ذلك التجاهل . مما دعاهم الى اعلان الاضراب وايقاف شاحناتهم على اطراف الشوارع الرئيسية ، معلنين سلمية احتجاجهم
وهنا جاء دور نشطاء السوشيال ميديا ، وكتاب التدخل السريع . واخذ بعضهم بنشر الاخبار الكازبة والفيديوهات المفبركة ، كما كثر المتحدثون عن كلف استيراد النفط ، واسعار بيعه للمواطنين . وذهب البعض الى انشر ارقام مختلفة لثمن بيعه للمواطنين ، ومقدار ارباح الحكومة من وراءة ، وان معظم هذه الارباح لا تدخل الخزينة . دون ان يقدم احدهم دليلا ثابتاً على ذلك . في حين ان الحكومة كانت تنفي هذه الارقام ، وتقول ان ما تأخذه من اسعار البيع كضريبة مضافة ، لا يصل الى ربع ما يذكره بعض الكتاب والمحللين . وانا وان كنت غير مقتنع بالارقام التي يذكرها البعض ، الا انني ايضاً غير مقتنع بالارقام التي تذكرها الحكومة ، حيث انني كنت افلل سيارتي قبل عدة سنوات ، وعندما وصل سعر برميل النفط الى المائة والعشرين دولاراً ، بمبلغ يصل الى خمسين دينار لما بين ٦٠ الى ٦٥ لتراً من البنزين الخاص . وانا الآن ادفع لنفس هذه الكمية من البنزين 95 حوالي سبعين ديناراً . مع ان سعر برميل النفط حالياً يتراوح ما بين السبعين والثمانين دولاراً فقط . كما ذهب البعض للقول ان مليارات الدولارات ترد للاردن سنوياً كمساعدات نقدية ، ومن غير ذكر من اين تردنا هذه المساعدات ، في حين ان الدولة الوحيدة التي تقدم لنا مساعدات مالية وبحدود مليار ونصف مليار دولار ،هي الولايات المتحدة ، من ضمنها المساعدات العسكرية و على شكل اسلحة او ذخيرة او تدريب . اما ما يردنا من الخارج فهو ديون ، ومساعدات تتعلق با اللاجئين ، وتنفيذ بعض المشاريع الصغيرة .
كما تحدث البعض عن المليارات من الدنانير التي تحصلها الحكومة من المواطنين كضرائب من غير الاشارة الى اننا من اكثر شعوب الارض تهرباً من دفعا . هذا غير ما ذكر عن اسعار الماء والكهرباء والخدمات التي تقدمها الدولة باسعار اقر انها مرتفعة جداً ، متجاهلين كلفة انتجها . وعن حالات الفساد التي حصلت وتحصل ، وكما ورد في تقرير ديون المحاسبة لهذا العام و في كل عام . ولكنهم يتناسوا ان الميزانية السنوية للاردن تتجاوز الاحد عشر مليار دينار معظمها اجور ورواتب وكلف وخدمات غير انتاجية . وبالنتيجة هناك خلل في كل الامور المالية التي تتعلق في الاردن ويوجد هدر وفساد كبير . ويوج ايضاً مبالغة كبيرة في مقدار هذا الخلل .
وقد ادى كثرة الحديث عن هذه الامور الى زيادة جرعات عدم الرضى والقبول لدى اصحاب وسائقي الشاحنات المضربين ، والذين وفي البداية كان اضرابهم واعتصامهم مثالياً . الا انه نتجة كثرة الحديث عن هذه الامور ، واختلاط الحقيقية مع المبالغة . وصمت الحكومة ازاء مطالبهم ، وتجاهلهم وعدم الاتصال بهم ، او أجراء مناقشات معهم ، و ابدائها عدم توفر النية للاستجابته لمطالبهم ، حول جرعات عدم الرضى الى حالة من الاحتقان والغضب لديهم على الحكومة وعلى مجلس النواب ، والذي اسمعهم في البداية عبارات الدعم والتأييد ، وانه يعد لسحب الثقة من الحكومة ، ثم ليعود ويعلن انه والحكومة اتفقوا مع بعض شركات النقل على عدد من الإجراءات مقابل انهاء الاعتصام ، لم ترق الى مستوى مطالب المعتصمين .
الا انه ورغم سلمية الاعتصامات في الايام الاولى ، فقد كانت لي مخاوفي بأن تخرج هذه الاعتصامات عن سيطرة القائمين عليها . او ان يتسلل اليها اشخاص غير منضبطين يحرفونها عن اهدافها . او ان تقع تحت تأثير من يسعون لأثارة الفوضى في الاردن وتدميره . وللاسف فقد تحققت مخاوفي . ففي حين كنا نشاهد الاعتصامات المنضبطة ، كنا نشاهد من يقطعون الطرق والشوارع الرئيسية ، ويشعلون فيها النار . ويمنعون المسير عليها . ويهاجمون الشاحنات التي كانت تسير عليها . و يقذفونها بالحجارة ، وفي بعض الاحيان بطلقات الرصاص ، لمنعها من التحرك . واجبار سائقيها على الانضمام للاعتصام . وشاهدنا البعض يقلع اعمدة الكهرباء ، ويحرق مولداتها ، بالاضافة الى حرق بعض المباني الحكومية . وهذا البعض على الاغلب ليس له علاقة بالمضربين والمعتصمين ومطالبهم ، وانما هم مجموعات غير منضبطة ، هدفها التخريب والتدمير واثارة الفوضى ، او لما في داخلهم من احساس بالتهميش والفقر والبطالة ، او لانهم وقعوا ضحية للمحرضين من خلال بعض وسائل التواصل الاجتماعي ، والتي كانت تحث المواطنين على الخروج للشارع ، واعلان احتجاجهم على اوضاعهم ، وتحضهم على اسقاط النظام . في حين ان حق الاضراب والاعتصام الذي كفله الدستور الاردني ، يحظر القيام باعمال عنف وشغب ، وارغام آخرين على الانضمام له بالقوة ، او تقطيع اوصال الوطن ، واغلاق الشوارع والطرقات ، والاعتداء على الاموال العامة والخاصة .
ونتيجة لذلك كان لا بد من تدخل الاجهزة الامنية للسيطرة على اعمال الفوضى ، واعادة فتح الطرق والشوارع ، وخاصة الحيوية منها ، مثل الطريق من والى ميناء العقبة . وان توقف اعمال التخريب والحرق والتدمير . دون الاقتراب من مواقع المعتصمين السلميين ، او تقوم بالاعتداء عليهم ، او فك اعتصامهم . الا ان جماعة الذباب الالكتروني في الخارج ، والساعين لنشر الربيع العربي في الاردن ، واسقاط نظام الحكم فيه ، و المرتبطين بجهات خارجية تسعى الى اضعاف الموقف السياسي الاردني ، والضغط عليه ليوافق على ما لم يوافق عليه من حلول او مقترحات ، واهمها الوطن البديل ، وان يكون حل القضية الفلسطينية على حساب الاردن ، وجهوا سهامهم اليه ، واخذوا في نشر الاخبار الكاذبة والاشاعات المغرضة . واستحضروا فيديوهات مفبركة او قديمة ، او لاحداث حصلت خارج الاردن على انها حصلت فيه . وكلها تحريض للمواطنين على القيام باعمال عنف . وقد استجابت قلة قليلة لتأثير هذه الفيديوهات والاخبار الكاذبة ، وقامت بالاعتداء على عناصر الاجهزة الامنية ، ورجمهم وسياراتهم بالحجارة ، وتوجيه التهم والشتائم لهم .
يتبع القسم الثاني