د. مصطفى التل
الصحابي الجليل ( خبيب بن عدي ) رضي الله عنه وأرضاه , بعد حفلة تعذيب وتشفّي طويلة على يد جنود مسلحين من مشركي جزيرة العرب , بسبب انتمائه الديني والثقافي , و بعد اذاقته كل انواع العذاب والتلذذ بتعذيبه وسط صرخات الجنود المدججين بالسلاح والدروع , وربطه الى خشبة لصلبه بعد انهاكه بالعذاب , ومَن ثم قتله , عند تلك اللحظة الفارقة بين الحياة والموت , أعطاه الجنود فرصة خلاصه من هذا العذاب المرير , صفقة رخيصة جدا مقابل حفظ حياته , ( أتحب أن محمداً مكانك وأنت في بيتك ) ؟
إنها صفقة الشيطان في كل زمان ومكان , الصفقة العالمية العابرة للأزمان والمكان , صفقة جاهزة تاريخياً للتخلي عن الثابت والمبدأ في حضرة العذاب الأليم والحصار اللئيم للشعوب , انها صفقة التركيع لأي نظام عربي و اسلامي يتمسك بمبدأه وثقافته , بعد اذاقته كل انواع العذاب والتشّفي , واستغلال الحاجة الماسة لإبقاء الشعوب على قيد الحياة , انها اللحظة الفارقة بين موت الشعوب قهرا وحاجة وذلّة , وبين حياة تحفظ لهم حياتهم في أدنى درجاتها .
هذا الصحابي الجليل، وهو يئن تحت العذاب، وجسده المنهك منه، وهو يلفظ انفاسه الأخيرة تحت نير عذاب الجنود، رفع مبدأه عاليا، لا لبس فيه وان كانت حياته هي الثمن، (والله ما أحب أني بين أهلي ومحمد صلى الله عليه وسلم في المكان الذي هو فيه يُشاك بشوكة).
بطولة كأس العالم لكرة القدم في قطر , كشفت الكثير عن شياطين العالم المتحضّر زعماً , فمن خرق واضح للمنظومة التشريعية القطرية رغماً عن أنف العالم أجمع ’ بإظهار شعار قوم لوط في المدرجات من رؤساء تلك البلدان الأوروبية المتحضرة زعماً , مثل الوزيرة الألمانية التي دخلت الى المدرجات كاللصوص , الى ما يسمى ( المنتخب الألماني) لكرة القدم , والذي رغم منعه عالميا من .رفع شعار قوم لوط , او اظهاره على اذرعه , الا انه ابى إلا أن ترتد أيديهم الى افواههم , في إشارة الى إن المنظومة القطرية التشريعية مستبدة وظالمة , كل هذا على الأرض القطرية وتحت سماء قطر , وتحت الامتداد الطبيعي لسلطة القانون القطري على أرضه .!
قطر تمتلك قدرة على المقاومة لمثل هذه الابتزازات الشيطانية في محاولة لعقد صفقة شيطانية من جانب النظام الديمقراطي الغربي , في محاولة للمقايضة حول المبادئ العليا للشعب القطري , مقابل السماح لهم بتنظيم بطولة كأس العالم بدون منغصات اعلامية كاذبة .
قطر تستحوذ على استثمارات ضخمة جدا في اوروبا نفسها , هددت مرارا وتكرارا بأنها ستعيد النظر في استثماراتها في عدد من الدول الاوروبية , فضلاً عن امتلاكها لأكبر منظومة اعلامية على مستوى المنطقة وهي شبكة الجزيرة الاعلامية , مما يضمن لها أكبر قدر ممكن من الاشتباك بفعالية كبرى على المستوى الاعلامي لأي تحرشات غربية قد تحدث , وقد نجحت في صد هذه التحرشات الكبرى في المنظومة التشريعية القطرية التي تحظر المثلية الجنسية وافعال قوم لوط , والجندر بمفهومه الجنسي المغاير للفطرة الانسانية .
في العالم العربي والاسلامي، نجحت بعض الأبواق التي تميل الى الديمقراطية الغربية الزائفة , الى جعل ملف ( قوم لوط ) , او ( المثلية الجنسية ) في تجميل للمصطلح , او ملف ( الجندر ) في تسطيح للمصطلح , موضوعاً هامشياً , اكتفى العرب والمسلمون بالتنديد والشجب والاستنكار , رافعي شعارات تمجّد قطر ونهجها في الصمود في وجه الابتزاز الذي تمارسه الديمقراطية الغربية الزائفة على قطر ومنظومتها الفكرية والثقافية , لا بل امتدت الى المنظومة التشريعية لدولة قطر نفسها .
*الكوابح التشريعية الداخلية في مواجهة الاغراءات الشيطانية العالمية:
لنعترف بالحقيقة كما هي , ولا نجامل في الواقع , الدول التي تمتلك منظومة تشريعية واضحة , على المستوى الرسالة الكلية للدولة بالتزامن مع المستوى الداخلي الجزيئي للدولة , هي تلك الدول التي تمتلك قرارها , وان جنح بعض السياسيين لعقد صفقة مع الشيطان نفسه .
ما يسمى حقوق الانسان بالمفهوم الغربي الذي هو مغاير للمفهوم العربي الاسلامي لهذه الحقوق وان اشتركت في بعض الأحيان بالمصطلحات والتسميات , مثل حق الحرية وحق العيش الكريم , وغيرها من المصطلحات الرنانة , والتي تلامس شغاف قلوب المسلمين في أوطانهم , نتيجة القهر , وحرمانهم من أبسط حقوقهم التي حفظها لهم تشريعهم الالهي الذي يعتزون به , ببدائل وضعية تماشت مع المفهوم العام لمنظومة ان هذه الحقوق هي ميزات من بعض الطبقات في دولهم لهم , وليست حقاً مصاناً لهم من حيث الأصل .
حقوق الانسان في المجتمع الغربي تم تنظيمه ضمن التشريع الداخلي لتلك الدول , وبالتالي اصبح كابح لأي سياسي غربي , يحاول مجرد محاولة في التخفيف منه أو تمييعه , ولو كان على حساب مصالح تلك الدولة عالميا , من هنا نستطيع أن نفهم أن الإستماتة في اظهار ما يسمونه ( حقوق المثلية ) او ( حقوق قوم لوط ) أو ( الجندر) الجنسي المغاير للفطرة البشرية , انما هو تشريع داخلي لدولته , يبذل قصارى جهده في تحقيق رسالته العالمية التي قام على حمايتها , ولرعايتها , والقيام عليها خير القيام , وبغير هذا هو خائن لهذا التشريع , وخائن لدولته ولرسالتها التي يجب ان يحافظ عليها عالميا , كعنوان ثقافي لدولته عالمياً .
هذه الحقوق التي يحمونها بزعمهم , هي تطورات داخلية للتشريع الاوروبي مرت بالمنظومة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية حتى استقرت على هيئة تشريعات داخلية لتلك الدول على مدار قرون من الزمان , وبعد حرب عالميتين , مما جعلها راسخة في الرسالة العليا للدول الاوروبية , نبراساً لسياستها العالمية التي تروّج لها , وتسيل تحت رايتها دماء ابناءها من جنودها في مختلف أصقاع الأرض .
هذه البلدان الاوروبية , جعلت تشريعاتها الداخلية , محاور عالمية , عليها تقاتل وعليها تسالم , ومَن يريد ان يعيش تحت سمائها وعلى أرضها , عليه أن يندرج وينتظم مع هذه التشريعات بدون نقاش ولا جدال ولا ملاحظات , فالمهاجر اليها عليه ان يندمج مع منظوماتها الاجتماعية والثقافية , وعليه أن يتعايش معها وان لم يقتنع بها , فعليه ان يخوض دورات مكثفة في اللغة التي تعتز بها تلك الدول , ولا يتكلم ولا يتعلم ولا يتعاطى إلا بلغتها , ولسانه الأصلي لا حق له فيه , وان اراد ذلك الحق , فعليك ببيتك وبعض المراكز الثقافية المحصورة داخل جدر اسمنتية . بغير هذا أنت غير مسالم للوحدة اللسانية لذلك المجتمع، وتُحرم حتى من تعليمك الذي هو حق طبيعي لك في تشريعات تلك الدول، باعتبار أن تشريعاتها تعطيك الحق أن تتعلم بلسانها هي لا بلسانك الأصلي.
خلاصة الكوابح التشريعية الاوروبية لساستها , ومَن يقوم على مفاصل السياسة الخارجية , ان هذه الدول ترى منظومتها التشريعية التي خرجت من رحم شعب لا يعرف للحرية حدود وان كانت طارئة على الجنس البشري ومهددة له بالانقراض الفعلي , أنها المُثل العليا التي يجب على العالم ان يتأسى بها , وان يتماشى في جوهرها .
والآخر وثقافته وتشريعاته , ما هي إلا منظومات متخلفة , عبء على البشرية لا طريق أمامها إلا الاندماج مع هذه المنظومة الغربية , أو الزوال من على وجه البسيطة , والآخر بالمفهوم البسيط هم العرب والمسلمين تحديداً .
عبّر عن هذه السياسات الاستعلائية , مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي “جوزيف بوريل ” بقوله : ( أوروبا هي الحديقة الوحيدة في العالم في حين أن بقية الدول أدغال وغابات موحشة ) .
*الاردن والكوابح التشريعية الداخلية في ظل الاحتدام العالمي للجندر :
الأردن لا يملك المليارات ليستثمرها في اوروبا على سبيل الضغط المقابل للسياسات الاوروبية , كما انه لا يملك منظومة اعلامية توازي المنظومات الاعلامية الكبرى , كما انه اكبر متلقي المساعدات الدولية والمنح الخارجية نتيجة فقره المادي .
وهذه حقيقة لا جدال فيها , تزامن كل ذلك مع جيل جديد سيطر على مفاصل السياسة في الأردن , هذا الجيل تخرّج من جامعات أوروبا ومن رحم فلسفاتها التشريعية والاجتماعية والاقتصادية , لا يرى أي تقدم أو ثقافة أو اقتصاد , إلا ذلك الذي يندمج بالمنظومة العامة الاوروبية الثقافية والاجتماعية , كمعيار أوحد لمفهوم التقدم والحضارة .
هذا الجيل ينظر الى المفهوم الثقافي الاردني والدولة الأردنية برسالته العليا والشعبية , من منظار اوروبي , ومفاهيم اوروبية , فأصبح الفسوق كمفهوم عام ترويح عن النفس , والفجور سياحة , والروايات الاباحية ثقافة قد تتماشى مع مفهوم الأسرة الاردنية , وان حصلت ردة فعل شعبية على احد هذه المفاهيم , فلا أكثر من اعتذار باهت , ويمارس الفرد عمله كالمعتاد وكأنَ شيئا لم يكن .
الدولة الأردنية بكينونتها العامة , تتماشى مع العمق الثقافي الاسلامي , الذي هو جزء من تشريعاتها الداخلية , والعمق الأصيل لرسالة الدولة العليا , الأمر الذي حاول البعض السياسي , والبعض الثقافي , حرفه عن عمقه , وعن جذوره بحجة الحداثة , والمنظومة الدولية , والمنح الخارجية والمساعدات .
مجلس النواب الأردني بدوره , كممثل وحيد للشعب الأردني , والذي هو عنوان الارادة لهذا الشعب , يتوجب عليه ان يحافظ على رسالة هذا الشعب , الذي هو في شرخ كبير مع الساسة والقادة , من حيث التوجهات والأهداف وكيفية النهوض بهذه الدولة الأرنية .
فريق من بعض الساسة لا يخفون توجهاتهم الطامحة , ولا اهدافهم العليا في جعل الاردن قطعة ثقافية أوروبية بكل توجهاتها الدينية والسياسية والاقتصادية , مستغلين ضعف الكوابح التشريعية الداخلية التي قصرت عن كبحهم , وتعديل مساراتهم , واجبارهم على اخضاع تصوراتهم الذاتية وقناعاتهم الثقافية للرسالة العليا للدولة الأردنية .
تسلل مفهوم الجندر الممهد للشذوذ الى المناهج بكل خبث , وتسلسل سلس من حيث لا يشعر المواطن الأردني , في ظل تشريعات وقفت موقف المحايد من هذه النقطة المفصلية عند الشعب الاردني .
مجلس النواب الأردني هو الجهة الوحيدة المسؤولة عن وضع كوابح تشريعية تردع كل سياسي أو اقتصادي او ثقافي أي كان توجهه , عن تغيير تركيبة الشعب الاردني الثقافية العليا .
فحتى اللحظة , ورغم عظم الامور , والاحداث السياسية , والضغوط الخارجية , يقف مجلس النواب من نقطة ( تشريع تجريم المثلية الجنسية ) في الأردن موقف محايد , وبيده وضع هذا الكابح حماية للشعب الأردن من تغوّل البعض الذي يعتقد أن الأردن حديقة خلفية لتحقيق طموحاته الثقافية على رقاب هذا الشعب المتمسك بثقافته حتى الموت .
فهل يفعلها مجلس النواب .. ويراجع المنظومة التشريعية برمتها , ليضع كوابح لمن تسوّل له نفسه بعقد صفقة مع الشيطان ..؟!!!