هلْ اجماعُ علماءِ المسلمين حقيقةٌ تاريخية؟

9 سبتمبر 2022
هلْ اجماعُ علماءِ المسلمين حقيقةٌ تاريخية؟

د. عادل يعقوب الشمايله

كثيراً ما نسمعُ تعبيرَ “اجماعِ العلماء” أو أجمَعتِ الامةُ على كذا وكذا” فهل حقا هناك حالةُ اجماعٍ واحدة في التاريخ الاسلامي؟
الجواب هو النفي. وهذا ما اثبتهُ القرآنُ على أنهُ سنةٌ كونيةٌ وارادةٌ الهيةٌ. ” قال تعالى “وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118)، وقال تعالى : (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ۚ أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ)؟ وقال تعالى “يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13. واختلف موسى مع الرجل الصالح. واختلف الشعراء في مواقفهم من الخلفاء والسلاطين. بين مادحٍ وذامٍّ للحاكم نفسه.
لم يحدث أن اجتمع الفقهاء في صالةِ افراحٍ او في قاعة فندقٍ او حتى في بيتِ شَعرٍ، او مدرج من مدرجات الجامعات أو مسجدٍ وتباحثوا في امور الدين وتوصلوا الى اجماعات على القضايا مدار الاهتمام والبحثِ الديني.
بل إنَّ الشواهدَ كلها تشيرُ الى حالات الاختلافِ الدائمةِ وليس الاتفاق. بل انهم من النادر ان توصلوا الى درجة الاغلبية المطلقة في معظم الامور.
لدينا عدةُ مذاهبَ في الفقه الاسلامي: ابو حنيفه، الشافعي، احمد بن حنبل، جعفر الصادق، المالكي.. اصحاب هذه المذاهب واتباعهم اختلفوا ولا زالوا مختلفين على كل شئ. انقسم المسلمون وتشرذموا الى سنة وشيعة ودروز وعلويين وبهائيين وصوفيين. وتفتت اتباع كل مذهب من هذه المذاهب الى اقسامٍ تُناهضُ بعضها بعضاً.
لم يجمعُ الصحابةُ على نموذج ادارة الخلافة. كما لم يجمعوا على اختيار خليفة لهم. لم يجمع الصحابة ايضاً على الموقف من عثمان او علي بن ابي طالب. ولم يتفق بقايا الصحابة والتابعين على معاوية وابنه يزيد، ولم تتوقف الثورات ومحاولات الخروج على حكام الامويين.
لم يتفق الهاشميون والامويون، ولا الهاشميون والعباسيون. كذلك، لم يتفق عمر مع ابي بكر على اسلوب التعامل مع المرتدين… ولم يتفقا على من يقود الجيوش الاسلامية.
لم يتفق رواة الاحاديث على الاحاديث المنسوبةِ للنبي صلى الله عليه وسلم. كما لم يتفق مفسروا القران على تفسير آيات القرآن منذ الطبري ولحد الان. لم يتفق المؤرخون على الاحداث والروايات والاساطير.
السؤال المهم هنا: هل الاجماعُ مطلوبٌ ومفيد، وهل هو فضيلةٌ ؟
لقد اجمعت الامة على عادة الثأر. واجمعت الامة على جلوة اقارب القاتل. فهل هذا اجماعٌ محمودٌ أم مذموم؟
اجمع المصريون والسوريون والعراقيون والليبيون والسودانيون والجزائريون على اختيار رؤسائهم بنسبة99.99%. في كافة الانتخابات الرئاسية خلال العقود الماضية. هل فعلا كان هناك حالات اجماع أم تزوير لارادة واراء المصوتين؟
زَعمْ حدوث الاجماع الذي يردده المشايخ هو مُجَرَدُ خداعٍ لتثبيت الاستبداد واخراس المنتقدين والمجددين وللابقاءِ على حالة التجمد التي وصلت اليها الامةُ أو التي اوصلوا الامة لها بعباطتهم وتعنتهم وأنانياتهم.
يختلفُ الانسانُ مع نفسهِ في كثيرٍ من الاحيان. كما يختلفُ الابنُ مع ابيهِ وكذلكَ الاخوةُ فيما بينهم، والاصدقاءُ يختلفون، وكذلك طلبةُ الجامعات مع اساتذتهم. هذا هو الامر الطبيعي.
الحيوانات من نفس النوع تختلف وتتقاتل، فكيف بالناس.
أحد أهم الاسباب لما توصلت اليه الاممُ المتقدمة من نجاحات وازدهار وتقدمِ وتفوقٍ هو بسببِ الاعترافِ بالاختلافِ، وشرعنةِ الاختلاف واحترامِ الاختلاف.