د. مصطفى التل
استباحة حرم “دارة وصفي التل” المتعمد وبموافقة رسمية من بعض الجهات ، جعلت جميع الأردنيين يضعون أيديهم على صدورهم ، يتحسسون وجع المأساة ووقعها الصادم ، وينغمسون بقراءة المستقبل بشفاهٍ مرتجفة ، تمنوا لو أنهم يحلمون , لا ترى ولا تبصر عيونهم تلك البثور والندوب التي عربدت على صفحة الرموز الوطنية الاردنية .
لقد انتهجت بعض الدوائر الرسمية في تعاملها مع دارة “وصفي التل ” والتي طفت على السطح أخيرا , بخاصة في حقبة ما يسمى ” الانفتاح الثقافي ” منهجاً أشاد به المتربص قبل العدو، ففي الوقت الذي كانت حناجر البعض تعلو بصوت الوحدة الوطنية , والقدوات الوطنية , ، لترطب أفواه المدن والقرى والحارات الأردنية بفيض الوحدة الوطنية , كانت بعض الدوائر الرسمية ترطب حلق كل متربص بهذه الوحدة الوطنية بــ (انتاج فني ) رخيص يدنس رمز الوحدة الوطنية الأردنية وذكراه .
وكلما ارتفعت بعض أصوات حناجر مَن ينادون بالوحدة الوطنية ملامِسة أعلى السقوف فيها، ازدادت قبضة بعض الدوائر الرسمية على بعض رموزنا الوطنية وذكراهم، متجاهلة جميع النتائج التي تنتج عن هذا القبض غير البريء.
لقد بات من المعلوم، أن رموزنا الوطنية الأردنية، تعرضت وما زالت لتشويه واستهتار من بعض الدوائر الرسمية، مستغلةً بذلك سطوتها القانونية والوظيفية في جميع المدن والمحافظات، في حين لا زال الوطنيون الشرفاء يتحملون أعباء اخطاء هذه الدوائر ، انطلاقاً من حرصهم الوطني، والديني، والإنساني, لتثبيت الأمن والأمان في عصر انعدامه .
عقيدة راسخة عند الوطنيين، بأن ليس كل من هو خارج (عقلية بعض هذه الدوائر التي تتربص) بخائن، كما أنه ليس كل من هو (داخل هذه الدوائر الرسمية) بحامي الحِمى، وليس كل مَن لا يهتف بالوطنية ورموزها ولو في سره، منتهجاً بذلك طريق “أضعف الإيمان”، فإنه لن يهتف مطلقاً ضد رمز وطني بحجم ” وصفي التل ” .
إن للبعض المتربص بتاريخ هذا الأردن لغة، لا يفهمها إلا أولئك الذين يتاجرون بأوطانهم بأبخس الأثمان ، فهؤلاء حاذقون في اقتناص الفرص، لنبش عش دبابير الفتن والنعرات الوطنية ، ولذا من حق الأردنيين، أن يعرفوا أصحاب “الأيدي القذرة” التي من مصلحتها أن تشوه سيرة رموزنا الوطنية ، وبنفس الوقت من مصلحة هذا الشعب أن يعرف أيضاً مَن له مصلحة بتلطيخ صفحات التاريخ المجيد لهذا الوطن ورجالاته ، الذين ثبتوا ودفعوا دماءهم ليعيش الأردني في وطنه في آمان .
هذه الفئة المتربصة صاحبة اللغة المتلونة والمشفرة في آن واحد , كان لها أكبر الأثر في اغتيال وطننا ورموزنا وشهداءنا من جديد ؛ بحجة المحافظة على “مجمع الآلهة” فوق جبال قبضاتهم الوظيفية .
(التوقيت) الذي ظلل أحداث “دارة وصفي التل “، توقيت بالغ الدقة والحساسية، فالدولة تعاني على جميع الأصعدة، من أزمات حادة سواء على الصعيد السياسي، أو الاقتصادي، أو الاجتماعي، أو التعليمي، إضافة إلى أن جميع المؤشرات تدل صراحة على مقدار الخسائر العظيمة، التي ستجنيها وحدتنا الوطنية المرتبطة قاطرتها بفتيل أزمات موقوتة قد تنفجر بأي لحظة من هذه اللحظات .
حتى التحركات الخجولة داخل الوطن للملمة هذه التشظيات المترامية الأطراف نتيجة حالة التأزيم العامة ، لم تنجُ هي الأخرى من حالة الاغتيال من البعض المتربص في بعض الدوائر الرسمية ، كادت تقود البعض الوطني الى فتح بيوت عزاء، ترحماً على أرواح التحركات التي فشل كثيرٌ منها في عملية لململة الوحدة الوطنية والارتفاع بها فوق حالة التأزيم الحالية .
ولذا فإن التوقيت لم يكن بريئاً ، الأمر الذي يشي بأن ثمة أصابع خفية، أخذت وبشكل جدي تعمل على تغيير قواعد اللعبة ، بعد أن فشلت جميع أساليبها السابقة في قذف “الوطن” في قلب “جهنم الملتهب “.
إن كل مَن يسعى إلى إغتيال رموزنا الوطنية وشهداءنا بحجم ” وصفي التل ” , أيا كان هذا الساعي , ليطمح بشكل واضح، إلى جعل جميع الاردنيين يقفزون فوق “الجغرافية” و ” التاريخ ” ، بحجة التماهي مع الواقع ، لتكبر كرة الثلج أكثر وأكثر، وليكثر المتربصون ، سعياً منهم إلى العبث في فسيفساء هذا الوطن عن طريق اغتيال رموزه ، وتشويه سيرتهم وصولاً إلى جر البلاد إلى عتبات الجحيم.
الشعب الأردني على ثقة كبيرة، بأجهزته الأمنية والمخلصين من ابناء هذا الوطن كلٌ في موقعه ، فهو يعلم تمام العلم بأنهم لن يتوانوا عن تقديم كل مَن يثبت تورطه في (التعدي على هذه الرموز الوطنية بتدنيس ذكراهم ) إلى (القضاء الأردني النزيه) مهما علت رتبته في أي موقع وظيفي أو رسمي .
وإلى كل من ينتهج سياسة إبكاء الاردنيين عن طريق رموزهم نقول:
لن يبكي اردني واحد أمام رمزه الوطني، فهذا الأردني لم يُخلق ليبكي، بل خُلق ليقود لا أن ينقاد ….