مشاركة الاردن في عمليات حفظ السلام الدولية

3 يونيو 2022
مشاركة الاردن في عمليات حفظ السلام الدولية

زهدي جانبيك

“وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ” (170)

اعلنت القوات المسلحة الأردنية، استشهاد رقيب من قواتنا المسلحة وإصابة آخر، جراء تعرض إحدى دوريات قوة الانتشار السريع مالى/2 أثناء تنفيذ الواجب ضمن قوات حفظ السلام العاملة هناك، لهجوم مسلح. وتأتى مشاركة قوة الانتشار السريع الأردنية مالى فى إطار مواصلة القوات المسلحة عملها ومشاركتها قوات حفظ السلام الدولية التابعة للأمم المتحدة فى عمليات حفظ الأمن والاستقرار والسلام وتقديم العون الإنسانى للشعوب المتضررة فى مختلف مناطق الصراع فى العالم.

مشاركة الاردن مع قوات حفظ السلام ليست جديدة، وارتقاء الشهداء نتيجة هذه المشاركة ثمن مستحق لقاء هذه المشاركة المتجذرة في حفظ السلام العالمي. واعلان الجيش عن استشهاد رقيب واصابة آخر ضمن قواته العاملة في مالي يأتي ضمن هذا الاطار.

الجديد بالموضوع حقا هو تجرؤ البعض على مهاجمة القوات المسلحة الاردنية، فقد اشتهرنا بشدة الانضباط وبالتطبيق الحرفي لقواعد الاشتباك بشكل كافي لردع كل من يفكر بمثل هذا الهجوم الغاشم … ولا اخفي سرا ان قلت انني متفاجيء من هذا التراجع في الأعداد (بفتح الهمزة) والإعداد (بكسرها). ولعل هذا ما فتح الباب واسعا للكثير من التساؤلات حول مشاركتنا في عمليات حفظ السلام حول العالم وبكافة المكونات العسكرية والشرطية والمدنية.

وللقيام بواجبنا الدولي فقد انتشرت قواتنا واجهزتنا الامنية في دول عديدة في جميع القارات (بما فيها امريكا الشمالية حيث كانت فلوريدا مركز الانطلاق نحو هاييتي)، وقد خسرنا نتيجة هذه المشاركة 67 مواطنا اردنيا عسكري وامني ومدني. ولعل اقدم شهدائنا الذين ارتقوا اثناء عملهم مع المنظمة الدولية كان عام 1967 اثناء عمله مع ال UNTSO خبراء مراقبة الهدنة في الشرق الاوسط…
اما باقي الوفيات ال 67 فقد كان سبب وفاة 26 منهم نتيجة حوادث غير مسلحة (19 من الجيش و 7 من الامن العام) ، بينما توفي 21 نتيجة اصابتهم بالامراض (6 مدنيين 9 جيش و6 امن عام)، واستشهد 17 منهم نتيجة اعمال عدائية مسلحة (3 مدنيين و 11 من الجيش و3 من الامن العام)، وكان الثلاثة المتبقون قد وافتهم المنية لاسباب اخرى مختلفة.

علما بان العدد الكلي للوفيات في صفوف العاملين في عمليات حفظ السلام منذ عام 1948 قد بلغ 4197 وفاة من مختلف الجنسيات منهم 1090 بسبب اعمال عدائية مسلحة، 1432 بسبب الامراض، 1371 بسبب الحوادث، و304 لاسباب مختلفة. اي ان نسبة الوفيات الاردنية مقارنة بالوفيات من باقي دول العالم منذ عام 1948 لا يتجاوز 1.5% .

الموقف الحالي لحجم مشاركتنا
يبلغ عدد الاردنيين المشاركين في عمليات حفظ السلام حاليا 639 اردنيا منهم 608 ذكور و 31 اناث. عدد العاملين من القوات المسلحة منهم 318 بينما الامن العام 284 منهم (87 مراقبا دوليا و 197 سرايا شرطة)،
بينما يبلغ عدد المدنيين 37 (منهم 7 خبراء)، وبهذا يكون ترتيب الاردن 34 بين الدول المشاركة بعمليات حفظ السلام من حيث عدد المشاركين من 121 دولة كما هو بتاريخ 31 آذار 2022.

وباستثناء مشاركتنا في لجنة الهدنة الاردنية الاسرائيلية عام 1967 فان مشاركتنا الدولية في عمليات حفظ السلام بدأت عام 1991 ب 15 مراقبا دوليا من الشرطة والجيش وسرعان ما ارتفع العدد ليصبح 3495 عام 1992 ويحتل الاردن المركز الثاني على مستوى العالم من حيث عدد القوات المشاركة في حفظ السلام الدولي وكانت فرنسا بالمركز الاول.

ومع نهاية عام 1994 ارتفع عدد قواتنا ليصبح 3614 ونحتل المركز 5 خلف بريطانيا وبنغلاديش وفرنسا والباكستان التي جاءت في المركز الاول.

ومع نهاية عام 1999 انخفض عدد قواتنا المشاركين بعمليات حفظ السلام الى 205 مراقبين دوليين بعد انتهاء مهمة القوات المسلحة الاردنية في المواقع التي كانت تشارك بها ونتراجع بذلك الى المركز 22 على مستوى العالم، يسبقنا عربيا مصر في المركز 17 ومن قبلها امريكا وروسيا وبولندا والنمسا وفنلندا وايرلندا وفرنسا وبريطانيا والسويد والنرويج والمانيا وهولندا، ومن الدول الاسلامية بنغلاديش وغانا، بالاضافة الى الهند ونيبال وفيجي والارجنتين وكندا وساحل العاج.

ومع نهاية عام 2002 ارتفع عدد قواتنا المشاركة بعمليات حفظ السلام الى 1620 مشاركا منتشرين في سبع عمليات حفظ سلام هي: MINURSO في الصحراء الغربية، MONUC في الكونغو، UNAMSIL في سيراليون، UNMEE في اثيوبيا وارتيريا، UNMIK في كوسوفو، UNMISET في تيمور الشرقية، UNOMIG في جورجيا، وجاء الاردن بالمركز الثامن من بين 89 دولة مشاركة.

ومع نهاية عام 2007 ارتفع عدد قواتنا المشاركة بعمليات حفظ السلام الى 3574 مشاركا منتشرين في 10 عمليات حفظ سلام هي: MINUSTAH في هاييتي، UNAMID في دارفور السودان، UNMIN في نيبال، UNMIS في السودان، UNOCI في ساحل العاج بالاضافة الى المواقع المذكورة سابقا، لنعود بذلك الى المركز الخامس من بين 119 دولة مشاركة.

ومع نهاية عام 2012 اصبح عدد قواتنا المشاركة 3505 مشاركا منتشرين في 8 عمليات حفظ سلام منها UNAMI في العراق، UNMIL في ليبريا، UNMISS في جنوب السودان، بالاضافة الى عمليات حفظ السلام المذكورة سابقا، لنتراجع بذلك الى المركز التاسع من بين 115 دولة مشاركة.

ومع نهاية عام 2017 انخفض عدد قواتنا المشاركة ليصبح 850 مشاركا منتشرين في 9 عمليات حفظ سلام منها UNISFA في جنوب السودان، UNIOGBIS في غينيا بيساو بالاضافة الى عمليات حفظ السلام المذكورة سابقا، ليصبح ترتيبنا في المركز 30 من بين 125 دولة مشاركة .

ومع نهاية شهر آذار من عام 2022 تراجعنا الى المركز 34 من 121 دولة مشاركة مع انخفاض عدد قواتنا الى 639 مشاركا.

ندعوا لشهدتئنا بالرحمة، ونتمنى الشفاء للمصابين من اسودنا البواسل في الجيش والامن العام …

الا اننا ومن منطلق الحرص على ابنائنا ومؤسساتنا لا نملك الا الاشارة الى ان التراجع في ترتيبنا بين الدول المشاركة، والانخفاض المستمر في عدد القوات المشاركة بعمليات حفظ السلام يشير الى ما يلي:
اولا: تراجع اهتمامنا بالمشاركة الدولية او
ثانيا: تراجع ثقة المجتمع الدولي بدورنا في عمليات حفظ السلام او
ثالثا: انخفاض الطلب على مشاركة قواتنا في عمليات حفظ السلام او
رابعا: انخفاض قدراتنا التنافسية على المشاركة بعمليات حفظ السلام

وجميع هذه الفرضيات تحتاج الى اهتمام على اعلى المستويات للارتقاء بمستوى جاهزية قواتنا من حيث تحديث الاليات والمعدات والاسلحة والاجهزة من جهة، وتطوير قدرات وامكانيات وجاهزية القوى البشرية المشاركة من جهة اخرى بحيث تزداد قدراتها التنافسية مع الدولة الاخرى وذلك نظرا لما تمثله المشاركة بعمليات حفظ السلام من سمعة دولية بالاضافة الى كونها مصدرا مهما من مصادر الدخل القومي والفردي مع ما تمثله من فرصة للتدريب وتنمية القدرات الفردية والجماعية لقواتنا مع اكتساب الخبرات الدولية نتيجة الاحتكاك والتنسيق مع القوات المشاركة من الدول الاخرى.