بقلمالصحفي: بسام الياسين
الحمار العربي يستخدم للاشغال الشاقة دون رحمة. فقد كابد في الوطن العربي، اعلى درجات العسف و الاهانة.لم يحصل على حقوقه كمخلوق ولا شروطه الاساسية كحيوان خدوم، اسوة بالحيوانات المدللة كالخيول،الكلاب،القطط المنزلية.فقد تم التعامل معه بدونية،رغم خدماته الجليلة في بناء حضارة ما بين النهرين،والحضارة المصرية، كما دلت الحفريات الأثرية .فالحمار اقدر المخلوقات على اجتياز الاماكن الوعرة و الاكثر تحملاً للظروف الصعبة،ومع هذا لا يشكو،كأن لسانه مقطوع وسيفيفه مكسور.
لذا تعرض لكل صنوف القهر عبر التاريخ،ولم يفكر في الحد من شقائه،فبدلاً من الثورة على مستعبديه، تكيف مع اوضاعه،و صب رؤاه الفلسفية في حكمة الصبر على الاذى والزهد بالحياة،آثر العزوبية،لإن الدنيا لا تساوي عنده بعرة..
الإنسان انفجاري لا انفعالي ،سريع الغضب،لا يستطيع ضبط زمام لسانه، ولا التحكم باعصابه،لذلك قرارته غالباً ما تكون خاطئة. تراه مشدوداً في الشارع،في الملعب،في الوظيفة،في البيت يثور للتوافه. مشاجراته كثيرة لاسباب سخيفة، طلاقه على طرف لسانه،اصبعه على زناد مسدسه.اما الحمار يسمو على الغضب ويمتاز بالسكينة. صفات يفتقر اليها كثير من البشر.لهذه الاسباب وما يحمله من نبالة سلوكية،استغل الناس وداعته فركبوا ظهره و اهانوا كرامته..
مسالم حتى السكينة، لم يطالب بدعم شعيره،ولا ببطاقة تأمين صحي للحد من امراضه.سجلاته الامنية في الاقطار العربية، تؤكد انه لم يشارك في مظاهرة،ولم يدخل في مشادة ،و لم يقف وقفة احتجاجية هاتفاً ضد من ظلمه.مسيرته الاستسلامية دفعته للبقاء في الظل و جعلته اقرب ما يكون في افكاره الى توجهات “حزب الكنبة “،فانخرط مع الاغلبية الصامتة،لهذا خسر نفسه، ولم يخرج من حمرنته،عكس حمار الحزب الديمقراطي الامريكي الذي تحول بسبب عناده الى ايقونة سياسية ثم صار علامة تجارية تُطبع على القمصان،القبعات،اقداح القهوة،وفاز مؤخراً بمقعد رئيس الجمهورية بعد انتصاره على البغل ترمب..
يُحكى في الاثر،انه آخر من صعد الى سفينة نوح عليه السلام،تواضعاً منه. لم يرفس احداً ولم يزاحم غيره،. بقي طوال رحلته صامتاً، كأن ( اللا الاعتراضية ) سقطت من فمه،وابتلعها البحر. منذاك الى يومنا هذا لم ينبس بكلمة. هبطت الحمير في عدة موانيء، اسوأها حظاً من نزل في الموانيء العربية، اذ تعرضت لإبشع صنوف الاذلال،لكنه برفع قضية رد اعتبارلانه حمار،و للاسف لم تتعاطف معه روابط حقوق الحيوان..
تشير السيرة الذاتية للحمار العربي، الى تعرضه للاستبداد العربي،من ضرب جائر، حراثة ،ركوب فوق العدد المسموح ،ناهيك عن الاحمال الثقيلة. ظل في خانة الاستكانة، مستسلماً للعصي تلهب ظهره،دون ان يدافع عن نفسه او يحاول الارتقاء لمنزلة الحصان في الفروسية ولا الى البغل في قوة الشكيمة،بينما الحمار القبرصي حظي بمكانة عالية وحياة كريمة…رعاية صحية،وجبات غذائية مكتملة العناصر،الاقامة في حظائر باشراف بيطريين،وعند بلوغه سن التقاعد،يمضي اواخر ايامه في مزارع خاصه، الى ان يقضي نحبه،فتقوم لجان خاصة بدفنه، ووضع باقات البرسيم على قبره ثم تكريمه بالقاء الخطب اللائقة بانجازاته.
في البلاد العربية، الصورة مقلوبة.في سن الشيخوخة او اصابة العمل يُستغنى عنه، ويُطلق سراحه ليهيم على وجهه كي يلتقط رزقه من المزابل . الاخطر في مصر ، نُفذت بحقه مجازر ،حيث قام بعض الجزارين بذبحه،حتى ان بعضهم اعترف بالرضا عن جريمته، لان نيته ـ كما ادعى ـ كانت اسعاد الفقراء، بتقديمه لحم الحمير باسعار زهيدة، خاصة اسياخ الشواء اللذيذة المحرمة على الفقراء.اما ” الحمار العراقي / سموك “.حمار محظوظ ، شاهده الغزاة ألامريكيون في محافظة الأنبار، وآثار سوء التغذية بادية عليه،وقد جحظت عيناه وهزل جسده. أخذوه إلى معسكرهم للإعتناء به وتضميد جراحه،وقدموا له وجبات من الخضار و الفواكة، حتى استرد عافيته.. بعد تقاعد الكولونيل المسؤول عن المعسكر، اخذه معه ليحصل على الجنسية الامريكية ويقضي بقية حياته في ولاية ميشيجان بامان….للحق انها الفضيلة الوحيدة للامريكان… انقذوا حماراً لكنهم دمروا بلداً وشردوا شعباً.فيا حسرة على حمير الامة.